العنف بمعناه الواسع له أكثر من صورة، ويختلف تداوله كمفهوم من مجتمع إلى آخر، بحكم تفاوت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائم..وبإجماع الجميع يبقى «العنف» مُشكلة كبيرة تطال بتأثيراتها المدمرة ملايين الأطفال.. - تؤكد ذلك دراسة مستجدة فاجعة فحواها أن واحد من كل أربعة أطفال حول العالم يتعرضون إلى الإساءة الجسدية والنفسية والجنسية أوالإهمال والاستغلال.. وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على المجتمع ككل، وولد ما يسمى ب “أطفال الشوارع” كظاهرة يصعب اجتثاثها.. خمس أماكن يمكن تعريف العنف بأن يستخدم شخص ما قوته أو سلطته في إيذاء شخص آخر عن قصد وليس عن طريق المصادفة، ويتضمن العنف التهديد بممارسة العنف، والأفعال التي يمكن أن تسبب الأذى بأن يصيب هذا الجسم جسم الشخص الآخر، بالإضافة إلى الوضع النفسي والسلامة والصحة العامة.. وبصورة أعم يُعرف الدكتور نبيل سفيان أستاذ علم النفس بجامعة تعز العنف، بأنه اعتداء لفظي وفعلي وإلحاق الأذى من طرف نحو طرف آخر وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو مشحون بشحنة انفعالية، وقد يكون من قبل جماعات أو فئات.. وفي الوقت الراهن أصبحت قضية حقوق الطفل وحمايته من القضايا الرئيسية التي يُعطي المجتمع الدولي لها الأولوية، خاصة بعد أن أثبتت الدراسات أن واحدا من كل أربعة أطفال حول العالم يتعرضون إلى الإساءة الجنسية أو الجسدية أو النفسية أو الإهمال أو الاستغلال. وأكدت أغلب الدراسات المهتمة في هذا الجانب أن الأطفال يتعرضون للعنف في خمسة أماكن مختلفة، أولها المنزل، ثم المدرسة، بالإضافة إلى المؤسسات مثل دور الأيتام وبيوت الأطفال وفي السجون وكذلك في أماكن العمل وأخيراً في المجتمع. غموض وسرية تكتنف مشكلة العنف غموض وسرية؛ كونه أكثر ما يمارس في أوساط الأسر و«البيوت أسرار»؛ ولذا فإنه لا يصل إلى مسامع الجهات المسئولة لتطبيق ما هو متاح من نصوص توفر حماية جنائية، بل إن الأطفال أنفسهم يخشون من التبليغ عن مثل هذه الاعتداءات أحياناً وقد يكون ذلك عن عدم ثقة.. وهذه الجزئية تعد من أكبر المعوقات التي تعترض الباحثين والمهتمين في هذا الجانب، تضاف إليها أنه حتى إذا تم التبليغ عن العنف فلا يتم الاحتفاظ بسجلات عنه في أغلب الأحيان، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يعرف حجم المشكلة ويكون الأمر كذلك بشكل خاص في المؤسسات مثل السجون وغيرها من مراكز الأحداث أو في دور الأيتام.. آليات ولوائح ذكرت دراسة حديثة أن عدداً كبيراً من الأطفال يتعرضون لأشكال مختلفة من العنف، سواء في البيت أو المدرسة أو المراكز الحكومية.. ولفتت نفس الدراسة إلى وجود علاقة بين ممارسة العنف ضد الأطفال وخصائصهم الاجتماعية، وأوضاع الأسرة الاجتماعية والمعيشية كالفقر وتدني مستوى التعليم، وعدم قيام الجهات المعنية بدورها للحد من هذه الظاهرة. وأكدت الدراسة التي نفذها المجلس الأعلى للأمومة والطفولة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونيسيف والمنظمة السويدية لرعاية الأطفال «رادايارين» في المدن الرئيسية والريف اليمني أن العديد من أشكال العنف تمارس ضد الأطفال وبطرق عقابية تتفاوت بين الجسدية والنفسية، وسوء المعاملة والإهمال، كالضرب والتوبيخ والإهانة والتحرش الجنسي. وطالب المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في نتائج دراسته بضرورة إيجاد آليات لحماية الأطفال من العنف، وسوء المعاملة، وأشكال الإساءة الجسمية والنفسية والجنسية، وضرورة توعية الآباء والأمهات، من خلال البرامج الإعلامية، ومراكز الأمومة والطفولة، بمخاطر استخدام الوسائل العقابية القاسية وانعكاساتها السلبية على أطفالهم، وتفعيل اللائحة المدرسية المتعلقة بالقواعد التي تنظم كيفية التعامل مع الأطفال في المدارس والإجراءات التربوية التي ينبغي أن تطبق على الذين يخرجون عليها. ودعا المجلس إلى إعادة النظر في أسلوب وقواعد إيداع الأطفال الأحداث في دور التوجيه الاجتماعي، مع تحديث اللوائح الخاصة بما يسهم في تحديد الأدوار ويساعد على آلية العمل داخلها للحد من العنف. شبكات ولجان كما جرى مؤخراً تشكيل شبكات ولجان وطنية مهتمة في هذا الجانب، لعل أبرزها «شبكة حماية الطفل» وذلك بهدف تنسيق الجهود المبذولة لمناهضة العنف ضد الأطفال من قبل الجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ضمن خطة عمل مشتركة. هذا ما أفصح عنه عبداللطيف الهمداني مدير الشبكة الوطنية لحماية الطفل بالمجلس الأعلى للأمومة والطفولة الذي أضاف بأن المجلس قام بدعم ومناصرة الأنشطة والمشاريع الموجهة من قبل الجهات ذات العلاقة، وكذا المشاريع والفعاليات التي من شأنها حماية الطفل من كافة الظروف والعوامل المؤدية إلى انحراف الأحداث، عمالة الأطفال، أطفال الشوارع، التسرب المدرسي. وأردف الهمداني: إن المجلس نفذ برامج تدخلية لعلاج حالات العنف والإساءة والاستغلال ضد الأطفال، وتعزيز الإطار القانوني لحماية الطفل، وكذا رفع الوعي المجتمعي بحقوق الطفل وحمايته. هذا وقد دعا المؤتمر الإقليمي الثاني لوقاية الأطفال من العنف والإساءة الذي احتضنته العاصمة صنعاء في وقت سابق إلى تعزيز العمل العربي والإقليمي المشترك في مجال حماية الأطفال، وتكامل الجهود والتنسيق بين مختلف الأقطار العربية تجاه قضايا الطفولة، وتوفير الإمكانيات اللازمة البشرية والمادية لبرامج حماية الأطفال، ووضع شروط ومعايير خاصة للعاملين في مجال حماية الأطفال.. وأكد خبراء برامج حماية الأطفال في بيانهم الختامي في ذات المؤتمر ضرورة إقرار التشريعات اللازمة والكفيلة بتوفير البيئة الحامية للأطفال، والعمل على متابعة تنفيذها، إضافة إلى نشر الوعي على مختلف المستويات حول مخاطر العنف بمختلف صوره وآثاره على واقع ونماء الأطفال وحياتهم، وكذا التصدي لبعض الممارسات التي يتعرض لها الأطفال وتنتهك فيها حقوقهم. استعداد للانحراف وهذا «العنف» وفق كل المعايير الصحية والنفسية والاجتماعية له أضرار وتأثيرات بالغة تطال الطفولة، ويمكن أن يبقى أثرها لسنوات عديدة، فهو يؤدي إلى ضياع شخصية الطفل، وإيجاد إنسان مهزوز لا يقوى على صنع قرار، بل يعتمد على تلقي الأوامر من غيره ولا يستطيع التعبير عن مشاعره بطريقة مفهومة. وهو يؤدي أيضاً إلى القلق والاكتئاب والعدوانية أو حتى الرغبة في الانتحار، وكذلك الميل إلى أعمال خطرة والانخراط في عصابات وتعاطي الخمور والمخدرات. وبالنسبة للمشاكل الصحية البدنية فهي تشمل تغيرات في نمو المخ وإصابات وكدمات وكسور وإعاقة قد تكون دائمة أو مؤقتة.. وذهب علماء الاجتماع إلى منحى آخر فالتنشئة الاجتماعية هي عملية يتحول بموجبها الكائن الحي من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي؛ ولذا ينبغي أن تكون التنشئة متوازنة حتى تكون الشخصية متزنة، والإفراط في العنف ضد الطفل لا يمكن أن يؤدي إلى شخصية متوازنة نفسياً واجتماعياً، فهو يسهم في تدهور الشخصية في الخمس السنوات الأولى مرحلة الإشباع والتعلم الأساسية ولهذا يكون هذا الطفل في مرحلة المراهقة أكثر استعداداً لقبول العنف وقد يكون إما جباناً أو عدوانياً مع من حوله. ومن الآثار الاجتماعية أيضاً أن يترك الطفل المنزل ويتحول إلى جانح، ويتدنى مستواه الدراسي وتحصيله العلمي، كما أن هذا الطفل يشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه ومكروه ويمكن أن يقوم بأي عمل دون حساب للعواقب. قصور قانوني إذا كانت الدراسات الاجتماعية في بلادنا قد أثرت هذا الموضوع من نواحيه المختلفة، فثمة قصور في الدراسات القانونية المعالجة، فالقوانين والتشريعات النافذة حسب تأكيدات بعض المهتمين لا يوجد فيها تحديد واضح لقضايا العنف التي ترتكب ضد الأطفال، فقانون الطفل مثلاً يكرس الأسرة الأبوية، وعزز ذلك أيضاً قانون الأحوال الشخصية، والدستور اليمني ينص على إلزامية التعليم في المرحلة الأساسية، بينما قانون الطفل لا يلزم الأسرة بإلحاق ابنها في التعليم ولا يتضمن عقوبات للمخالفين، ورغم ذلك يبقى تأثير هذه القوانين ضئيلا مقارنة بالأعراف والتقاليد. الخطوة الأولى الباحث عادل دبوان لديه وجهة نظر مغايرة وأكد في دراسة له أن التشريعات اليمنية توفر حماية جنائية للطفل ضد كثير من الأفعال والأعمال التي تدخل في مفهوم العنف والإساءة، منها ما هو بنص جنائي، عام ومنها ما هو بنص خاص توفر جميعها حماية جنائية خاصة للطفل من العنف والإساءة. الباحث دبوان قال أيضاً في دراسته التي تناولت الحماية الجنائية للأطفال «ضحايا العنف والإساءة في اليمن» : إن بناء بيئة حامية للأطفال تساعد على عدم تعرضهم للعنف والإساءة والإهمال يتطلب عناصر كثيرة، إلى جانب التشريعات القانونية، منها العمل على تنفيذ هذه التشريعات والتوعية، والتدريب وبناء القدرات ومشاركة المجتمع وتطوير مهارات الأطفال للتصدي للعنف، وتوفير خدمات التأهيل وإعادة الدمج وتأسيس برامج مستدامة للرصد والتبليغ..إلى جانب تحسين الأوضاع المعيشية للأسر من أجل المساهمة في الحد من هذه المشاكل. الباحث دبوان ولج إلى ذات القضية برؤية قانونية واجتماعية مفصلة من حيث لم يدخل الآخرون.. وباعتقادي لو كان الثراء القانوني في ذات القضية متوفراً لكان باحثون كثر قد حذوا نفس التوجه وخلصوا إلى حلول ومعالجات أكثر جدية وإلزاماً، ورغم ذلك يبقى للباحث دبوان أفضلية السبق..وأول الغيث قطرة، وما توفر من منظومة تشريعية إزاء حقوق الطفل واستندت إليها تلك الدراسة هي بمثابة الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، ويجب أن تتبعها، كما حثت نفس الدراسة خطوات جادة على الصعيد العملي والتطبيقي.