في زيارتي الأولى لمدينة ذمار قبل أربعة أشهر تقريباً من العام الحالي تلك الزيارة التي كانت في مهمة صحفية بحتة لم أكن أعلم حينها أنني سأكون في متحف مفتوح وسياحة تفوح بعبق التاريخ وأصالة الإنسان منذ أن وطأت قدماي هذه المدينة التاريخية المليئة بالكنوز والآثار الدالة على أن ثمة حضارة عريقة كانت هنا. وتؤكد عدد من الدراسات التاريخية الحديثة أن محافظة ذمار كان فيها نشاط إنساني واسع منذ العصر الحجري القديم الأعلى في الألف السادس قبل الميلاد وتوالى ذاك النشاط حتى العصر البرونزي، وإلى جانب النشاط الإنساني فقد أكدت دراسات أثرية وجود نشاط زراعي – أيضاً – منذ ما يقارب من 700 سنة وذلك من خلال تحليل إرسابات التربة في سد أضرعة الموجود شرق مدينة ذمار، وما زالت ذمار تحتفظ بحيوية نشاطها الإنساني والزراعي. استطلاع: طيب رشاد عبد الوهاب حرف تقليدية - بما أن محافظة ذمار زراعية وتربتها خصبة كان من الطبيعي أن يمارس أهلها إلى جانب الزراعة أعمالاً حرفية تقليدية وحين تزور مدينة ذمار القديمة ستجد عدداً كبيراً من المحال، التي ما زالت تحتفظ بطرقها التقليدية في صناعة وحياكة المنسوجات بمختلف أنواعها، إضافة إلى صناعة الأواني النحاسية والفخارية وصناعة الجنابي والنصال، وكذلك صناعة الحلي والمجوهرات الفضية وصناعة العقيق وهذه الأخيرة تعد من أهم الأنشطة الحرفية، والتي ما زال الإنسان في ذمار يمارسها منذ آلاف السنين وفي المقابل تجد تلك المحال إقبالاً كبيراً من المستهلكين. تناسق وتناغم - يمتلك صانعو المنسوجات والحلي والمجوهرات الفضية إحساساً فنياً راقياً، خصوصاً في ذمار ويتناغم هذا الإحساس بالانسجام والتنسيق بينهم فالمرأة الذمارية تمتلك هي الأخرى –بحق- ذوقا رفيعاً حين تلبس تلك الملبوسات التقليدية والمجوهرات الفضية والتي تتدلى من على أذنيها وعنقها كشلال نهر ولعل المهرجانات التي تقيمها المحافظة كل عام أكبر دليل على ما أقول، وذلك حين ترتص عارضات الأزياء لعرض ملبوساتهن التقليدية مع تلك الحلي والمجوهرات المختلفة باختلاف مناطقهن في صورة جميلة تدهش كل الناظرين. اختلاف الأزياء على قدر اختلاف الأزياء الشعبية في محافظة ذمار يكون اختلاف المناطق إلا أن ثمة تشابها كبيرا فيها، كما يؤكد ذلك مدير مكتب السياحة بالمحافظة.وتمتاز محافظة ذمار بموروث شعبي كبير من العادات والتقاليد الأصيلة والتي مازال سكانها التقليديون يمارسونها في المناسبات الاجتماعية العامة مثل الأعياد الدينية والعودة من الحج التي لها ملابس خاصة لكلا الجنسين تختلف عن بقية المناسبات ففي حفلات الأعراس توجد عدد من الملابس تختلف باختلاف تسمية المناسبة، وخصوصاً النساء حيث تلبس العروس ملابس عدة في كل يوم من أيام العرس وكذلك الرجل. رقص شعبي تتناغم في ذمار الملابس التقليدية مع إيقاعات الرقص الشعبي التي تزخر بها تلك المحافظة والمتوارثة عبر الأجيال. وعلى الرغم من أن الرقصات تكاد تكون واحدة في معظم المديريات إلا أن هناك اختلافا فيما بينها يظهر ذلك بوضوح عند مقارنة رقصات شرق المحافظة برقصات غربها وللرقصات أسماء كرقصة العنسية الشنية ، ورقصة البرع الطويل، ورقصة البرع الأوسط، والبرع الثالث ورقصة برع الهوشلية الدخيلة الدعسة، وكل هذه الرقصات تؤديها معظم المديريات في ذمار، إلى جانب رقصة الموج والثعيلية. وما يثير الانتباه هي تلك الرقصات النسوية التي تؤديها المرأة الذمارية بلباسها التقليدي ومجوهراتها الأخرى التي تتراقص معها مع تلك الإيقاعات حسب الحركة والاتجاه. خاتمة وأنت تزور ذمار لأول مرة تتمنى أن تزورها مرات ومرات بعد استنشاقك هواءها الممزوج بعبق التاريخ وعراقة المكان وستدرك حينها أنك كنت في متحف مفتوح يحوي في أقسامه كل عصور التاريخ ويختزلها في مكان واحد اسمه “ذمار”.