كوكبان مدينة تاريخية تقع إلى الشرق من مدينة المحويت وتبعد عنها بحوالي “76” كم ويعود تاريخها إلى عشرات القرون ومازالت حتى اللحظة تحافظ على عبقها الأثري والتاريخي وتنشر جمالها الفياض من سفح جبل ذخار على أرجاء اليمن.. تحتفظ كوكبان بهويتها الثقافية كونها عنوان اعتزازها بماضيها وحاضرها المليء بالأسرار والعجائب ولطالما كانت كوكبان مصدراً للإبداع، حيث نهل العدد من الفنانين والأدباء والشعراء من معينها الذي لاينضب. كوكبان مدينة تغازل القلوب وتأسر العشاق وتهوى الفن وتلهم العقول وتداوي الجراح تزدان نوراً وبهاءً بإطلالتها الجميلة على مدينة شبام ووادي النعيم في الصباح تغازل أشعة الشمس البنفسجية وتزرع في النفوس الأمل وفي عتمة الليل تبرق كعروس لايضاهيها بجمالها غير وجهها المستنير وعند غروب الشمس تبرز كنجمة تضحك للشفق المهيب. الزائر لهذه المدينة يشعر بألق التراث اليمني، لاسيما حين يصحو صباحاً على رائحة القهوة اليمنية بنكهتها الأصيلة المصاحبة بعزف فنان كوكبان الحارثي وهو يتغزل في مدينته بقوله: سلام ياروضة الأهجر وروضة بلادي.. ياخلدها والنعيم سلام من صب مشتاق أدمعه كالغوادي.. وفي حشاه الجحيم سلام مالعين في المحجر سقت كل وادي.. خريرها كالرخيم إلى أن يقول سلام ما الغانية تسجع بلحن الحوادي.. وصلات تشفي السقيم سلام ماغردت فيك القماري تنادي.. بألحان تسبي الحليم “الجمهورية” أجرت هذا الاستطلاع وخرجت بالحصيلة الآتية: تعد مدينة كوكبان من أقدم المدن اليمنية وأجملها؛ نظراً لطبيعتها البكر وجوها الذي يشفي النفوس وروعة مبانيها والتي تدل على شواهد أثرية وتاريخية قديمة، كما أن مواد التراث التي مازالت كوكبان تحافظ عليها تعد شاهداً على ثقافة عريقة اكتسبتها هذه المدينة الجميلة تناسلت هذه الثقافة عبر التاريخ فتركت رسماً حياً شاهداً على الموروث الحضاري والتاريخي وهو ما وضع هذه المدينة في قائمة المدن السياحية والثقافية الأولى في اليمن. مدينة كوكبان تطل بجمالها البهي على مدينة شبام والتي تربطها بها سلالم حجرية وتقع كوكبان على سفح جبل ذخار وترتفع عن مستوى سطح البحر بما يقارب “2800” متر وتحتل موقعاً استراتيجياً وقد ذكرها الهمداني على أنها حصن مشهور يطل على مدينة شبام كوكبان ونقل الحجري قول ياقوت بأنه يسمى كوكبان نسبة إلى قصرين كانا مبنيين بالفضة والحجارة وبداخلها الياقوت والجوهر وقيل سبب التسمية بكوكبان كون الحصن يلمع بالليل كما تلمع الكواكب فسمى بذلك وقد اشتهر الحصن منذ أن كان مسكناً للحميريين القدماء واتخذت كوكبان معقلاً لعاصمة الدولة اليعفرية “شبام” في القرن الثالث الهجري وفي القرن السادس الهجري اتخذها الإمام المنصور عبدالله بن حمزة عاصمة له وفي القرن التاسع الهجري عين الإمام شرف الدين ولده شمس الدين أميراً على كوكبان واتخذها المطهر شرف الدين معقلاً حصيناً أثناء معاركه الحربية ضد الأتراك واستعصى على الأتراك إخضاعه وقد اشتهر أهل كوكبان بالأدب والشعر والعلم وذكر أحد المسنين أن اسم كوكبان نسبة إلى “كوكبان أقيان بن زرعة من حمير”. قشلة كوكبان تعد القشلة بمثابة قلعة عظيمة تتصدر مدينة كوكبان وتم تشييدها إبان الوجود العثماني الأول “1538 1636م” على أنقاض حصن قديم تم بناؤه في العصر الأيوبي وتعرض للهدم والتدمير وإعيد بناؤها في الوجود العثماني الثاني في الفترة “1849 1911م” وتعرضت بعدها للهدم والتدمير وتم تأهيلها مؤخراً من قبل الهيئة العامة للمدن التاريخية وتتكون القشلة من طابقين يحتوي الطابق السفلي على عدد من الحجرات تفتح إلى الساحة الداخلية للمدينة ويماثله الطابق الثاني ويعلو هذا الجزء من القلعة ممر عليه عدد من المزاغل المستخدمة لرمي السهام في حالة الدفاع عن المدينة وفي الطرف الشمالي الشرقي يوجد برج دفاعي مستدير الشكل وفي الجهة الشرقية فتحة دائرية تؤدي إلى نفق محفور تحت الأرض يتم النزول إليه عن طريق عدد من الدرج الهابطة وهذا النفق ينفذ إلى أسفل المدينة ويزين الجزء الأعلى للمدخل من الداخل لوحة حجر البلق مصقولة عليها كتابات لعدد من الأبيات الشعرية التي تمتد في حصن كوكبان وتحدد تاريخ عمارية وقد طمس مقاطع كثيرة من هذه الكتابات ومن باب القشلة الكبير يتم الدخول إلى مدينة كوكبان. معالم مدينة كوكبان تحتوي مدينة كوكبان على العديد من المعالم الأثرية والتاريخية أبرزها جامع المنصور والذي بني من قبل الإمام المنصور عبدالله بن حمزة في القرن السادس الهجري ويعد تحفة معمارية تعكس مدى براعة أهل اليمن في العمارة الإسلامية وقد أعيد ترميمه حديثاً ومن المعالم أيضاً “الشونة” وهو مصطلح عثماني لمكان تخزين الحبوب ويتكون من غرفة كبيرة مقسمة إلى أجزاء تسمى الأحقاب لها باب واحد وفتحات من السقف لصب الحبوب إلى الأحقاب ويساندها مدافن محفورة في الصخر تبعد عنها بحوالي ستين متراً من جهة الغرب. ومن معالم مدينة كوكبان المنصورة وهي عبارة عن بركة كبيرة مبطنة بمادة القضاض لحجز مياه الأمطار وبنيت المنصورة في العصر الأيوبي وقد أخذ منها الإمام شرف الدين الجزء الغربي وضمه للجامع الكبير ومن المعالم سد الحمام وهو سد ضخم لحجز المياه وهو موجود وسط المدينة. خصائص كوكبان المعمارية تتوزع مباني وبيوت وقصور مدينة كوكبان على امتداد سفح جبل ذخار “جبل الضلاع” ويغلب على مبانيها اللون الأرجواني المائل إلى الحمرة وذلك بسبب استعمال حجارة ترسبية تسمى “العمش” وهو ذات الطابع الذي يستخدم بمحافظة المحويت ومن الجهة الشرقية تعد مدينة كوكبان مفتوحة وكان قديماً لديها سور منيع لا يمكن الوصول إليها وكان لها مدخل واحد يسمى باب الحديد وعموماً فإن كوكبان تحتفظ بطابعها المعماري الفريد ويوجد بها العديد من الحمامات القديمة والتي تستخدم للطهارة والوضوء ويوجد بداخلها العديد من البرك والسرادب والصهاريج التي لم يفك طلاسمها بعد. شهادة تعتز بها كوكبان الأديبة الأردنية سميحة خريس كتبت عن كوكبان وقالت: في المساحة المعلقة بين الأرض والسماء بين الحلم والحقيقة تسترخي كوكبان تمد أطرافها الخضر على مدارج الهضاب المحيطة وتتنفس بدعة في عمق الوادي المكلل بالغيم قرية مسكونة بالأسطورة تخرج النسوة الرشيقات المدثرات بالأسود يخطين بثبات وهن يوازن أكداس الحطب فوق رؤوسهن يتظاهرن بأنك لاتمر قربهن حتى إنك لتحار إن كنت حقيقياً في عالمهن الغريب لايستجبن للأسئلة والمغاير تسابق راعية الماعز قطيعها الصغير على مرتفع شاهق وعر إلى بيت كأنه اجتث من خيال وانتصب في قمة نهائية الفاتنات السمر يتراكض في حقول القات والقهوة وقد ارتدين قبعات عريضة من القش كأنهن بزغن من رواية لكاتب من أمريكا اللاتينية إحداهن التفتت إلينا وأشارت إلى كاميرا التصوير وقالت قبل أن تنفر بعيداً "حرام"...ومضينا كأن عصراً وثقافة مختلفة تحكم علاقتنا بالمكان. المجالس فن ومرح وتواصل الكاتبة الأردنية بقوله: دخلنا كوكبان معقل الفن والأدب من هذه البقعة خرج أبرز شعراء الفن الشعبي والعازفين وحملة التراث اليمني إلى الجزيرة العربية كوكبان وما أدراك ما كوكبان! حيث المجالس كلها فن ومرح يدور العود على الجالسين تباعاً ليوقع كل جالس لحناً على الوتر ويشدو من كان صاحب صوت شجي، ولم أجد في الدنيا احتراماً ومكاناً للعود كما في كوكبان، وإذا كنا عرفنا الوقف يسخر للمشاريع الخيرية والإنسانية وربما التعليمية فإن في هذه القرية وقف يسمى العود. آلة العود وقف في كوكبان وتواصل بقولها: لا يشبه هذا الوقف حتى أشهر وقف ثقافي في العالم وأعني جائزة نوبل المرصودة للأدب والفن والسلام تكفيراً من اختراع الديناميت، لكن جائزة كوكبان توزع على مجتمع كامل شيئاً من الحساسية والفن عبر تعلم الإيقاع على أشهر آلة موسيقية عربية بين موجات الغيوم السارحة يمكن استرجاع تلك الهجرات العربية التي خرجت من اليمن ليعمر العرب الدنيا لعلهم حين خرجوا من فردوس المكان ارتطموا بالصحاري وغادروا الخضرة فجفت النفوس وخشنت الطباع، ولكنهم عبر الحضارات المتعاقبة التي أقاموها اصطحبوا من قديمهم صوت الوتر يهيج الروح ويهذبها ويذكر بالفردوس. المجمع التعبدي تشير كثير من النقوش التي عُثر عليها في جدران المباني الحديثة إلى أن جبل اللو”ذخار” والذي تقع عليه كوكبان كان يضم في قمته مجمعاً تعبدياً دينياً يشتمل على معبدين كبيرين الأول للإله”عشتر” والثاني للإله”المقه” وإليهما كان سكان المدينة يتوجهون بالطقوس الدينية إلا أن أحجار المعبدين تستخدم حالياً في المباني بعد انهيار المعبدين.