صادفته على قارعة الطريق عصر ذلك اليوم كنت ذاهباً للنزهة، كان الضباب كثيفاً لم أستطع أن أتعرف على ملامحه جيداً، اقترب مني وقفت أتأمله جيداً. كل شيء هادئ وجميل في ذلك الوقت، الشمس الباردة المتوارية بحياء خلف السحب المثقلة بدموعها الزرقاء وكأنها تخشى أذيتنا بحرارتها الجارحة. تكتفي بإرسال أشعتها الحائلة على السهول المتدثرة بلباسها الأخضر، نسائم الجو البارد تداعب وجهي تهفهف شعري برقة. لم يكن يقلقني في ذاك الوقت إلا تلك الكآبة المطبوعة على وجهه وذلك الانكسار البائس. سألته عن تلك الكآبة وذلك الانحطاط الذي أصابه لم يجبني. ظل صامتاً يتطلع إلى عيني، بادلته نفس النظرات. بحثت في عينيه عن تفسير ذلك الوجوم، لم تعد عيناه تشعان بذاك البريق الواضح السائد عليهما عادة في السابق، كانتا تائهتين في فضاء الحزن والأسى بعد أن انطفأ بريقهما الذي ينبئ بالذكاء والفطنة. ربما راودهما ظمأ البوح بما يملؤهما، لكنهما غرقتا بدموع مريرة تغسل ما تبقى من أثر السعادة. ظل ينظر إليّ لحظات ثم مضى بعيداً حتى تلاشى في زحمة الضباب الكثيف الذي أخفاه خلف أكفانه الغائمة. انقضى ذلك النهار حاملاً معه كل شيء جميل ومفرح لينطوي في جوف الليل الزاحف بسكون مخيف. الساعة تقترب من العاشرة ليلاً، كنت أسير في ذلك الشارع الموحش، الظلام حالك سوى من بعض الأضواء الخافتة تنثرها مصابيح شاحبة معلقة في جدران المنازل وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة. وجدته صدفة هناك على مقربة مني، لكنه هذه المرة بدا مختلفاً تماماً، شاهدته يقوم بحركات طفولية هزيلة لا تليق به، عندما رآني أسرع لمعانقتي بشوق عميق وكأنه لم يرني لزمن طويل. تساءلت ماذا أصابه..؟ لكن الوقت تأخر عن التساؤل. تمتم بكلمات غير مفهومة، أخذ يمشي بتبختر في ذلك الظلام يطلق ضحكات هستيرية تكفي لإطفاء صواب عقله.