تجمعت السحب الداكنة فوق الصالة المغطاة لاستاد زيورخ فيما كانت الأمطار تنهمر عندما تقدم جوزيف بلاتر إلى منصة الحديث ليوجه خطابه إلى أعضاء الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) فى دورتها الحادية والستين .. وبدا المسئول السويسري صغير الحجم تائهاً إلى حدٍ ما فوق المنصة الممتدة إلى 22 متراً أمام ممثلي الاتحادات ال208 الوطنية الأعضاء في الفيفا. ومنذ عام 1998 يتولى بلاتر أو «نابليون كرة القدم» كما يطلق عليه عادة، رئاسة الفيفا ، ورغم أن المنظمة الدولية تمر حالياً بأحلك لحظاتها طوال تاريخها الممتد إلى 107 أعوام فقد تم انتخاب بلاتر لفترة رئاسية رابعة للفيفا .. ولم يمر بلاتر «75 عاماً» نفسه بلحظات مريرة كهذه من قبل .. فقد تشوهت صورة الفيفا وأوقف مسئولو المنظمة الكبار بسبب إدعاءات فساد ، فيما وجهت الاتهامات إلى عدد كبير من أعضاء المجلس التنفيذي للفيفا من بينهم بلاتر نفسه. وقال بلاتر أمام الجمعية العمومية للفيفا:«لقد انهزمنا وتلقيت شخصياً عدة صفعات على الوجه» .. ولم تكن هذه هي الصفعة الأولى التي يتلقاها المهاجم السابق ، فقد وصفته صحيفة «داي فيلت» الألمانية بأنه «ملك زريبة الخنازير».. ولكن حتى لو كانت بعض القطاعات الإعلامية قد انقلبت ضد بلاتر ، فقد نجح المسئول السويسري في تأمين قاعدة نفوذ عريضة عبر المنظمة العالمية معظمها عن طريق الاتحادات الصغيرة الأعضاء بالفيفا. وبعدما عمل كرئيس لشئون الأفراد بهيئة «واليس» للنقل ثم سكرتيراً عاماً للاتحاد السويسري لهوكي الجليد ثم خبير تسويقي ، انضم الرجل العصامي بلاتر إلى الفيفا عام 1975 .. وقام الرئيس السابق للفيفا جواو هافيلانج بترقية بلاتر لمنصب السكرتير العام للاتحاد عام 1981 ، حيث تولى هذا المنصب خلفاً لهيلموت كايزر الذي أصبح والد زوجة بلاتر بعدها بوقت قصير. ولكن ، كما لو كانت أحداث الماضي تلمح إلى ما سيحدث في المستقبل ، فقد اتهم بلاتر أنه خطط لانقلاب على كايزر الذي لم يغب عن حفل زفاف ابنته وحسب وإنما قاطع بلاتر حتى وفاته .. وفي عام 1998 ، أي بعد 17 عاماً أخرى ، تولى بلاتر رئاسة الفيفا خلفاً لهافيلانج .. وفي نسخة العام الماضي من «قائمة فوربس» الشهيرة لأكثر الأشخاص نفوذاً في العالم ، احتل بلاتر المركز 65 بالقائمة. ونجح ملك الشمس بكل جوانبه المظلمة في تجاوز كل العواصف المحيطة به دون أن يتأثر حقيقة ، فأياً كان ما تعرض له بلاتر ، كان ينجح دائماً في التغلب عليه .. وقبل أيام قليلة وعد الترينيدادي جاك وارنر نائب رئيس الفيفا الموقوف ب«تسونامي في كرة القدم» وأكد أنه يجب إيقاف بلاتر عند حده .. ولكن حتى وارنر ، لم يلبث أن تراجع عن موقفه سريعاً ليدعو أعضاء الاتحاد الكاريبي لانتخاب بلاتر رئيساً للفيفا. كان على من يشغلون منصب السكرتير العام بالفيفا ومديري الاتصالات أن يرحلوا عن مناصبهم بمجرد ابتعادهم عن مسار بلاتر المرسوم لهم ، أما أعضاء «حكومة» الفيفا أو الأعضاء التنفيذيين فقد تم استبعادهم أو إيقافهم لمجرد توجيه تهم الفساد لهم .. ومع كل ذلك ، فقد ظل بلاتر المولود في قرية فيسب الصغيرة في العاشر من مارس 1936 في منصبه الرئاسي. وقال المسئول السويسري الذي رزق بابنة واحدة من ثلاث زيجات: «إنني الربان في أوقات الاضطراب .. لقد مالت سفينتنا وربما يكون قد تسربت لها بعض المياه الآن.. ولكننا يجب أن نتأكد من أننا سنظل نمضي في طريقنا الصحيح وهذا مانسعى لضمانه» .. وبعدما فاز في انتخابات الفيفا عن طريق المعارك الانتخابية مرتين ، أولهما في عام 1998 عندما فاز في معركة خلافة هافيلانج أمام رئيس اتحاد الكرة الأوروبي آنذاك لينارت يوهانسون في سباق انتخابي تردد أن معسكر بلاتر قام بدفع رشى للعديد من ممثلي الاتحادات والأخرى في عام 2002 في انتصار كاسح على رئيس اتحاد الكرة الأفريقي عيسى حياتو ، حصل بلاتر على فترة رئاسية ثالثة بالفيفا بالتزكية عام 2007. وهذه المرة كان من المفروض أن يواجه بلاتر منافسة قوية من رئيس اتحاد الكرة الآسيوي محمد بن همام خلال الانتخابات ، ولكن المسئول القطري انسحب من سباق الترشح الأحد الماضي بعدما بدأت لجنة القيم التابعة للفيفا إجراءاتها التحقيقية في اتهامات الفساد الموجهة إليه .. وتم التحقيق مع بلاتر في نفس الوقت. وبينما تم إيقاف بن همام مؤقتاً لمدة شهر فقد تمت تبرئة ساحة بلاتر ، مما فتح الطريق تماماً أمام القائد بلاتر للاستمرار في منصبه لأربعة أعوام أخرى.. وبعد فوزه في الانتخابات بحصوله على 186 صوتاً من أصل 203 أصوات ، وعد بلاتر «بقيادة السفينة من جديد إلى المياه الصافية الشفافة» .. ولكن لم يتضح بعد ماإذا كانت شفافية المياه هذه تعني الشفافية بالنسبة للفيفا أيضا أم لا؟!.