في الواحدة ليلاً: هل جربت أن تعيش بدون رأس؟! جرب ذلك، إنها قمة المتعة أن تنزل من المنزل تاركاً رأسك على المخدة ليواصل النوم بدلاً عنك وأنت تنطلق بكل حرية تذهب إلى عملك بدون رأس، تصعد إلى الحافلة بدون رأس فلا تسمع ضجيج الناس وأحاديثهم الهوجاء، تقابل مديرك بدون رأس، كم هو مضحك ذلك الأمر! ولكنه ممتع جداً، لقد جربته ثلاث مرات وهاهي الخامسة، عفواً قد تكون الرابعة لا أتذكر فأنا لا ذاكرة لي ولا وطن فأنا اليوم دون رأس. ولماذا تصنع هذا؟! أوليس رأسك من يجلب لك المتاعب؟! أن ترى بعينيك مهازل لا حصر لها. أقول لأمي تعالي وانظري ماذا فعل أخي الصغير بدرجي.. يٍُستهزأ بي وتصيح قائلة: تعال وانظر ماذا يفعل اليهود بأطفال فلسطين. وما شأني أنا، أنا يهمني أن يظل درجي كما هو. وأن تسمع بأذنيك أوامر الوطن و..و..و...، وكل ذلك ولا تستطيع سماع كلمة حب. أن تفكر وتستذكر وتعاني هذه الأحداث الأليمة كل ذلك بالرأس، حتى أنك تذوق النكهة ذاتها للبرتقال وللأرز وللحم وللألم، شيء مقزز حقاً. أم م م.. قل لي هل أفادتك هذه التجربة.؟! رغم أنهم يقولون عني كلاماً سيئاً، ولكني منذ أن جربت هذه التجربة ووضعت رأسي على المخدة شعرت براحة عميقة، رغم أنهم بدلوا اسمي فلم أعد مجداً أو مهنداً أو أسعد، لا أذكر بالضبط ماذا كنت؟! أذكر فقط أنني أصبحت أعرف بالمجنون!! ولكن هل اسمي الجديد يليق بي؟! فقد رأيت شخصاً آخر يدعى (مجنون) أيضاً لكنه مختلف عني. ولماذا تتشابهون؟! فهل كل من يدعى أحمد يشابه الآخر؟! صحيح كلامك، ولكن هل تعرف، مرة وضعت رأسي على المخدة وخرجت فوجدت أحدهم يصيح بي: ألا ترى أمامك؟! فقلت: لا، ألا ترى أنت أن رأسي ليس معي، فقد تركته في المنزل، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله «كم يامجانين» ماذا يعني بقوله؟! دعك منه إنه أحمق، ولكن ما لفت انتباهي أننا كلنا في هذا المكان ندعى بالاسم نفسه. هل قرروا جمع المتشابهي الأسماء ووضعهم في مكان واحد؟! ربما، هل تريد أن تجرب ما أصنع؟! أن تضع رأسك على المخدة. نعم ولكني لا أستطيع فعل ذلك. أأساعدك؟ أتمنى ذلك، فأنا أحب أن أعيش دون رأس علني أرتاح من هذا الصراع المستمر.
في السابعة صباحاً: دخلت الممرضة إلى العنبر رقم (7) في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، لتشهق شهقة فزع وتسقط مغشية عليها، فهرع إليها من سمع صرختها المكبوتة، ليجدوا المريض الأول يبتسم ببلاهة وهلع وبجواره صديقه المريض الثاني وقد حزّ رأسه بقطعة زجاج من النافذة التي كسرها ووضعه على المخدة، وحين صرخوا واشتد استنكارهم قال: هو أراد أن يعيش مثلي دون رأس!! حتى أنه ارتاح، انظروا إليه لم يعد يسمع أو يرى أو يفكر مثلي تماماً.