تتربع على قمة جبل الضلاع مدينة كوكبان التي تبعد 45 كيلومتراً من الشمال الغربي للعاصمة صنعاء على ارتفاع 2800 متر فوق سطح البحر بحصونها وسورها مآثر تاريخية وتجذب السياح.. إن تاريخ مدينة كوكبان يعود إلى عشرات القرون ولاتزال حتى اليوم تحافظ على عبقه في كل ركن وزاوية من زواياها التي تنتصب على سفح جبل الضلاع ناشرة لونها الأرجواني الذي يغلب على ألوان مبانيها. وكمعظم المدن اليمنية القديمة يلف المدينة من احدى جهاتها سور شامخ فيما تشكل العوائق الطبيعية بقية سور المدينة التي لا يمكن دخولها إلا من بابها الوحيد المسمى “باب الحديد” المحتمي بقلعة “القشلة” التي بنيت في زمن العثمانيين. تمثل مدينة كوكبان بمبانيها العتيقة التي حافظت على طابعها المعمارى متحفاً مفتوحاً يجسد عظمة التاريخ القديم للمدينة التي مازالت تحتضن في طياتها جزءاً هاماً من تاريخ اليمن من خلال الكثير من المباني الأثرية المتمثلة في المساجد القديمة كمسجد “المنصور” الذي بناه الإمام عبدالله بن حمزة قبل حوالى عشرة قرون تقريباً، كما يعد حصن كوكبان من أشهر المعالم التاريخية بالمدينة وهو حصن شامخ يتربع على سفح جبل المدينة عالياً كحارس للمدينة وقد ذكره العديد من الرحالة والمؤرخين العرب البارزين كأبي الحسن الهمداني وياقوت الحموي الذي قال بأن الحصن سمي كوكبان “لأن قصره كان مبنياً بالفضة والحجارة وداخلها الياقوت والجوهر، وكان ذلك الدر والجوهر في الحصن يلمع بالليل كما يلمع الكوكب، فسمى بذلك”. وقد اكتسب الحصن مكانة خاصة في نفوس أهل المدينة لأنه كان أحد الحصون التي قاوم اليمنيون من خلالها قوات الدولة العثمانية التي حكمت اليمن. وقد ساهم البناء المعماري المحكم للحصن في تحويلها إلى قلعة حصينة اكتسبت سمعة واسعة في هذا الجانب حيث يتوسط الحصن باب خشبي عملاق مغطى بصفائح معدنية صلبة كما يعتلي الحصن عدد من الأبراج الحربية ومخابئ قذف السهام كما تم حفر نفق من داخل الحصن ينتهي في منتصف المدينة. وتعكس قلاع المدينة عموماً الأهمية الحربية للمدينة حيث يقال إن تلك الأهمية تعود لتاريخ الدولة الحميرية التي اتخذت المدينة حصناً ومخزناً لحفظ الحبوب كما اتخذها الأيوبيون حصناً لهم وكذلك فعلت الدولة العامرية قبل أن تصبح قاعدة عسكرية للقوات العثمانية بعد ستة أشهر من حصار أهلها. علم وشعر وفن على مدار التاريخ اشتهرت كوكبان بكثرة العلماء الذين أنجبتهم وعرفوا بغزارة علمهم وتسامحهم وانفتاحهم وهو الأمر الذي وفر مناخاً جعل المدينة مركزاًًً مهماً للشعر والفن والأدب حيث ينسب الكثير من الأدباء والفنانين للمدينة التي تركت أثراً بارزاً في تاريخ الأدب والفنون في اليمن وقد مثلت المدينة ذاكرة مفعمة بالحب حيث يقول فيها أحد شعرائها متغزلاً: جبل لم تر سكناه بؤساً فلهذا لم تلق فيه عبوساً قلت لما بدا بشكل جميل كوكبان على الصبايا عروساً وقد كتب عن مكانة المدينة الإبداعية عدد كبير ممن زارها وتعرف عليها عن كثب حيث تقول الأديبة الأردنية سميحة خريس: “كوكبان وما أدراك ما كوكبان، حيث المجالس كلها فن وفرح، يدور العود على الجالسين تباعاً ليوقع كل جالس لحناً على الوتر ويشدو من كان صاحب صوت شجي، ولم أجد في الدنيا احتراماً ومكانة للعود كما في كوكبان، وإذا كنا عرفنا الوقف يسخر للمشاريع الخيرية والإنسانية وربما التعليمية، فإن في هذه القرية وقف يدعى وقف «العود»، حيث يصرف ريعه على تعليم الصبيان أولاداً وبنات فن العود، كما يصرف على رواتب المعلمين وتجديد الأوتار وصيانة ذلك الإطار الخشبي الذي يتصل بالوجدان”. شبام كوكبان على الرغم من أنها تنسب إليها اسماً إلا أن شبام كوكبان - التي يربطها بكوكبان سلالم حجرية طويلة تنحدر نزولاً إلى شبام كوكبان - أخذت من الحظوة تاريخياً وسياحياً ما فاق بكثير مدينة كوكبان التي تشرف عليها. كانت المدينة تسمى قديماً يحبس وهو اسم لحميري من نسل أقيال حمير وقد سميت بعد ذلك بشبام نسبة لشبام بن عبدالله بن حشم بن حاشد سكن شبام ويعود تاريخ شبام كوكبان كما يقول المؤرخون إلى حوالى القرن السابع قبل الميلاد وقد ورد ذكرها في أشهر النقوش اليمنية القديمة “نقش النصر” الذي دونه الملك اليمني كرب إل وتربن ذمار علي حيث ورد في النقش أن المدينة واحدة من مدن مملكة “نشن” التي استوطنها السبئيون بهدف توسيع رقعة الدولة السبئية ومازالت بعض ملامح الحضارات اليمنية القديمة بادية للعيان في المدينة كما هو الحال في الكهوف التي تملأ الجبال المحيطة بالمدينة إضافة إلى السدود والمدرجات القديمة ,ومن أهم معالم مدينة شبام كوكبان القديمة المجمع التعبدي في جبل اللو والذي تشير كثير من النقوش التي عُثر عليها في جدران المباني الحديثة إلى أنه كان يضم في قمته مجمعاً تعبدياً دينياً يشمل على معبدين كبيرين الأول للإله “عثتر” والثاني للإله “المقه”وثمة بقايا لطريق قديمة كانت تربط بين مدينة شبام والمعبدين ويطلق عليها حالياً “عقبة كوكبان” وهي طريق منحوتة من الصخور. كما تعد المقابر الصخرية بشبام كوكبان من أبرز الآثار القديمة في المدينة وهي عبارة عن مقابر تم نحتها في بطون الجبال بغرض دفن الموتى فيها في العصور القديمة وهي منحوتة بطرقة فنية حيث تحتوي على باب صخري يؤدي إلى غرفة أو أكثر تضم بعض الأغراض التي يتم وضعها مع جثة المتوفى. تختبئ مدينة شبام كوكبان خلف سورها الحصين الذي يرجع تاريخ بنائه للقرن التاسع الميلادي والذي وصفه قطب الدين النهرواني أثناء فتح الوالي العثماني سنان باشا التركي للمدينة في مطلع القرن السادس عشر الميلادي بأنه سور من الطين الشديد كالحديد وقد كانت تتخلل السور أربع بوابات تم هدمها من قبل القوات العثمانية ولم يعد باقياً منها سوى “باب المدينة”. وإلى جانب آثارها المغرقة في القدم مازالت شبام كوكبان تضم عدداً من المعالم الإسلامية القديمة كالمساجد والأضرحة والأبنية القديمة التي تعود للعصور الوسطى مثل الجامع الكبير في المدينة والذي يعود تاريخ بناؤه إلى القرن الثالث الهجري حيث تم بناؤه في عصر الدولة اليعفرية التي جعلت من المدينة عاصمة لها، والجامع في أسلوب بنائه امتداد للجامع الكبير في صنعاء والذي يعد من أوائل الجوامع التي بنيت في اليمن بعد الإسلام ويتكون الجامع من صرح تحيط به أربعة أروقة ويتوسط جداره القبلي محراب مهيب بني بين عمودين يعلوهما قوس مزخرف بالعديد من النقوش والآيات القرآنية ويعلو الجامع مئذنة على الطراز المعروف في أغلب جوامع صنعاء. كما تزخر مدينة شبام بالعديد من المعالم السياحية والتراثية التي يقصدها السياح الذين لاتخلو أزقة المدينة منهم ومن تلك الأماكن سوق المدينة القديم الذي تنتشر على جانب طرقاته الضيقة الحوانيت الصغيرة المقسمة إلى عدد من الأسواق المتخصصة ببيع وصناعة العديد من المنتجات التقليدية كالفضيات والعقيق والخناجر التقليدية “الجنابي” والعديد من أدوات الزينة والحلي والأطعمة الشعبية. ومن المعالم القديمة التي تحظى بالزيارة في شبام كوكبان “السمسرة” التي تتكون من ثلاثة طوابق. ودار الحكومة القديمة وتتكون كذلك من ثلاثة طوابق إضافة إلى الحمام القديم والذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع الميلادي. المصدر «العرب أون لاين»