معنى التصوير: تشابكت الآراء والتفسيرات والمفاهيم حول تحريم الصور، فمنهم من يحرم ومنهم من يحلل ومنهم من يكره ومنهم من يجزئ، أي يحرم جزءاً من الصورة ويحلل آخر .. وسط هذه الفوضى من الآراء نقف حائرين في عصر بلغ فيه العقل البشري أوج عظمته وتقدمه و تنوره الفكري حتى أصبح الإنسان يشعر أنه قد جمع واستوعب كل علوم ما قبله منذ فجر الحضارات البشرية إلى اليوم.. ومنهم من يتخندق مع السلف الصالح ومنهم من يفتح باب الاجتهاد على أساس أن الحياة في تطور وتجدد وأن الدين يسر ولا عسر «لا إكراه في الدين».. ولكن أين يقع التحريم، هل بصورة عامة أم هناك استثناءات؟ وهل أن الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية قد وقع فيها تحريم الصور أم أن المسألة منحصرة في الدين الإسلامي فقط؟.. هذا ما نحاول توضيحه بشكل مختصر جداً في السطور الآتية معتمدين على مصادر القرآن والسنة النبوية وكذلك آراء العلماء من الأولين والمعاصرين على مختلف مذاهبهم.. ولنقف قليلاً على معنى التصوير. معناه في اللغة: ويعني الشكل والتمثال ويعني أيضاً الصفة والهيئة وكذلك يعني الأشياء المجسمة وغير المجسمة. معناه في الاصطلاح: أن الفقهاء يطلقون لفظ التصوير على اللوحات المرسومة على الورق أو المنقوشة على الثوب وهو ما يعرف اليوم بفن الرسم أو الصور غير المجسمة و كذلك يطلقونه على التماثيل المجسمة. معناه في القرآن: لقد فسر العلماء «صور وصورة» التي وردت في القرآن الكريم بأنها تعني التماثيل التي تحاكي الشكل المخلوق من ناحية تجسيمه وبروز أعضائه. قال تعالى: «وصوركم فأحسن صوركم) التغابن، أي أنه كونكم التكوين الذي أنتم فيه من تجسيم وبروز. العلماء الأوائل لقد ورد تحريم الصور في سورة المائدة قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون». وهنا يتفق جميع العلماء بأن الأنصاب تعني التماثيل التي كانت تعبد في الجاهلية ولذلك حرمت.. كما ورد التحريم في الأحاديث النبوية الشريفة والتي نقلها البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم منها قوله صلى الله عليه وسلم «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون»، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولاصورة». ويتضح من هذه الأحاديث بأن المراد بالصور هي التماثيل حسب تفسير فقهاء الإسلام.. وهي صور الإنسان والحيوان من ذوات الأرواح. أما من غير ذوات الأرواح من شجر وحجر وبحر وسفن وغيرها فليس محرمة باتفاق الجميع.. لكن ماذا عن الرسم أو النقش أي الصور غير المجسمة ، الواقع لم يرد نص قرآني حول ذلك على إطلاق. ولهذا علينا أن نرجع إلى العلماء والفقهاء في تفاسيرهم وماذا يقولون حول ذلك. وقد ذهبوا مذاهب متباينة فمنهم من يحرم ومنهم من يحلل ومنهم من يكره.. وقد ذكر بعض العلماء الذين يميلون إلى الحل حديثاً رواه البخاري وهو «إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صور إلا رقماً في ثوب» ويعني إلا رقماً في ثوب هو الرسم أو النقش أو الصور غير المجسمة ولهذا فقد استثني عن التحريم عند بعض العلماء. وذكر الإمام أبو بكر بن العربي: إن كانت الصور مجسمة حرم بالإجماع وإن كنت رقماً فاربعة أقوال: 1 يجوز مطلقاً على ظاهر الحديث «إلا رقماً في ثوب». 2 المنع مطلقاً. 3 إن كانت الصور باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز. 4 إن كل ما يمتهن جاز وإن كان معلقاً لم يجز. العلماء المعاصرون kesur_omra1 ذكر الشيخ عبدالحليم محمود: وهو أحد مشايخ الأزهر في كتابه موقف الإسلام من الفن بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر النقود التي يستخدمها العرب في الجاهلية وكانت ترد من الممالك المجاورة وهي مصورة. وضرب معاوية دنانير عليها صورته متقلداً سيفاً. كما سك عبدالملك بن مروان دنانير عليها صورته أيضاً وكانت المنسوجات اليمنية فيها تصاوير. ولهذا فإن عبدالحليم يقول في كتابه: «ونحن نميل إلى الحل مستندين إلى الحديث الشريف «إلا رقماً في ثوب». الشيخ حسنين محمد مخلوف: وهو مفتي الديار المصرية سابقاً فيقول: «وأما الصور الرقمية فلم تكن يوماً ما معبودات في الجاهلية ولكنها تتصل بتلك الصور المجسمة نوعاً ما وتذكرنا بما كان من أمرها.. ولكن لما استقر الإسلام وانمحت الوثنية واستنارت القلوب بنور الإيمان رخص الشارع في الصور الرقمية في حديث «إلا رقماً في ثوب».. وعليه يخرج جواز صنع الصور الشخصية للإنسان والحيوان وليس فيها شائبة وثنية الآن، بل لها منافع كبيرة في جميع مرافق الحياة... ونفهم من ذلك أن الشيخ يجيز ما هو رقماً، أي الصور غير المجسمة أو الرسم مالم يسلك بها مسلك التعظيم. الشيخ عبدالعزيز بن باز ريئس البحث العلمي والإفتاء والإرشاد في السعودية، إن الشيخ ابن باز يحرم الصور المجسمة وغير المجسمة إلا ما يمتهن ويوطئ والمقطوع الرأس والمهان ونحوه من ذوات الأرواح أما غير ذوات الأرواح فليس بمحرم. وقد وردت فتواه في مجلة المجتمع الكويتية العدد 484 سنة 1980 ما نصه: «.. تحريم التصوير لكل ذي روح وإن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار, وهي عامة لأنواع التصوير في حائط أو ستر أو قميص أو مرآة أو قرطاس أو غير ذلك...» وهذا مذهب الحنابلة والشافعية والحنفية, غير أن المالكية عندهم الصور غير المجسمة مكروهة وليس بمحرمة. وعلى فتوى الشيخ ابن باز يعني ذلك تحريم رسوم وسائل الإيضاح المنتشرة في كتب المدارس ومجلات الأطفال والكتب المزوقة بالرسوم ألآدمية والحيوانية ورسوم الفنانين الواقعيين ورسوم أفلام كارتون ما شابه ذلك... الإمام الخميني جاء في كتابه «تحرير الوسيلة» ما نصه «يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصور مجسمة كالمعمول من الأحجار والفلزات والأخشاب ونحوها. والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه و يجوز تصوير غير ذوات الأرواح...» وهنا يتفق الإمام مع مذهب المالكية في الكراهية ولكنه يقول الأقوى جوازه مع عدم التجسيم أي الرسم أو النقش... أما لعب الأطفال والصور الفوتوغرافية والرسوم المتحركة وكذلك النحت النصفي مثلاً الرؤوس من ذوات الأرواح فهي خارجة عن التحريم عند أكثر العلماء.. وأما الفنون الحديثة التي يطغي عليها طابع التجريد والرقش العربي كالزخرفة الهندسية والنباتية والخط العربي وما شاكل ذلك فليس فيها شائبة. التحريم عند الديانات الأخرى اليهودية: ورد في كتاب «موقف اليهودية من التصوير» للدكتور جمال محمد محرز بأن اليهود في العصر الأول المسيحي ثاروا على التماثيل التي نصبها الرومان للعبادة وحطموها. كما ظهرت فتاوى دينية يهودية من بعض الحاخامات بتحريم الصور لأنها قد تعبد، أما في العهد القديم «التوراة» فقد وردت نصوص تحرم عبادة الصور سواء كانت المنقوشة أو المنحوتة ومن هذه النصوص: «لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من أسفل وما في الماء من تحت الأرض ولاتسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك». «لا تصنعوا لكم أوثاناً ولا تقيموا لكم تمثالاً منحوتاً أو نصباً ولا تجعلوا في أرضكم حجراً مصوراً لتسجدوا له لأني أنا الرب إلهكم». المسيحية: في كتاب «الامبراطورية البيزنطية» للمؤلف نورمان بينز يذكر بأن المسيحيين الأوائل لم يتطرقوا إلى تحريم أو منع صور الكائنات الحية، بل بالعكس وظفوها بشكل واسع لترجمة تعاليم الانجيل. وبما أن عامة الناس أمية في ذلك الوقت فإن خير وسيلة لشرح تعاليم الدين هي عن طريق تصويرها على جدران المعابد وبمرور الزمن أصبحت تلك الصور الدينية للمسيح ومريم والقديسين مقدسة ومحترمة وأصبحت الناس تحتفظ بها في بيوتها للبركة. وفي القرن التاسع للميلاد ظهرت عائلة البولسيون الذين كانوا يمقتون الرهبنة، حيث احتجوا على الكنيسة وخرافاتها خاصة صناعة الصور, ومن هنا نشأ الأباطرة اللاصوريون وناصرهم الجيش وكثير من رجال الخدمة المدنية والأساقفة بينما وقفت اليونان مع الأديرة تدافع عن الصور. وقد اعتبر الحزب الامبراطوري أن محاولة تصوير الإله في صور بشرية هي من قبل الزيغ والاجتراء.. ويذكر بأن الذي قام بحملة تحطيم الصور هو الامبراطور ليون اساوريو سنة 726م كما يذكر بأن ليو الخامس 813 820م هو الآخر قام بحملة أخرى لتحطيم الصور المقدسة. واستمر هذا النزاع بين الأباطرة والكنيسة حوالي مائة سنة انتهى بانتصار الكنيسة وعبادة الصور في زمن الملكة ثيودورا سنة 836م. الحكام والتحريم kesur_aljawsaqكان ظهور الدولة الأموية سنة 41 هجرية هو بداية للانحراف التام عن خط الصحابة والأئمة وبذلك ظهر الترف والقصور والطرب والغناء وشرب الخمر والانحراف إلى غير ذلك من الإباحية.. وبالتالي فليس هناك التزام تام بتعاليم وأخلاق الإسلام ومنها تحريم الصور.. وبذلك فإن الإباحية والتحرر من قبل الحاكم تنعكس على الأمة في كل تصرفاتها ومشاربها «صلاح الأمة بصلاح الحاكم» وقد بنى الخلفاء الأمويون قصوراً عظيمة وزينوها بالصور والزخارف المتنوعة وأحاطوها بالرياض والبساتين الغناءة, منها «قصير عمرة» الموجود حالياً في البادية الأردنية وهو بناء شيده الوليد بن عبدالملك ما بين عامي 94 و97 هجرية 712 715م. إن أهمية هذا القصر تكمن في الصور حيث يغطي جدرانه أقدم تصوير عربي إسلامي, وهي رسوم منفذة على الجدران تمثل مناظر للصيد والرياضة ومشهد للخليفة مع بعض الملوك ونساء عاريات ومناظر أسطورية مثل دب يعزف على آلة موسيقية وغير ذلك.. غير أن ما يلفت النظر والغرابة هو موضوع الشخص العاري، ففي منطقة الحمام من القصر توجد نساء وأطفال عراة يستحممن، وقد نفذت كل هذه الأعمال بالأسلوب الواقعي. ولهذا فإن خلفاء بني أمية لم يكتفوا بعدم الالتزام بتحريم الصور وإنما ذهبوا إلى أبعد من ذلك برسم الصور العارية. أما الدولة العباسية فيذكر أن المنصور الدوانيقي قد بنى قصراً عليه قبة خضراء فوقها نصب فارس يمتطي حصاناً يدور مع الريح.. وقد عثرت على صورة منمنمة لهذا القصر في أحد الكتب الاسبانية.. أما الدولة الأموية في الأندلس فحدث ولا حرج من بناء القصور والمدن الخيالية و تزيينها بأنواع الزينة من رسوم ومنحوتات وزخارف متنوعة مازالت إلى اليوم قائمة كشاهدة على ذلك العصر. أما اليوم فإن الحكام المسلمين «خير خلف لخير سلف». ولهذا يطلق أحياناً على هذه المرحلة المعاصرة بثقافة الحجارة خاصة في بلاد الخليج.. ويعتقد الكثير من العلماء أن هناك آلاف الأحاديث الضعيفة والغريبة قد دست في السنة النبوية وتحتاج إلى تحقيق جاد لمعرفة مدى صحتها. ثانياً يجب إعطاء دور كبير للعقل في الحكم والتحليل والتفسير والتمييز والاجتهاد لأن القرآن له ظاهر وباطن. ثم لماذا نتمسك بآراء علماء ظهروا قبل ألف سنة وهم غير معصومين عن الخطأ ثم نعطل العقل والفكر ونجمد الحياة..؟ رفقاً بالناس أيها العلماء.. والدين يسر وليس عسراً.. والله العالم بالصواب.