كانت البدايات الأولى لإنتاج الفخار في العصر الحجري الحديث الفخاري، إذ يقسمه علماء الآثار إلى طورين طور ما قبل الفخار، والطور الفخاري، ويمتد طور ما قبل الفخار فيما بين (8000ق.م – 7000ق.م)، ويشار إليه في مراجع الآثار بهذه العبارة (Pre- Pottery) والطور الثاني هو طور الفخار (Pottery neolethic) وهو طور العصر الحجري الحديث الذي يمثل مراحل ما بعد الألف السابقة ق.م.. التي ازدهرت فيها القرى الفلاحية وزاد فيها اعتماد الإنسان على الزراعة والتدجين، للحيوان كونه مورداً هاماً من موارد الغذاء. ويرى الدكتور «مورنكات» في كتابه «تاريخ الشرق الأدنى القديم» ص25، أن اختراع الدولاب تم في الحقبة التي تشمل العصر الحجري المعدني الوسيط (5000ق.م). المزامن مع دور العبيد الأولى والعصر الحجري المعدني الأخير (4000 - 3500 ق.م) أو ما يعرف بدور العبيد الثاني «إذا يقول حقاً لقد حققت صناعة الفخار تقدماً تكنيكياً جباراً خلال هذه الفترة باختراع الدولاب الذي كان يدار يدوياً ببطء» في بادئ الأمر. ونستطيع أن نتتبع مراحل صناعة الفخار من خلال استقراء مواقع صناعته الأولى بدءاً من فخار سكجة كوري شمالي سورية مروراً بفخار «حسونة» وفخار «سامراء» (حلف) وفخار «برسويوليس» و«السوس» وفخار «أورك» (الوركاء)، ودور جمدة نصر وصولاً إلى فخار فجر السلالات حتى الفخار «الأكدي» والبابلي القديم غيره من أنواع الفخار المرتبط بالحضارات الأولى في بلاد الرافدين والشرق الأدنى القديم عامة. فخار تهامة إن الأسباب التي قادت الإنسان إلى البحث عن أدوات مناسبة وملائمة لحاجاته المتزايدة يوماً بعد يوم فاهتدى إلى صناعة الأواني الفخارية ذات النمط السمبع الخشن وتكون عادة غير مشوية بالنار ومصنوعة يدوياً، نتيجة ملاحظته للغظار عندما يجف (الطين). والبدايات الأولى لصناعة الفخار في اليمن ترجع إلى حوالي 2600 ق.م. بحسب اكتشافات البعثة الإيطالية في المرتفعات الوسطى بقيادة دميغريه. وكذا الحفريات التي قام بها عبده عثمان غالب في سنة 93م أثناء رئاسته لقسم الآثار بجامعة صنعاء.. إذ عثر على فخار سمج خشن الملمس من النوع البسيط جداً في صناعته. أما في المناطق السهلية من اليمن وتحديداً في سهل تهامة فقد ظل الأمر مجهولاً لعدم قيام أعمال تنقيب أثري منتظم بشكل علمي، وفي الأعوام 96، 97م، قامت البعثة الكندية التابعة لمتحف اونتاريو الملكي بأعمال تنقيبات في سهل تهامة بقيادة (إدوارد كيل) وتحديداً في قرية الميتنة تضمنت تحريات في تل الكتف الأحمر الكبير الذي أرخ إلى الفترة الزيادية (دولة بني زياد) بمعنى الحقبة الإسلامية. وهذه القرية وما يجاورها بمحيطها هي ما يعرف (الفازة) الميناء القديم الذي كان يتم الدخول منه إلى زبيد وغيرها من المدن في ذلك الحين (أيام الرسوليين والبعثة في واقع الأمر كان هدفها دراسة زبيد بأوسع صورها عن طريق الصدفة عثر على موقع المدمن الذي يعد مكملاً لهذه الدراسة وعلى جانب كبير من الأهمية لأنه يكشف عن تاريخ السهل أثناء فترات ما قبل الإسلام. والمثل اليمني يقول (تهامة طرق) وما حدث يؤكد مصداقية هذا المثل فعندما انعطف مدير البعثة مع فريقه عن الطريق خطأ بعد نخيل المد من عقب نقل العمال والمعدات من قرية المتينة إلى الدمن صادف سالم عباشي شريني الذي سأله ما إذا كان يريد رؤية الأحجار (آنصاب) فذهب وإذا به موقع أثري هام جداً أجاب عن استغراب الغياب النسبي لمواقع أثرية تعود إلى فترة ما قبل الإسلام. كيفية صناعته كان يتم أولاً اختيار التربة المناسبة الخالية من الشوائب الكبيرة وبعد ذلك يقوم الصانع بغربلة الرملة التي اختارها لصنع الأواني من الشوائب المتبقية، بعد هذه الخطوة يخلطها بالقش لزيادة تماسك الطينة بعد عجنها بالماء. ثم يصنع منها الآنية التي يحتاجها بالأشكال التي غالباً ما كانت بسيطة تتناسب وعملية الصنع اليدوي. ثم يقوم بتجفيفها فيزيائياً (تحت أشعة الشمس) وفي المرحلة المتأخرة عندما تقدمت هذه الصناعة كانت تجفف بالحرق الذي يسبقه تنعيم سطح الآنية إما بتمريرها على سطح أملس أو على راحة اليد.وكانت الأواني المستخدمة لخزن الحبوب تكون عادية لا تحرق وإن أحرقت فبنسب متفاوتة. أما الأواني الصغيرة التي تستخدم في الأكل والشرب وحفظ السوائل فكانت تصنع بحيث تكون أقل سامية ثم تطلى بطبقة من التزجيج تشبه الكؤوس الصينية. ويرتبط فخار تهامة بالبيئة لأن تهامة فقيرة جداً بالجبال أو لا يوجد جبال قريبة من مناطق التجمعات السكانية مما حدا بالإنسان إلى الاعتماد على الأواني المصنوعة من الفخار بشكل كلي، وهذا ما يفسر استمرار هذه الصناعة في سهل تهامة إلى اليوم خاصة في حيس التي ينسب إليها تسمية «الحيسي» المستخدم في شرب القهوة وكذلك «الكوز» الذي يبرد فيه الماء وتلك الصحف التي تستخدم في عمل الفتة الشعبية في المطاعم اليمنية في وقتنا الحالي. وقد عرفت بعض الأواني الصغيرة في مراحل سابقة نسبية باسم السلطاينات كانت مزججة بلون أصفر فاتح يقال إنها تعود إلى عهد الدولة الرسولية عندما بدأ الفخارون يهتمون بتلوين الأواني بهذا اللون وكذلك اللون الأبيض متأثرين بالأواني المستوردة من الصين في ذلك الوقت نتيجة ازدهار التجارة بين الدولة الرسولية والصين.. وأما قبل ذلك فكان الفخار ذا لون أحمر غير مزجج.. وكم هو جميل لو أن وزارة السياحة في اليمن تشجع الفخارين اليمنيين على استمرار هذه الصناعة خاصة وأن هناك عودة كبيرة جداً لاستخدامها الصحي مقارنة بالأواني البلاستيكية والمعدنية التي لها أضرار لا تحصى، خاصة وأن الفضائيات التي تثبت حلقات عن الطب البديل تؤكد على أهمية استخدام الأواني الفخارية، وقد باشر الفريق أعمال المسح الأثري في الموقع المليء بكسر الفخار الأثري إذ كان الموقع غنياً بالفخار. وبالمناسبة فإن الفخار من أهم المواد التي تحدد ما إذا كان الموقع أثرياً أم لا بسهولة.. لأسباب عديدة أهمها مقاومته الشديدة لعوامل التلف والتعرية وكثرة ما يوجد من كسر حتى وإن تعرضت الآنية للكسر فإن كسرة منها تزودنا بمعلومات هامة وغزيرة.. وكانت كسر الفخار متناثرة في الموقع بمساحة تبلغ أكثر من نصف كيلو متر.. وقد دلت هذه اللقى الأثرية على مستوطنة قديمة على الرغم من عدم كشف ما تحت الكثبان الرملية، في حين أن اللقى الفخارية التي جاءت من المنطقة الجنوبية الغربية للموقع فيظهر أنها تراكمت بواسطة ترسبات مياه الفيضانات. وعند تحري البقايا المتناثرة المختلفة في مساحة تقدر ب(8) كيلو مترات مربعة. وفي الموقع الرئيس كشفت التنقيبات عن أنصاب الميغاليث الجرانيتية القائمة على أدوات نحاسية وبعض مقابر الأطفال التذكارية، وكذلك الزجاج البركاني الأوبسيديان) وبعض الأدوات الحجرية لما قبل التاريخ وبدء العصور التاريخية. • التنقيبات على ضوء الكسر الفخارية: دلت التنقيبات على وجود أنشطة حرق تشير الى وجود مطبخ وكذلك تم العثور على مجموعة فخارية كبيرة من المنطقة ومن ضمنها اكتشفت حفرة نار واضحة المعالم، لكن لم يعثر على بقايا عضوية فيها. • تصنيف الفخار: وجد أن كثافة الفخار الذي التقط من السطح وفخار الحفريات متساوية، وفي بعض الحالات وجدت الأوعية الفخارية كاملة بمواضعها، وبعض الكسر ترسبت بالقرب من أماكنها الأصلية وكان ينقسم إلى نوعين: الأول فخار من النوع الذي أطلقت عليه البعثة اسم فخار محطة الغاز (Gasstation) من موقع (STN) شمال زبيد الذي يعد الموقع الرئيسي الوحيد الذي زودنا بفخار ما قبل الإسلام، حسب الدراسة التي قامت بها البعثة في (10 1) 95، 1996م (keall). صنع الفخار باليد بشكل جيد ويشابه من حيث الشكل فخار موقع صبر بمحافظة لحج الذي أشار إليه الدكتور فوغت في مؤتمر دراسات الجزيرة العربية، والذي أرخ إلى حوالي 1300 ق.م 900 ق.م.. استناداً إلى التواريخ التي حصل عليها بواسطة الراديو كاريون المشع وهو تاريخ نسبي، ليس مطلقاً. لكن وجود (غطاء مثقب) يحمل رموزاً محززة قد تعتبر مرحلة أولية لعلامات كتابية إضافة إلى وجود حروف أولية سبئية على أحد النماذج يقترح التاريخ الأحدث لتلك المواد. وقد وجدت أنواع من فخار صبر تختلف عن فخار (STN) من زبيد وغياب أنواع تشبهه ضمن فخار صبر، مما يجعلنا نتساءل إذا كانت هناك تقاليد محلية لصناعة الفخار من منطقة إلى أخرى أو أن الأمر يتعلق بفترات زمنية مختلفة لكن الأرجح أنه يوجد تقاليد مختلفة محلياً من منطقة إلى أخرى مرتبطة بنوع الأنشطة اليومية والاستخدامات برأيي وهذا هو النوع الثاني الذي تحدثنا عنه آنفاً ويعد النوع الجيد. ولا نزال نرى الأكواب المصنوعة في حيس تستخدم لشرب القهوة وتباع في محلات تبيع هذه الأواني، وكذا الحصير المصنوع من سعف النخيل ويطلق اليمنيون على هذه الأكواب اسم «حيسي»، وهناك نوع آخر يسمى المُصيب لكنه يختلف من حيث شكله وصنعه، حيث إنه غير مزجج وغالب الظن أنه يصنع في محافظة تعز.