أصل هذه المهنة هي شجرة النخيل التي توصف بأنها صديقة البيئة لأن جميع مخلفاتها يستفيد منها الإنسان، فللنخلة فوائد كثيرة خلاف ثمرها حيث يصنع من أليافها الحبال ومواد الحشو للأثاث، ومن أوراقها الزنابيل والقفف والقبعات الشعبية، ومن جريدها تصنع السلال وأوعية نقل الفواكه والخضروات وصناعة الأثاث الخفيف مثل الكراسي والأسرة، ومن نوى التمر تستخرج زيوت وتستخدم البواقي كعلف للحيوانات وجذع النخلة المقطوعة يستخدم لتسقيف المنازل الريفية وكدعامات. منتجاتها تنتج حرفة صناعة السعف كثيراً من المنتوجات التي تعتمد على الأيادي في صناعتها دون تدخل أي آلة مرافقة أو حتى مساعدة، كما تعتمد على التركيز والدقة لما تحتاجه من اتقان. ومن أشهر منتجاتها والتي لاتزال تتداول حتى اليوم وإن كان بشكل ضئيل السفرة «أو المهجانة» السلة، الجفير،الزنبيل، الجلف،القفة، المهفة، الشنطة والقبعة بمختلف الألوان والأحجام، وهذه المنتجات منتشرة في معظم القرى اليمنية، ويختص بإنتاجها النساء، وبالإضافة إلى النساء بالقرى، فإن هناك العديد منهن يعملن في مشروع الأسر المنتجة أو مراكز الحرفيين. وكذلك من منتجات النخيل السباك، السرود والسبت وتستخدم في صناعتها الخوص وعذوق النخيل وهي منتشرة في قرى حضرموت، أما القراقير بمختلف أنواعها كالكيسة والميس والصيرم والسلة فيستخدم فيها عذوق النخيل فقط. ولها أنواع ولعل هذه الصناعة قديمة أيضاً إذ أن موادها ومواردها من نفس المناطق التي أشتهرت بها كوادي حضرموت ووادي تهامة إلا أنه يمكن القول أن الخوص الذي يستخدمه أهل هذه الحرفة أنواع كثيرة منه ما يسمى المسح وهو أجود هذه الأنواع وكذا البطبوطي والحرضة أو الخضرة كما يسميه بعض أهل هذه الحرفة،،ويتم جلب هذه الأنواع من الخوص من مناطق البادية في محافظة حضرموت ومن محافظة المهرة. وتعتبر منطقة مدوده هي الرائدة في مجال الصناعات الخوصية،فقد اشتهرت منذ القدم بهذه الحرفة على وجه الخصوص ومازالت إلى يومنا هذا إضافة إلى بعض المناطق الأخرى في وادي تهامة. الخبر الخبر جمع خبرة وهي لفظة مستعملة عند حرفيي حضرموت، وهي زنبيل مصنوع من السعف يستخدم لحفظ التمور في النخيل قبل قطعه وتسمى هذه العملية: أي وضع التمر إذا بدت عليه علامات النضج في الخبرة بعملية القنامة، وتتميز الخبرة بشكلها الجميل الذي يشبه إلى حد كبير شكل الخف أو قارب الصيد فهي تتكون من جناحين متجافيين مفتوح طرفها وطرفها الآخر بيضاوي الشكل ويقسم الخبر حسب حجمه إلى خمسة أنواع رئيسية: العقدة وهو أكبرها حجماً يأتي بعده كبير الحوطة فكبير سيئون ثم الربع الشافي وأخيراً الربع الصغير، وتعد صناعة الخبر من الصناعات الخوصية التي تحتاج إلى خبرة في إعدادها، فهناك خطوات عملية خاصة تحتاج إلى فن وإتقان. خطوة بخطوة تبدأ عملية صناعة الخبرة بعد شراء السعف من سوق السعف الخاص وذلك بتقسيم «المشك» إلى جزئيين يسمى كل جزء «سرف» يوضع في زير الماء حتى يصير لينا رطباً، وعادة مايوضع هذا السرف عند غروب الشمس كي يبقى طيلة الليل مغموراً بالماء ويبقى إلى وقت المغرب من اليوم التالي «24 ساعة» بعدها ينقل من الزير إلى المخمرة وهو مكان يوضع فيه السعف المبلول بالماء كي يجف ويذهب عنه ما علق به من ماء، في صباح اليوم الثالث يقبل الحرفيون إلى السعف الذي أصبح الآن جاهزاً للعمل وقد أصبح نظيفاً ليأخذوه وتبدأ مباشرة العمل، فلو زرت أحد البيوت التي تحترف صناعة السعف بمنطقة مدودة فلابد أن يكون الوقت مبكراً إذ أن العمل يبدأ عادة قبل السادسة صباحاً بأخذ السعف من المخمر وتشريقه أولاً حيث يمسك كل فرد من أفراد الفريق «ويتكون الفريق عادة من أفراد الأسرة ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً» يأخذ سعفة واحدة ويجعلها جزئين «خمس خوصات إلى اليمين ومثلها إلى اليسار»، بعد ذلك تبدأ عملية رص السعف بشكل فني منتظم عن طريق رص «الحناظل» والحنظلة هي العود الذي ينتهي إليه الخوص في السعفة. ويبدأ بناء الجناح وهو نصف الخبرة وبعد عصب نهايته والانتهاء منه يتم الانتقال إلى الجناح الآخر وهكذا، ويمكن للفرد الواحد أن ينتج في فترة العمل الممتدة من السادسة صباحاً وحتى العاشرة ظهراً وربما إلى أذان الظهر 57 خبرات أو يزيد إذا كان ماهراً حاذقاً أي أن ستة من العمال النشطاء يكون لإنجاز قرن كامل «40 خبرة» خلال ست ساعات يومياً.. أما السفالة وهي الخبرة الخارجية الظاهرة في القرن فصناعتها تحتاج إلى خبرة ووقت أكثر لأن سعفها من أجود الأنواع وهو من نوع المسح إلا أنه أكثر طولاً وأنصع بياضاً ليضفي على القرن إشراقاً وجمالاً. ضيم المنافس مناطق انتشار زراعة النخيل في الحديدةوحضرموت هي أكثر مناطق اليمن وجوداً لهذه الحرفة الآيلة للانقراض، ولايحتاج الأمر منا سوى إلى زيارة صغيرة وخاطفة لإحدى أسواق تلك المناطق لنتعرف على تلك المنتجات التي تعكس مدى افتخار بلادنا بالصناعات التقليدية والحرف الشعبية التي بدأت تنافسها اليوم الصناعات المستوردة، فحتى الخبر الذي عرفه الحضارمة منذ زمن بعيد جداً يعاني اليوم من وجود منافس خارجي. ووجد المزارعون في المنافس الجديد سهولة في التعامل وربما نقصاً في الثمن، ولكن يبقى سؤال، هل يؤدي المهمة كما يؤديها المنتج المحلي؟ إذن كي نحافظ على تراثنا واقتصادنا وقوتنا أيضاً يجب أن تتضافر جهودنا وتتكاتف، ولانجعل الغزو يأخذ منا أحلى أيامنا وذكرياتنا الغالية التي تتشبث بحرفنا الضاربة جذورها أعماق التاريخ.