«الهاتف السيار» نِعمة كبيرة يَقضي بها الإنسان حاجاته بأقرب طريق وأيسر كلفة..وبالمقابل ثمة مَحاذير كثيرة ينبغي الانتباه لها..تتجلى أبرزها في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. لأنها لحظات ينبغي التخلص فيها من أي شيء يعكر صفو ذلك التحليق الروحاني، سواء من منغصات معنوية متصلة بهموم الحياة ومتطلباتها - وهذه أثرها على الفرد نفسه- وأخرى مادية يلحظها الجميع..والهاتف السيار أبرزها على الإطلاق . أغنية ماجنة تتناثر العبارات التوعوية الداعية إلى إغلاق الهاتف السيار عند مدخل كل مسجد، ولأن الإنسان مجبول النسيان دائماً ما يتكرر انبعاث نغمة شاردة جاءت في مكان وزمان غير مناسبين..في لحظات خنوع وخشوع ملأى بالاستكانة والاستغفار، ويكون تعكير تلك النغمة أعظم في حال كان الصوت المنبعث أغنية ماجنة تعذر على صاحب السيار غلقه على الفور. من السهولة جداً استحضار هذه المواقف من مرتادي بيوت الله، وتتلخص أشنع التوبيخات عندما تتجه أعين المصلين -بمجرد تسليم الإمام- صوب المعني بالاتصال، والمفارقة المضحكة عندما لا تتفق أعين المصلين على مُتهم بعينه فهي كثيراً ما تطال «صاحب التلفون واللي جنبه واللي جنبه..» لكزة قوية..!! يحرص يوسف عبد الباري الوجيه في كل مرة يذهب فيها إلى المسجد أن يغلق تلفونه السيار، وفي لحظة شرود مبعثها هموم الحياة نسي تلك العادة، فجأة رن التلفون بنغمة حماسية عم صداها الأنحاء والسكون لحظتها مطبق بفعل الصلاة السرية. ما حدث ليوسف بعد ذلك موقف طريف نادراً ما يتكرر، فقد بادره المصلي الواقف أمامه بلكزه لكزة قوية آذت خاصرته وكلفته صرخة قوية «آه» طغت على رنة تلفونه السيار..!!لينهي بصعوبة صلاته تلك وهو يدعو بقلب خاشع أن ينتقم ممن أذاه. عبارات العتاب لم تنبعث بعد الصلاة من فم صاحبنا يوسف فقد سبقه المعتدي بغليظ الكلام..وما كان منه إلا أن وقف حائراً أمام كبر سن المعتدي ولحيته الكثة وسواكه العريض، لم يتفوه ببنت شفه بل سلم أمره لله وانسحب منكسراً لا يشكو بثه وحزنه إلا إليه. كيف فهو الإمام..؟!! مشهد آخر هذه المرة ليس فيه لكز أو توبيخ..وصل عبد الرحمن سعيد -بطل المشهد- مع انتهاء صلاة الجماعة الأولى، ليتم اختياره على الفور إماماً للجماعة الثانية لصلاة المغرب، وهو يصدح ما تيسر من كتاب الله «رنَ تلفونه السيار، أرتبك..تلعثم خلط بين أكثر من سورة.. عبد الرحمن وصف تلك اللحظات بالأصعب في حياته..سيطرت عليه لحظات إرباك شديدة حال سرده المشهد كأنه عايشه للتو.. واللافت في الأمر أن صاحبنا لم يوبخه أحد لا بالعين ولا باللسان..كيف وهو الإمام؟!!. توبيخ حريمي !! أختم هنا بمشهد أخير عايشت تفاصيله وكان سبباً مباشراً لهذا الاستطلاع..ذات نهار أديت صلاتي بجوار أحدهم كان قد وضع تلفونه السيار موضع سجوده، وبينما نحن وقوف من التشهد الأوسط رن ذات السيار وبدلاً من يغلقه صاحبه قام بفتحة وكان على الجانب الآخر صوت نسوي مرتفع لا يعرف إلا التوبيخ -أضنها زوجته- فما كان من صاحبنا إلا أن هم بإغلاق تلفونه مُضحياً بركعتين مبتدأً الصلاة من جديد.. غرامات مالية..؟! بالإضافة إلى إلصاقهم العبارات التوعوية الحاثة على إغلاق الهاتف السيار في رحاب بيوت الله يحرص بعض مُشرفي المساجد التنبيه على ذلك عبر مكبرات الصوت.. واللافت في الأمر ما دعا إليه الشيخ /حسن غالب الفقيه -إمام مسجد- بأن يقوم القائمين على المساجد باعتماد غرامات مالية على المُصلين في حال صدور رنات من هواتفهم المحمولة أثناء الصلاة، وأن توضح العقوبات في ذات الملصقات، وأن تكون تلك المبالغ لصالح خدمات المسجد. وذكرنا الشيخ/حسن بحرمة إزعاج المصلين في بيوت الله فكل شيء يؤذي المؤمنين حد وصفه ممنوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على أصحابه ذات يوم وهم يصلون ويجهرون في القراءة، فقال: « لا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة » هذا في حال قراءة القرآن، فكيف بهذه النغمات؟!.