موسكو – كونا مازال الغموض يلف موقف الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف ورئيس حكومته فلاديمير بوتين حول معركة الانتخابات الرئاسية القادمة. وبرغم الاهتمام البالغ محلياً وعالمياً بمن سيكون مرشح الحزب الحاكم في روسيا في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شهر مارس القادم إلا أن الرجلين تملص كل منهما على طريقته من تحديد موقفه من هذه القضية التي يبدو أن المداولات حولها مازالت مستمرة بينهما. وتعهد الرئيس ميدفيديف بأن يحسم أمره في أسرع وقت إلا ان بوتين ظل أكثر تحفظاً, محذراً من ان الإعلان المبكر عن خطط الرئاسة سيؤدي إلى شلل في أداء أجهزة السلطة وكبار المسؤولين الذين سيتخذون موقف الترقب والحذر.. ويخطىء من يعتقد أنه يتوجب على الناخبين الروس أن يختاروا بين “صديقين” منسجمين في الرؤية السياسية, لأن هوة الخلافات بينهما تتعمق حيال العديد من القضايا الداخلية والخارجية.. ويميل الرئيس ميدفيديف الذي حرص منذ أمس الأول لولايته على تأكيد استقلال نهجه السياسي عن سلفه بوتين إلى الأفكار الليبرالية في الحكم والتخلّي عن المركزية المتشددة وخلق حالة من الانسجام مع واشنطن والغرب عموماً, بعكس بوتين الذي يؤمن بخصوصية روسيا وقدرتها على استعادة مكانتها الدولية المستقلة وفرض رؤيتها حيال القضايا الإقليمية والدولية المختلفة. وباعتقاد المراقبين السياسيين أن هذا الوضع جعل الغرب ميالاً لإعادة انتخاب ميدفيديف لولاية رئاسية ثانية. ومن هنا ستجد القوى السياسية وخاصة حزب (روسيا الموحدة) الحاكم نفسها أمام خيار صعب إذا ما قرر الرجلان التنافس في خوض المعركة الانتخابية القادمة. ولم يخف الرئيس ميدفيديف في آخر مؤتمر صحافي عقده في موسكو رغبته في الحصول على دعم حزب (روسيا الموحدة) الذي يرأسه بوتين إلا أنه لم يستبعد الاعتماد على قوى سياسية أخرى. وفي الوقت الذي أعلن المتحدث باسم الحكومة الروسية دميتري بسكوف ان الحزب سيحدد موقفه خلال المؤتمر السنوي الذي يعقد في وقت لاحق أجرى ميدفيديف سلسلة من المشاورات مع زعماء الأحزاب السياسية الكبيرة بدأها بالحزب الشيوعي الذي يتزعمه غينادي زيوغانوف. ويبدو بوتين هو الآخر في عجلة من أمره عندما أعلن عن البدء في تشكيل جبهة شعبية لخوض غمار الانتخابات التشريعية في ديسمبر القادم والتي ستكون بمثابة بروفة لانتخابات الرئاسة.. ولا يستبعد المراقبون السياسيون أن يعتمد ميدفيديف في حال تخلّي الحزب الحاكم عنه على الأحزاب الليبرالية الصغيرة التي تشهد هي الأخرى حراكاً ملحوظاً تمثل في ترؤس رجل الأعمال المليادرير رئيس مجموعة شركات (اونيكسيم) ميخائيل بروخروف لحزب (القضية العادلة).. ويجمع المراقبون على أن انخراط بروخروف في العمل السياسي سيفتح الباب أمام ممثلي “الطغمة” المالية التي سادت في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين للعودة إلى الواجهة لاسيما أن رموزها بدأت بالظهور في الساحة الإعلامية مجدداً. ولا يأتي الحديث عن احتمال الإفراج المشروط عن رئيس شركة (يوكوس) النفطية ميخائيل خودوركوفسكي من باب الصدفة خاصة بعد ان أعلن ميدفيديف أنه لا يمثل خطراً على الوضع في البلاد ولجوء الأول إلى التقدم بطلب العفو إلى المحكمة التي ستنظر في الأمر خلال أسبوعين. وعلى الأرجح فإن معركة الرئاسة القادمة ستشهد تناحراً انتخابياً ليس فقط بين ميدفيديف وبوتين بل بين رؤساء الأحزاب السياسية الأساسية وخاصة غينادي زيوغانوف زعيم الحزب الشيوعي وفلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبيرالي الديموقراطي وسيرغي ميرونوف ممثلاً عن حزب (روسيا العادلة). وفي جميع الأحوال فإن الانتخابات الروسية القادمة سواء التشريعية أم الرئاسية تعد بأن تكون حامية الوطيس وحاسمة لأن نتائجها ستأتي بتغيير ملموس في السياسة الداخلية والخارجية.