هناك موروث شعبي وثروة واسعة يجدها الباحث في حضرموت خاصة تلك المرتبطة بالحياة الاجتماعية والمعيشية والمهنية للأفراد والجماعات ومن هذا الموروث الحضاري نخص بالذكر الحرف التقليدية كصناعة الخزف والجلود والمصوغات الذهبية والخوص والحدادة والنوره وغيرها من المهن التي دعت الحاجة الى مزاولتها حسب احتياجات الإنسان والمجتمع له , وان تلك الحرف الشعبية ليست فقط امتدادا للصناعات التقليدية القديمة في المجتمع الحضرمي فحسب ولكنها لازالت تحتفظ بأصالتها وطابعها المحلي المتميز بالرغم من دخول منتجات صناعية حديثه زاحمت تلك الصناعات والحرف الشعبية وتكاد ان تقضي عليها وقديما قالوا" لا تعرف الشئ إلا بعد فقده " هذه الحرف لازال البعض يمتهنها كمصدر للرزق ولتأمين لقمة العيش الحلال ولسان حاله يقول " حرفة في اليد أمان من الفقر" أو كتقليد أو موروث يحتفظ به للأجيال القادمة علّ وعسى أن يسيروا على خطى أجدادهم وآبائهم لتكون خير معين لهم في أحلك الظروف , وهنا نقف أمام أحد تلك المهن التي لازالت تقاوم الزمن إلا وهي " صناعة الخوص " وعندها نستعرض قصة إنسان بسيط عصامي ارتبط بها وارتبطت به منذ أكثر من عشرين عام اتخذ منها ملاذ من الفقر وتأمين مصدر لرزقه ولأبنائه انه الحرفي ان صح التعبير / عمر أحمد باسعد من أبناء منطقة صيف مديرية دوعن الذي تشتهر بمثل هذه الحرف وأجرينا معه هذه الدردشة القصيرة ,,, (( بداية العمل )) يقول الأخ/ عمر أحمد باسعد ذو الخمسة والأربعين عاما انه امتهن هذه الحرفة التي ورثها من الأجداد والآباء منذ أكثر من عشرين عام بعد ان ترك دراسته مكرها ليؤمن لأسرته لقمة العيش الذي سيكسبه من صناعة يديه وكذلك ليحافظ على هذه المهنة الشريفة كونها موروث شعبي ارتبط به الأجداد منذ القدم ,,,, ويواصل حديثه وهو في غاية من البهجة والسرور لزيارتنا له في دكانه المتواضع الذي يزاول فيه مهنته اضافة الى بيع بعض الحلويات والمكسرات ,,, يقول أخينا عمر لقد احبيت هذه الحرفة وأتقنت صناعتها والحمد لله راضي بما تدره علي من دخل ,,, (( منتجاته صناعة الأطباق والغطيان والاشتباك )) وعن أهم منتجاته من صناعة الخوص يقول انا اهتم بصناعة الأطباق والغطيان واشباك النوافذ المصنوعة من سعف النخيل وهناك إقبال كبير عليها على الرغم من عصر التطور إلا انه فيه أناس يعشقون هذه الصناعات فمنهم من يستخدمها لحفظ الخبز بالنسبة للأطباق والغطيان ومنهم من يحتفظ بها كتراث في منزله اما الاشباك فهي تستخدم في نوافذ المنازل ولايزال الناس يستخدمونها عندنا هنا في دوعن ,,, (( تصدر للسعودية والحضارمة يحتفظوا بها كتراث )) ويواصل حديثه يتم بيع المنتجات في مناطق وادي حضرموت في سيؤن والقطن وشبام وايضا في المكلا وكذلك نقوم بتصديرها لخارج اليمن في السعودية حيث ان الحضارم يهتموا بها كثيرا ,,, (المواد الخام تحضر من سعف النخيل والتقطيع والتخمير والشطف والتصويف والتلوين ومن ثم السفوفة مراحل صناعة المنتج) وعن المدة الزمنية التي تستغرقها صناعة طبق أو غطاء يقول تستغرق حوالي من يومين الى ثلاثة أيام حيث تبدأ عملية الصناعة بعد تحضير المادة الخام وهي سعف النخيل نقوم بتقطيعها وتخميرها أو غمرها في الماء وبعد ذلك يتم شطفه وتصويفه ومن ثم تلوينه وبعد ذلك نقوم بسفوفته واستكماله وهذه الحرفة بحاجة الى الصبر ويواصل بعد ذلك نقوم بعرضه للبيع أو إرساله حسب طلب الزبائن حيث تبلغ كلفة الطبق الواحد (350) ريال يمني ….. (( نشجع الأبناء على التعليم مع الاحتفاظ بمهنة الأجداد )) وعن اهتمام الأبناء والأجيال يقول : نحن نحاول تشجيعهم وتعريفهم ان هذه مهنة عظيمة توارثناها أبا عن جد ونحاول ترغيبهم فيها ولكننا في نفس الوقت نشجعهم على التعليم ….. (( عزوف جمعيات التراث وعدم تشجيعها لنا )) وعن الجمعيات واهتمامها بهذه الحرف يقول : الى الآن لم يقم احد بزيارتي والتعرف على مصنوعاتي إلا انتم وجزاكم الله خير لذلك عبركم نطالب الجهات المعنية بخدمة التراث الاهتمام بنا وتشجيعنا حفاظا على هذا الموروث التاريخي العظيم الذي ارتبط به أجدادنا الحضارم منذ القدم … (( اهتمام السياح الأجانب في وقت سابق ، ونطالب الجهات المعنية بالاهتمام بهذه الحرف قبل اندثارها )) مضيفا في ختام هذه الدردشة بالقول : الله يرحم أيام زمان حيث كانوا يأتون إليهم السياح الأجانب ويأخذوا منهم هذه الصناعات اما الآن فقد اختفوا ولم يعد أحد يزورنا ,,, لذلك فان هذه الحرف وغيرها لاتزال موجودة ويزاولها الكثير ولكنهم بحاجة الى لفتة كريمة من الجهات المعنية ,,,, وفي نهاية حديثنا معه ودعناه وودعنا بكلمة شكر لنا على زيارتنا له وتسليط الضوء على هذه المهنة والحرفة الشعبية متعشما فينا كل خير بإيصال معاناته الى الجهات المعنية بالتراث للحفاظ على هذه الحرف قبل اندثارها ,,,,,, ( وان كانت لنا كلمة حري بنا أن نرفع القبعات إكراما لهم ) إن مثل أولئك الرجال البسطاء حري بنا ان نحترمهم وان نرفع لهم القبعات على صمودهم وصبرهم وهم يصنعون بأيديهم تراث وارث يربطنا جميعا بتاريخنا الحضاري وكأنه كتاب من كتب التاريخ والثقافة وعلينا ان نمجدهم كأبطال في معترك الحياة ضحوا بكل غالي ونفيس في حياتهم إلا انه الوقت نعم انه الوقت الثمين الذي يقضونه وهم يمارسون هواياتهم, والسلام ختام ,,,, والى حكاية أخرى من حكايات صناع الحياة وحرفة من الحرف الشعبية التي تزاول في محافظة حضرموت ,,,,