يوم أمس دعتني زميلتي في الصف«عذاب» لتناول الغداء في منزلها، لكنني ترددتُ في قبول دعوتها، حيث إن علاقتي بها لم تكن قوية لقبول هذا الطلب ، وبعد إصرارٍ وإلحاحٍ كبيرين منها، قبلتُ الدعوة نزولاً عند رغبتها ... بعد أن اكملنا تناول الغداء ، جذبتني من يدي ، وصعدت بي بسرعة عبر الدرج الرخامي، ذي المقابض النحاسية ، وقفنا أمام باب ذي ظلفتين، مصنوع من خشب الزان، مزُخرف بنقوش بديعة،مطلية باللون الذهبي ، خلت حينها ،انَّيِ أقف أمام باب ديوان هارون الرشيد . حركتْ مِقْبَض الباب بهدوءِ ، دفعت بي إلى الداخل في حركة مازحة، فسقطت أرضاً، ليستقبلني ذلك المفرش الناعم الوثير، صعقتُ لذلك الزخم من الأشياء التي لاأعرفها، ولم أعتد على رؤيتها (الستائر الإلكترونية ، والمراتب الدوارة ، وسرير نومها المخُملي ). وقفتْ أمامي بجسدها الرقيق ،المكسو بعباءة فضفاضة، لتقطع عليّ تأملي، وانسجامي ومحتويات المكان ،قالت لي بلطفٍ: ( بالإذن منكِ ، سوف أغُير ثيابي ) أوميت لها برأسي دليلاً علىا الموافقة، ومازالت أنظاري مشدوهة .... عادت بعد برهة ،لكن بمظهرٍ مختلفٍ ، أبتلعتُ ريقي بصعوبة ، وقلت لنفسي : “لابد من أنَّها تُعاني من نوبة حرّ”،كانت تُمسكُ بين أصابعها قرص “فيديو” مدمج، فبادرتَها بالسؤال قائلة : - ماهذا ؟ - هِل تظنين أنِّي من البخلِ كي لا أُقدم لكِ التحلية بعد الغداء ؟ رفعت حاجبيّ في دهشةٍ، ولم أفهم مغزىا كلامها ، انحنت برقةِ تحشو فم جهاز العرض المفتوح بذلك القرص، وقد انسابتْ خُصلة من شعرهِا الليلي علىا جبينها ،وتهدلت أخرى لتُغطي جزءٍ من صدرهَا النصف عار ، ضغطتْ زر تشغيل التلفاز، وتخيرتْ لها مكاناً إستراتيجياً للمتابعة ، استويتُ في جلستي، وركزتُ نظري على ذلك المربع الضوئي ، حيث انفرجتُ الصورة ، وتجلىا ذلك المنظر المرعب !!! مجموعة من الناس شبه عُرأة ،موثقين بالحبال، يبدو عليهم الوهن و الهزل ،تلسعهم سياط الجلادين،ودماؤهم تتطاير لتغرق المكان ، وضعتُ يديّ على عينيّ من شدة الخوف ، لكنّي سمعت أصوات أنين ؛ لذا سمحت لبعض المناظر أن تتسلل إلى عيني من خلال أصابعي .... وجدتُ “عذاب” تنظر بانسجام، وقد ارتسمتْ على ثغرِها بسمة رضا ، ثم اختلط صوت الأنين بهمهمات بدأت تعلوشيئاً فشيئاً، كانت “ عذاب “ تنطق بكلامٍ مخيفٍ وتقول: “ أُناشدك باللهِ وبعطفكَ اللامتناهي، أن تصفعني ، أن تجذبني من شعري أو تبصق في وجهي ، وان قررت العفو عني، فشدّ وثاقي إلىا الأمام منيّ لأرى بعيني حواف الأصفاد تقطع خلايا جلدي ، وان كنت علىا موعدٍ آخرٍ، مع مأفونة غيري، فخذني وإياكَ ؛ فقد أدمنت الإهانة ، وألفتْ هرموناتي الفجيعة ؛فلاتتخلىا عني” انتفضتُ من مكاني ،وقد افزعتني تلك الخطرفات ، لكنّها أكملت قائلة : “ مهلاً إنَّي استحلفك باللهِِ ،وبوحشيتكَ الكريمة، أن تجمع أكبر قدر من المأفونات أمثالي ، أن تُلقِي بنا في قبوك المظلمِ ، أن توصدَ أبوابهِ الوهمية ، وأن تُسدل ستائرهُ الافتراضية ، ولتمنع عنا الهواء ، ارتدِ عباءة القاضي، وأنطقْ بُحكمكِ المشؤم ، ولتتفنن بأحقاقِ الظلم ، وإنَّما لطفاً لاتسلبنا أمانينا الأخيرة ، لاتجبرنا على الصمت في أوج الاحتضار “ أخذتْ أتسلل بهدوءٍ بغيةَ الفرارِ إلىا غير عودة حتى وصلتُ إلى باب الغرفة حيث شَوشتْ الصورة ، وأصدر التلفاز أصوات تدل على انقطاعِ المادة المعروضة “ إششششش.. إ شششششش ...” انتفضت “عذاب” من مكانها، تهز رأسها في حركة جنونية ،كأنّها فقدت صوابها تقول بصوتٍ عالٍ: ( لاتقل اخرسنَ .. لا تقل اخرسنَ) .