إذا كان وادي حضرموت الممتد من رملة السبعتين غرباً حتى وادي المسيلة شرقاً من أكبر وديان شبه الجزيرة العربية فإن وادي دوعن أيضاً من أكبر الأودية بجانبيه الأيمن والأيسر ويمتد من الجنوب حوالي 021 كيلو متراً من موقع اتصاله الرئيسي بوادي حضرموت..تشكل الوادي محل البحر القديم بأكثرمن 04 مليون سنة وظهرت تسميته في القرن الأول قبل الميلاد وفقاً لبعض المصادر، يتميز سكانه بهدوء الطباع وحسن التعامل مع السياح، يحبون الضيف ويكرمونه ويشتغلون في الزراعة ورعي الأغنام وتربية النحل والكثيرون منهم مغتربون في بلدان الخليج. ومن عاداتهم وتقاليدهم الحميدة أن يقوم الأغنياء والميسورون منهم ببناء المساجد والسقايات (جمع سقاية) المنتشرة على الطرقات ليشرب ويرتوي منها المار وعابر السبيل. أنجب الوادي العديد من الأسر التي يشار إليها بالبنان في عالم الاقتصاد والمال والأعمال مثل: بن لادن، بن محفوظ، بقشان، العمودي، باعشن، بادريق، بن زقر وغيرهم مما لا يسعف الذاكرة إحصاؤهم. وادي دوعن غني بالقرى السياحية والتاريخية والمعالم الآثرية مثل رايبون التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد حتى الثاني بعد الميلاد والتي جلبت منها معظم القطع الآثرية المعروضة في متحف سيئون، ومن المزارات الدينية قيدون حيث قبر الشيخ سعيد بن عيسى العمودي والذي تقام زيارته سنوياً وهناك القرين، القويرة، وقرن ماجد ولكل خصوصياتها. ما أتناوله هنا وباختصار هي القرى التي تتوقف عندها الأفواج السياحية وفقاً للبرنامج المعد والذي يتقيد به المرشد السياحي، فبعد مغادرة سيئون في اتجاه المكلا والولوج في وادي دوعن يتم التوقف في القرى التالية: المشهد: قرية هادئة وتبدو خالية من السكان إلا من بعض الأسر وفيها مقابر تم المحافظة عليها جيداً للأولياء حسن وعلي بن حسن العطاس وأسرته والتي تعود للقرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلادي تدب الحياة في القرية وتنتعش ويتدفق عليها الناس من القرى المجاورة والبعيدة في موعد الزيارة السنوية التي تستمر ثلاثة أيام فتقام حلقات الذكر والأسواق التجارية والولائم. الهجرين: تعود إلى فترة ما قبل الإسلام ولا تزال تحتفظ باسمها الحميري، وبيوتها المبنية من الطين والطوب تتربع على ربوة صخرية يفضل السياح الطلوع إليها والتمتع بمنظر وادي الهجرين وهي دمون بلدة الشاعر اليماني في العصر الجاهلي امرؤ القيس. صيف: الأكبر في المنطقة بطابعها المعماري التقليدي وبيوتها المزينة بزخارف رائعة من الداخل والخارج وتقام فيها سنوياً زيارة الولي شيخان بن أحمد. بضة: كانت المركز السياسي لوادي دوعن في القرن السادس عشر ميلادي، بيوتها بيضاء ناصعة ومتناسقة ومن على عقبتها يطل السياح على الوادي بجانبيه في منظر خلاب لا تمل العيون من النظر إليه وتقام فيها سنوياً زيارة الولي معروف باجمال. هدون: شامخة منذ القدم وبيوتها الآثرية وسميت باسم ابن نبي الله هود والتي تقام فيها زيارته. رحاب: بمبانيها البيضاء المتلألئة والمزخرفة بالألوان تسر الناظرين إليها وعشاق التصوير. رشيد: واحة جميلة خضراء تكسوها أشجار النخيل والنارجيل والعلوب. الخريبة: بمبانيها التقليدية حيث يرتاح السياح بالتجوال بين أزقتها وفيها أفضل أشجار اللبان وقد كانت المركز الرئيسي في الطريق القديم للقوافل بين الساحل والوادي. لوادي دوعن شهرة في إنتاج العسل الأجود والأغلى في العالم ويفضل السياح شراؤه من الهجرين أو صيف لشهرته واستعماله المتعدد الأغراض، يتغذى النحل في الوادي على شجرة السدر (العلب) واسمه العلمي: Zziphus Spinachristi وهو ذو أهمية ومنافع جمة في المنطقة ومنها: الجذوع والأغصان: تستخدم في بناء البيوت والقوارب وكوقود. الأوراق: تستخدم علفاً وغذاء للأغنام. الفاكهة (الدوم): يؤكل طازجاً أو مجففاً أو مسحوقاً ويستخدم أيضاً في صناعة الشامبو ومواد التجميل. الزهرة: تجذب النحل إليها فيتغذى منها وهذا من أسرار أن عسل العلب الأشهى والأجود. بعد مغادرة الخريبة في اتجاه المكلا وعبر عقبة شتنة هنا موقع على سطح الجبل يثير الانتباه للوقوف عنده فيستمتع السياح بمشاهدة الخريبة من أعلى في منظر يشكل لوحة في غاية الإبداع والروعة يشبه مشاهدة شبام يعفر من على قمة جبل كوكبان أو منظر البحيرة الواقعة في الجبل بالقرب من بير علي، فيا حبذا لو تبنى اسقف في الموقع للوقاية من الشمس، وبالمناسبة يحضرني ماقاله مدير المجموعة الأجنبي الذي قدم مع الفوج السياحي: إن هذا المنظر يستحق المغامرة وعناء الرحلة، وكان ذلك في وقت لم تكن طرقات الوادي معبدة ومسفلتة. إن أي برنامج رحلة سياحية إلى حضرموت الساحل قل أن يخلو من المرور عبر وادي دوعن حيث يكتشف الزائر الفن المعماري الطيني وطرازه الفريد والبيوت المتربعة على قمم الهضاب والجبال. لا يختلف اثنان أن المناخ في الوادي حار ولكن الحال يتغير في موسم الخريف وجني التمور أو عندما تهطل الأمطار ويسيل الوادي وتخضر الأشجار فيزداد الاشتياق إليه ويردد الزائر تلقائياً «أيش لبنان وأيش العاصمة بيروت».