أسباب عدة تقف وراء استفحال هذه الظاهرة المريعة.. المهددة لمستقبل جيل ووطن.. ما من عام يأتي إلا ويأتي معه أساليب وابتكارات جديدة في “فن التغشيش” تأخذ الكثير من جهد ووقت طلاب “ كُسالى” لم يعطوا مذاكرة الدروس أي اهتمام .. الغش بصريح العبارة صار اليوم أمراً عادياً يفعله الجميع ولايعترض عليه أحد،لقد أصبح عرفاً أرعن وثقافة هوجاء تنكرت ببجاحة لأخلاقنا وقيمنا السمحة.. والحقيقة التي أدركت كنهها للتو تتمثل بأني لا أدري أين مبتدأ” الخلل” وأين يكمن “الحل”..؟! التنشئة الخاطئة تارة تتجه الأسباب والمعالجات صوب الأسرة،وتارة صوب المجتمع والنظام التعليمي برمته،وحين بدأت البحث والتقصي تكشف لي الكثير، ولو كتبت كل التفاصيل ما كفاها كتاب..؟! محمود محمد سعيد مدرس علم نفس أورد التنشئة الخاطئة كسبب بارز لايمكن تجاهله، وهي حسب توصيفه تبدأ من عدم نهي الصغار عن التعدي على ممتلكات الآخرين، والواجب على الأسرة في هكذا حالة أن تهتم بتنشئة أطفالها تنشئة سليمة، ومراقبة مايصدر عنهم من أخطاء وممارسات سلبية لتصحيحها وتشجيعهم على الصدق والأمانة والوفاء بالعهد. ونعم التربية محمود غفل عن ذكر خصوصية شنيعة تنفرد بها بلادنا.. فالآباء والأمهات أشد حرصاً على نجاح أبنائهم في الامتحانات وبأي ثمن، فهم في البدء يغدقون أموالهم في كرم غير مسبوق.. إما تكاليف ضيافة وإقامة للجان الامتحانية في الأرياف،أو لغرض تصوير البراشيم هنا في المدن. وهاهي الامتحانات الوزارية لشهادتي الإعدادية والثانوية العامة قد بدأت.. المشهد ذاته يتكرر لأناس خارج الأسوار ربما فاق عددهم الطلاب الممتحنين أنفسهم،من الدقيقة الأولى تتسرب الأسئلة فتتوارد الإجابات على الفور، جميع من في الخارج مستنفر يعملون كخلية نحل دون توقف،الكل يريد أن “يتجمل” مع “ ابنه ابنته أخيه أخته” حتى “ الطارف”. صارحني أحد الزملاء أن أباه عاتبه يوماً ما قائلاً له “أنا اللي ربيتك ودرستك وغشيت لك..” حينها صارحته أقصد زميلي “ يا سلام ونعم التربية!”. أكثر فعالية من جهته الدكتور رياض أحمد إبراهيم ألقى باللوم على المدرسين فهم باعتقاده قادرون على اجتثاث هذه الظاهرة إذا توقفوا عن ممارستها أصلاً..؟! سألته كيف..؟! فأوضح الصورة أكثر بهذه التساؤلات الصريحة .. أليس عمليات الغش المنظم تتم والمدرسون الملاحظون يتفرجون،يشرفون فقط على مرور الإجابات ، وقد يصل الأمر إلى أن يقوم أحدهم بكتابة الإجابة النموذجية فوق السبورة؟! يضيف رياض:وليس هذا فحسب فخارج اللجان الامتحانية حيث البراشيم المتطايرة يقف طابور طويل من المدرسين المتخصصين يمدون الطلاب بإجاباتهم النموذجية والأشد والأنكأ من ذلك حسب رياض ما يحصل في بعض مدارس المدن الكبيرة،حيث يقوم مدراء تلك المدارس بتسهيل وتنظيم عمليات الغش وجعله أكثر فعالية بحجة أن تكون أو تستمر مدارسهم أو “ مدارسهن “ إن صح التعبير في صناعة وتصدير أوائل الجمهورية؟! قدوة سيئة وأردف رياض: أي عبث هذا الذي يمارسه هؤلاء بحق رجالات المستقبل، أي قدوة سيمثلها هذا المدرس الذي بقى طيلة عام دراسي كامل يعلم تلاميذه الصدق والأمانة ومكارم الأخلاق،وفي النهاية أتى يعلمهم الغش وشهادة الزور. وختم رياض حديثه بهذه العبارة “ المعلم على مر العصور هو المحور الرئيسي وحجر الزاوية لبناء المجتمع وبصلاحه تصلح العملية التعليمية والمجتمع .. وكلامي السابق أعني به أناساً أساؤوا لهذه المهنة السامية،قد يكونون قليلين ولكن السيئة في النهاية تعم”. أنانية مفرطة محمود محمد سعيد أضاف: طريقة التدريس المتبعة آخر خاصة تلك المعتمدة على التلقين والسرد وليس على الفهم والتركيز والإبداع،وكذلك المنهج المكثف الذي يعتمد على الحفظ أكثر من الفهم وطريقة الأسئلة التي تلزم الطالب بالحفظ النصي. كما يعتقد محمود أن تأخر وصول المعلم والمناهج من أبرز الأسباب،إضافة إلى قيام بعض المدرسين بالتدريس في غير تخصصهم،وكذلك صعوبة استيعاب المنهج داخل الفصول الضيقة،أضف إلى ذلك خوف الطالب من ردة فعل أهله وأصحابه إذا رسب،والخوف أيضاً من عدم قبوله في الكلية التي يرغب فيها فالمعدل الكبير هو الذي يحدد ذلك. ويرى محمود أن هناك عدة أسباب قد توجد مجتمعه أو متفرقة حسب شخصية كل فرد أبرزها الضغط الخارجي كي يكون الفرد من المتفوقين بأي ثمن، وكذلك ضعف ثقة الفرد بنفسه وعدم كفاءته مما يجعله يتوقع الفشل في أداء المهمة وبالتالي يزيد إقباله على الغش حتى يكون الأفضل،وأيضاً معاناة الفرد من بعض القصور في قدراته العقلية. مستقبل الأمة كالبنيان إن بني على أسس مغشوشة سريعاً ما ينهر على رؤوس أصحابه.. والغش اليوم ظاهرة اجتماعية خطيرة وسرطان يهدد حركة وتقدم الأمة..