السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    دولة الأونلاين    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    تعاميم الأحلام    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    سالم العولقي والمهام الصعبة    يافع تودع أحد أبطالها الصناديد شهيدا في كسر هجوم حوثي    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    لليمنيّين.. عودوا لصوابكم ودعوا الجنوبيين وشأنهم    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    نصف الراتب المتعثر يفاقم معاناة معلمي وأكاديميي اليمن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرمال العابرة
نشر في الجمهورية يوم 04 - 10 - 2010

تحت شجرة صغيرة صحراوية يابسة ربض في ظلالها بجوار الطريق المعبد يحرك رأسه تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار وقد سال اللعاب من فمه المفتوح وعظامه تكاد تبرز من جلده.. لم يكن أمامه تحت ذاك القيض أي بوادر للحياة سوى عشة متآكلة يرقد فيها بضع من الأطفال العراة وعجوز عمياء.. الشمس تقترب من الظهيرة وتكاد تصهر تحتها كل شيئ.. وسكينة مميتة تلف المكان.. لكن الطريق مازال خالياً.. كان عليه أن ينتظر (الباص) .. تلك الحافلة التي أغاثت سكان الطريق بما تلقيه من نوافذها من أقراص (الروتي) الأبيض اليابس غذاء سكان المدن.. تثاءب بملل ثم نظر بألم نحو الطريق المقبل من (الحديدة) وطرح رأسه فوق يديه.. كان منظر الطريق قطعة من جهنم والوهج الحار يتصاعد منها والسراب الشفاف يتناثر فوق الطريق الطويل الممتد كخط مستقيم وأعمدة التلغراف قد شقتها الشمس وأسلاكها تأثرت من شدة الرياح العاتية..
كان أكثر ما يسليه منظر الرمال التي تعبر الطريق مسرعة كأنها هاربة من وهج الحرارة التي تأتي من جهة الساحل.. وكم كان يضايقه إذا ما قررت الرمال العبور من مكانه فقد كان عليه أن يقترب من العشة ليحتمي بها ويكلفه ذلك حجراً تقذف على ظهره من صبي أو من الفتاة الشرسة..
وعبرت الرمال وهو في استرخائه المميت في مكانه واضطر بملل أن يقترب من العشة بهدوء ليحتمي بها.. لم يكن يستطيع تفسير العداوة التي يكنها له سكان العشة.. كانوا جميعاً أغراباً.. وجياعاً أيضاً أضطرهم الجوع جميعاً للجوء بجوار الطريق العام.
لقد ترك أسياده في عشتهم يموتون جياعاً في أعماق (تهامة) واستطاع أن يقطع القفار ويهيم نحو لايدري أين.. ولما استقر به المقام بجوار الطريق العام عثر صدفة على قرص (روتي) أبيض أكل نصفه ودفن نصفه الآخر بمنخاره.. لكنه في اليوم التالي سمع هدير سيارة كبيرة حمراء هي (الباص) ففر مسرعاً بعيداً فلم يكن قد رأي من قبل مثل هذا الوحش الصاخب لكنه لاحظ تسارع سكان الطريق الجياع يهرعون نحو (الباص) ويلتقطون من بعده بعض أقراص (الروتي) الأبيض فوقف وشده المنظر.. لقد رأى أناساً لكنهم ليسوا من (أسياده).. وفجأة قذف من النافذة أحد أقراص الروتي الأبيض اليابس فاصطدم بالطريق المعبد وبشده اندفع القرص نحوه نتيجة سرعة (الباص) وبلمح البرق اندفع دون شعور وقبض بفمه على القرص وانهالت عليه بعض الحجارة من الصبية العراة والرجال العجزة ومن نساء نظر فيهن التوحش فترك القرص وفر يعوي بألم بعيداً...
كان ذلك أول درس تعلم منه البعد عن الناس وأخذ مكاناً لائقاً بالخطف السريع للقرص والفرار به قبل أن يتمكن أحد الجياع من اللحاق به وقذفه.. طابت له الحياة نوعاً ما فكان باستطاعته في بعض الأحيان أن يصطاد قرصاً في اليوم الواحد وإذا لم يحالفه الحظ كان يوفر لنفسه نصف قرص من المكبوس تحت التراب..
لكن الحالة ساءت عندما حل في العشة الهادئة المجاورة له عجوز عمياء وشرذمة من الأطفال العرايا.. كانوا يطاردونه دائماً قبل مرور (الباص) ويقذفونه بأحجام متفرقة من الحجارة كانت نتائجها تعيقه بعد ذلك عن الخطف السريع.. وقلّ محصوله فلم يعد يستطيع كبس أي قرص احتياطي ,بل كان يعد رابحاً إذا قدر له أن يصطاد قرصاً في خلال ثلاثة أيام..لذلك قرر الابتعاد نحو شجرة يابسة صحراوية صغيرة بعيدة عن الكوخ المحتل من قبل العجوز العمياء وشرذمتها.. وانتهت الرمال في عبورها للطريق هاربة نحو الجبال. جبال الهضبة الخضراء.. وانسحب بهدوء نحو المكان وبحذر شديد عاد وطرح رأسه فوق يديه ونظر نحو الطريق الآتي من (الحديدة)..
لقد كان موعد الباص فالوقت ظهراً وأصبح ظله تحته تماماً فقد لاحظ بالممارسة أن السيارات تنقطع عن المرور خلال الظهر ما عدا ذلك (الباص) الكبير.. وفجأة من خلال سراب الطريق لمح شبحاً أحمر يمخر عباب السراب المبعثر ويتمايل كأجزاء منسقة من خلال وهج الحرارة..
وخرجت فتاة من الكوخ ثم عادت وخرجت مع العجوز العمياء وشرذمة الأطفال العراة وتسارعت جحافل مبعثرة تهرول نحو الطريق وتلقط من الأرض اقراص (الروتي) الطائرة فوق الطريق وعلى جانبيه..
استقام وقد ارتكزت أذناه.. ووقفت العجوز العمياء وبجوارها الشرذمة العارية.. وهون (الباص) سرعته ثم وقف بجانب العجوز ونزل منه (قاطع التذاكر) وقد أمسك بيده طاقيته المزركشة المتصببة عرقاً ,وقد امتلأت نقوداً متفرقة ثم سلمها العجوز.. وعاد فقفل الباب.. لكن بعض المسافرين ممن هزهم المنظر لأول مرة كانوا يريدون مزيداً من التبرع والإحسان لذلك فقد فتح الباب مرة أخرى..
انتظر وقد تألم وغضب لهذا الإجراء غير العادي.. وقرصة الجوع فاقترب من الجهة الأخرى من (الباص) لكي لاتراه الشرذمة.. وتلفت نحو النوافذ لكن المسافرين كانوا ينظرون من الجانب الآخر نحو العجوز وشرذمتها..
واستاء لذلك ولعدم اهتمامهم به.. وعاد بعض المسافرين إلى مقاعدهم في الجانب الآخر.. حاول استرعاء انتباههم فابتعد قليلاً لكي يروه.. ولمحه أحد المسافرين فنظر إليه وهز ذنبه مستعطفاً وبدون إرادة نبح بلطف ثم ذعر كأنه ارتكب خطأً قاتلاً.. وما هي إلا برهة حتى انهالت عليه حجرة قذفها صبي عاري الجسد باغته من الخلف.. فارتبك وعلا صوته بألم دون إرادة فانهالت عليه قذيفة أخرى في عموده الفقري.. وحاصرته الشرذمة بينما تحرك الباص ورمى الرجل بقرص من (الروتي) الأبيض.. ولشدة ارتباكه حسبه حجراً مقذوفاً لكن رائحته اعادت له الأمل فخطفه بفمه بينما اشتد عليه الحصار ولم يعد أمامه منفذ للعبور سوى من تحت (الباص) فمرق لكن (الباص) كان قد تحرك.. وما هي إلا ثانية حتى كان جثة ممهودة ملطخة بالدماء واختلط الدم بقرص الروتي وبجثته الممزقة.. وعبرت الرمال مسرعة من فوق جثته نحو الجبال.. جبال الهضبة الخضراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.