(أقدم مسلحون في محافظة «إب» على قتل مدير إحدى المدارس داخل فناء المدرسة، بعد منعه لهم من إدخال غش لطلاب من أقاربهم يؤدون الامتحانات العامة للشهادة الثانوية في البلاد).. لا تستغرب فهذا الخبر تداولته صحف عربية في يوليو من العام الماضي وبدهشة كبيرة من طريقة الغش التي يحضر فيها السلاح كأي مشهد آخر في اليمن. من الوهلة الأولى لقراءة الخبر تتيقن أن ظاهرة الغش في بلادنا لم تعد رغبة لدى الطالب لتحقيق النجاح فقط وإنما تحولت بمثابة حق من حقوقه يدافع عنها، ولن يتوانى في تجميع العصابات للانتقام ممن يحرمه هذا الحق، للأسف هذا ما آلت إليه العملية التعليمية في بلادنا.
دقت ساعة الصفر ودخل الطلاب قاعة الامتحانات، الطالب الضعيف ينتظر الإغاثة الشعبية للغش بعد كل دقيقة تمر، تسريب أسئلة الامتحانات على يد مدرس داخل المدرسة، ومكبرات الصوت في الخارج تلقن الطلاب الإجابات، في الوقت ذاته تتجمهر عصابات في الخارج بانتظار اللحظة المناسبة لاقتحام حرم المدرسة لتغشيش أقارب لهم، مشاهد متكررة بل ومألوفة عند بدء موسم الامتحانات كل عام في بلادنا.
وصول ظاهرة الغش لهذا المستوى عند الطلاب يستدعي منا الوقوف عليها لإنقاذ جيل سيكون وبالا على اليمن مستقبلا إذا ما بقي الحال على ما هو عليه.
أرقام تبين حجم الكارثة في إحصائية لوزارة التربية والتعليم وخلال الأيام الأولى فقط لامتحانات الشهادة للعام الماضي 2011 2012م تم نقل 44 مركزاً امتحانياً إلى خارج مديرياتهم بسبب انتشار ظاهرة الغش والتجمهرات أمام المراكز وإطلاق النار، احتلت تعز النصيب الأكبر بين تلك المراكز ب30 مركزاً تم نقله، تليها صنعاء ب6 مراكز.
ووفقا لتقارير ميدانية لوزارة التربية والتعليم عن سير العملية الامتحانية للعام الدراسي (2008- 2009). فإن الأيام الأولى من امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية شهدت أكثر من (554) حالة غش مسجلة، في عموم محافظات اليمن، منها (165) حالة تجمهر حول المراكز الامتحانية، و(98) حالة هروب بدفاتر الإجابة منها (77) حالة في محافظة الجوف، و(27) حالة اعتداء واقتحام للمراكز الامتحانية، و(105) حالة انتحال للشخصية، و(35) حالة رفض لدخول قاعة الامتحانات، وسبع حالات إطلاق نار.
وفي العام الدراسي 2006 2007م كان عدد المراكز التي حدث بها إطلاق نار (11) مركزا امتحانياً في 8 محافظات احتلت عمران المرتبة الأولى ب3 حوادث. بينما بلغ الإجمالي العام لحالات انتحال الشخصية في 12 محافظة (160) حالة في 23 مركزا امتحانياً.
الغش مدمر للعملية التعليمية أي ثمرة ننتظرها من التعليم إذا كانت أسواق الغش مثل أسواق الخضرة في كل مكان، وجندي الأمن الذي أوكلت له تأمين العملية الامتحانية هو من يغشش الطلاب، وولي الأمر الذي من المفترض يوعي ابنه بمخاطر الغش هو من يطالب بتغشيشه.
في هذا الوضع اليائس وخلال نزولنا الميداني للمدارس لنستطلع آراء الطلاب تحدثنا مع الطالب حميد مأرب (12 عاماً) يدرس في الصف السادس بمدرسة موسى بن نصير بالعاصمة صنعاء، فتحدث ببراءة الطفولة وبضميره الحي: «أنا أرى الغش حرام وعيب، كيف يتساوى طالب مذاكر مع طالب غشاش هذا ما يصلحش».
يقول علي سعيد الجدري مدير مدرسة الشعب بأمانة العاصمة أن تفشي ظاهرة الغش بدأت في الأرياف بسبب عدم توفر الكتب المدرسية والمعلمين مما أدى بالطلاب إلى اللجوء للغش لسد هذه الثغرة، ومع مرور السنوات اجتاحت هذه الظاهرة المجتمع بصورة كبيرة. ويؤكد أن هذه الظاهرة إذا لم تعالج، ستؤدي إلى ضياع العملية التعليمية وضياع الطلاب أولا وهذا ما أثبتته دراسات محلية أن الطلاب القادمين من محافظات يكثر فيها الغش لا يجتازون اختبارات القبول في الجامعات، ويضيف: «هذه الظاهرة تؤدي إلى إحباط الطالب بعد تخرجه حيث يشعر أن ليس لديه معلومات تقوده للتطبيق في مجال تخصصه وبالتالي يلجأ إلى عمل آخر».
ويؤكد علي محمود معلم أن الغش مدمر للتعليم ومستقبل البلاد وأن نتائجه كارثية على الوطن، ويقول: «تخيل لدينا طيار وصل لوظيفته بالغش، والوزير مثله، والمدير والطبيب كذلك فإن المجتمع في هذه الحالة سيهبط إلى الحضيض، ولن يأمن أحد على نفسه».
ومن جهته يقول داوود الوليدي وكيل مدرسة: «إن أولياء الأمور يقفون في كثير من الأوقات خلف انتشار هذه الظاهرة بسبب جهلهم، بل يصل الحال ببعضهم أن يقدم رشوة لتغشيش ابنه»، مشيراً إلى أن الغش سيقود إلى نتائج سيئة على التعليم أهمها تسرب الطلاب، وضعف إنتاج الدولة لأن كادرها مغشوش، وانتشار الفوضى في المدارس التي من المفروض أن تكون لها حرمة خاصة، علاوة على أن هذه الظاهرة ستؤثر على أداء المعلم الذي لديه شعور أنه لا داعي من بذل الجهد في إفهام الطلاب طالما وأنهم سيغشون في الامتحان.
في الغالب يلجأ الطالب للغش لأنه يصطدم بواقع تعليمي لا يتوفر فيه المنهج الدراسي الملائم، ناهيك عن الكادر التعليمي المؤهل ليكون ذلك أحد أبرز المسببات الرئيسية لانتشار ظاهرة الغش. ولجوء الطالب للغش لا يعد رغبة نفسية لدية وإنما واقع فرضته الظروف التعليمية والإهمال لمخرجات التعليم، هكذا يتحدث وبمرارة نبيل صلاح (طالب جامعي ) عن وضع التعليم في بلادنا، مشيرا إلى أن تدمير التعليم تشارك فيه وزارة التربية والتعليم بسياساتها الموسومة بالتجاهل دون أن تشعر.
دراسات تشخص الحالة قالت دراسة للمفكر «ستنجر» عام 1964م إن المعلمين ذوي الشخصية الضعيفة ويتصفون باللين يشجعون الطلاب على ممارسة الغش.
كما أشارت دراسة ل«جونسون وكلورين» عام 1968م إلى أن عدم رضا الطلاب عن سلوك المعلم وتصرفاته داخل الفصل يؤدي إلى زيادة الغش.
إلى ذلك تشير دراسة أعدها باحث أردني إلى أن غالبية الطلاب الذين يمارسون الغش هم من ذوي التحصيل العلمي المتدني وبالتالي فإن علاج هذه الظاهرة يكمن في التغلب على ضعف التحصيل العلمي أولا.
حلول ومعالجات يجمع كل من استطلعنا آراءهم في كيفية معالجة هذه الظاهرة على ضرورة إيجاد بيئة تعليمية مناسبة حيث يقول علي الجدري (مدير مدرسة): «لا بد من توفير مستلزمات العملية التعليمية من كتب ومنهج وأثاث، لتتم العملية على أكمل وجه»، ويضيف: «على المدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام المشاركة في توعية شاملة للتعريف بأضرار الغش على المجتمع»، ويؤكد أن «على إدارة المدرسة دور كبير في التعامل بحزم مع كل من يحاول الغش والتغشيش»، ويضرب مثلا بمدرسة الشعب بالعاصمة صنعاء التي هو مديرها، أن إدارة المدرسة تقوم بحرمان الطالب من المادة التي حاول الغش فيها، ويعلق اسمه على لوحة الإعلانات للتشهير به ليكون عبرة لبقية الطلاب.
أما علي محمود مدرس فيرى أن القضاء على هذه الظاهرة يبدأ من تغيير المنهج بحيث تكون أهدافه واضحة ومبسطة للطالب، وأيضا تدريب المعلم على طرق تدريس حديثة لتوصيل المعلومة للطالب.
من جهته يؤكد داود الوليدي (وكيل مدرسة) على خلق رقابة ذاتية عند الطالب تمنعه من ارتكاب هذا السلوك، وبمقابل ذلك تقوم إدارة المدرسة بالمراقبة الشديدة على سير الامتحانات ومنع أي اختلالات.
ويستغرب نبيل صلاح (طالب جامعي) كيف سيقدم الطالب أو حتى يفكر بالغش إذا كان هناك بيئة تعليمية متكاملة من كادر مؤهل ومنهج مواكب للتطورات ومعامل علمية ومباني دراسية ويعتقد أن الغش غالبا ما يكون في مدارس لا تتوفر فيها هذه المقومات.