عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محافظ تعز: الشعب والحكومة مطالبون بالاقتصاص العادل للشهيد الذي اغتالته يد الغدر
في احتفائية بالمسيرة النضالية لشهيد الوطن عبدالعزيز عبدالغني
نشر في الجمهورية يوم 28 - 10 - 2011

تموت أيها الماجد في وقارك لا لتنهض كرمز أو أسطورة بل لتتجسد فينا فكرة حية
جابر: الشهيد قدم لتعز رصيداً كبيراً من الجهود المثمرة في تطوير الوطن
شوقي: عبدالعزيز كان رجل دولة من الطراز الأول
الحكيمي: الشهيد تحلى طيلة حياته بالقيم والمثل النبيلة
أقامت محافظة تعز أمس احتفائية للمسيرة النضالية لشهيد الوطن الكبير الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني الذي استشهد متأثراً بجراحه، جراء العمل الإرهابي الغادر بجامع دار الرئاسة في أول جمعة من رجب الحرام.
وفي الحفل قال محافظ تعز حمود خالد الصوفي:”إن شهيد الوطن عبدالعزيز عبدالغني كان النهار الذي تبدد في لحظة طيش أرعن لم يقوَ على مجالدة صبر الشهيد أو محو ابتسامته وسمو أخلاقة”.
وفيما يلي نص الكلمة:
الحمد لله رب العالمين القائل: “أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما, خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاماً”. صدق الله العظيم.
سلام عليك يا عبدالعزيز عبدالغني
أيها النهار الذي تبدد في لحظة طيش أرعن، لم يقوَ على مجالدة صبرك، أو محو ابتسامتك.. حتى في لحظات موتك واحتضارك، لم تفارقك تلك المسحة الناصعة من البشاشة التي تستقبل بها كل من جاء إليك، فتمثلت قول أمير الشعراء:
ولقد نظرتك والردى بك محدق والداء ملء معالم الجثمان
فهششت لي حتى كأنك عائدي وأنا الذي هد السقام كياني
السلام عليك، أيها الضمير الذي تكالبت عليه نوازع الشر، ومخالب الهوام، وأعداء السلام في جمعة الأمن والأمان.
السلام على هذه الروح الطاهرة، وهي تحلق بيننا، وترسم في أجوائنا سماحتك، وسمو أخلاقك، ماثلة في عيون أنجالك، ووجوه محبيك.
وقد قيل:
يقولون موتُك كان غريباً.. ووجه الغرابة أنك عشت
وأني أعيشُ. وتعلم أنّا
حُكمنا بموت سريع يمر ببطء
وتعلمُ أنا اجترحنا الحياة
وتعلمُ أنا تأجل إعدامنا ألف مرة
لسكرة قاتلنا تلو سكرة
ولله مجد الأعالي.. ونصلُ السلام, الكلام على الأرض
والناسُ فيهم – سوانا – المسرة
السلام عليكم في هذا الصباح الحزين المسربل بمرارة الحزن وهول الفاجعة لرحيل رجل نسج من أديم عمره أوشحة مجد لهذا الوطن الذي رافقه وترفق به في مختلف المحن والشدائد والأفراح والأتراح وتجرع معه مرارة الانكسارات دون أن ينكس الأعلام أو يلعن الحظ واحتسى معه كؤوس الانتصارات بتواضع فلسفي حكيم دون أن يرتدي نياشين الزهو والتباهي أو يطلق قهقهات الشماتة بالخصم المهزوم.
نلتقي في هذا المكان، وقلوبنا تقطر ألماً، تبريها نياط الحزن، مكلومةً موجوعةً، في أربعينية رجل فاضل، عاش باراً بوطنه، مخلصاً لقضيه شعبه، أميناً على مبادئه، كريماً في طبعه، دمثاً في أخلاقه وسجاياه..
عبدالعزيز عبدالغني .. أيها الشهيد الشامخ المتوّج بأكاليل الحزن المنسوجة من شغاف القلوب المفجوعة بغيابك القسري المباغت في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ وطنك المحاصر بالحراب المسمومة المصوّبة نحو خاصرته ومكاسبه وأنت الذي لم يتوارَ يوماً عن معركة فرضها الوطن أو فرضت عليه.
سيدي... فتشت كثيراً عن لغة استثنائية تستوعب معناك الاستثنائي العظيم لأرثيك.
وقفت على حواشي القواميس وولجت متونها فلم أجد غير سطوة فاجعة عقدت الألسن ومزقت نياط الأفئدة العامرة بحبك.. المكلومة برحيلك.
ففشلت كل جزالة اللغات.. وأخفقت بلاغة الخطباء عن اجتلاء مكنونات صمتك الأسطوري المكتنز لمسيرة وطن.
فكما كان أكتوبر المجيد، شهر انتصار الثورة ضد الاستعمار البغيض، فقد قُدَّر له اليوم أن يكون مناسبة تأبينية لرجل مجيد أيضاً، وكلا المناسبتين، مصدر فخر واعتزاز لكافة أبناء شعبنا، ففي هذا الشهر نحتفي بثورتنا المباركة، وفيه نترحم على رجل فذ، ونموذج مسالم، يحترم حرية الفكر، ويميل إلى الحوار، ويكفيه من العزاء، أنه خرج من هذا العالم، ولم يمس بالأذى قلب مخلوق.
***
فلله زمن مر في حياتنا، وغدا ذكرى تحن إليها قلوبنا، ذلك الزمن المتفرد الذي جاء فيه شهيدنا الراحل، حيث أثبتت الأيام، والمراحل المتعاقبة انه كان طرازاً فريداً، من الرجال الشرفاء، وأصحاب المبادئ التي لا يختلف عليها اثنان.
كان نضاله شرفاً موشوماً، بقدرته على احتواء المواقف، ورأب الصدع، وإسداء الرأي المستنير، وخلق فضاء واسع من العلاقات الراقية، ومد جسور التواصل بين اليمن، وكافة الدول الشقيقة والصديقة، علاوةً على خُلقه الرفيع، الذي مثل في كل الظروف، ثباتا في غير جمود، ودأباً في غير منٍ ولا ادعاء، وعامل وصل، بين الذين جمعتهم غاية نبيلة، يصلح ذات البين، ويمد الوشائج وأسباب الوفاق.
***
ولقد عرفته محافل الوطنيين، نفحة نسيم، بليل تضامن.. من دون حماسة واندفاع، حتى أسدل الله، على قلوب قاتليه، وعيونهم الغشاوة والعمى، ولطَّخ حياتهم بعار الغدر والخيانة.
وكما كان هادئاً ووديعاً في تعامله ومسلكه، فقد شاءت إرادة الله، أن يكون رحيله صاخباً، تضج به الحياة ويأسف لمصرعه كل الناس.
وكفانا بذلك الثناء العاطر، من قائد مسيرتنا المظفرة، الرئيس علي عبدالله صالح – رئيس الجمهورية – وهو يعدد مناقبه وسجاياه، ويرثيه بقلب كسير، وعين دامعة، وشعور بالغ بالأسف، لهذا المصاب الجلل.
***
شهيدنا أيها الراقي، بحياته وموته، عبدالعزيز عبدالغني.. لم يكن صمتك وهدوءك دليل إدانة ضد تاريخ موغل بالبشاعة والتطرف فحسب، بل كان أيضاً سكون الزاهدين، عن الخوض في معركة لا هوادة فيها، ضد الجهل والتعصب، والأنانية، والقبلية المقيتة، وفي وسط معادٍ. استنزف طاقاتك الإنسانية، وسط لا يعترف بالجميل، إنما تكثر فيه معاول الهدم، وتقل الأيدي التي تساعد على البناء.
كنت حزباً متفرداً بذاتك، مستقلاً بحكمتك، تحترمك كل الأحزاب، ولايزايد عليك أحد.
فقبل أن يكون المؤتمر مساراً.. كُنت مؤتمرياً في وسطيتك واعتدالك
وقبل أن تكون الاشتراكية حزباً.. كنت اشتراكياً في أفقك ومداك وتوازنك..
وقبل أن تكون الناصرية تنظيماً.. كنت ناصرياً في عروبتك وقوميتك..
وقبل أن يكون الإصلاح تجمعاً... كنت إصلاحياً في منهجك وتفكيرك..
وقبل أن يكون البعث نشوراً... كنت بعثياً في وحدويتك وانتمائك.
لكن: تأخر حزني عليك قليلاً، يا صديقي الجميل، لأني كغيري تبلدتُ حتى كبلني الحزن، وعقّدت اللوعة حروف مقالي، وبيان رثائي عليك..
(عبدالعزيز عبدالغني)... أيها الفصل الأروع في حياتنا
***
كان وجودك، مقروناً بزمن من العناء والتضحية، يضمد أوجاعنا، بهدوء الطبيب الماهر، والجرّاح الحكيم، في كل المواقع القيادية التي تعاقب دورك عليها، فكنت فيها حازماً وأميناً.. وأثبتّ نجاحك، وقدّمت خلاصة تجاربك.. وستجني الأجيال، ثمار تجاربك وخبراتك، حتى ولو جاء ذلك الموعد بعد عقود من زمن رحيلك... (لأن الزارع في الحقول الوعرة، لا يكون دائماً هو الحاصد).
الحاضرون جميعاً.
يعزينا في هذا المقام، أن حياة هذا الرجل المثال، ما كانت غير سلوك القائد النبيل، والفارس المهذب، الذي يحرص على أن يكون واسطة العقد، وخلاصة الحكمة والمعرفة.
وربما لم يتبادر إلى أذهاننا يوماً ما، أن مثل عبدالعزيز عبدالغني، بأخلاقه السمحة، وتواضعه الجم، قد يكون مرمى لفوهة بندقية، أو لرصاصة قناص، أو قد يكون هدفاً لطيش مغامر أو غرضاً لرغبة موتور عابث فالكل كان ينظر إليه، على أنه القديس الذي تتعمد على يديه أرواح المذنبين والمسرفين على أنفسهم، ليغسلها بإذن الله من الخطايا ويودعها سلام الطمأنينة، وسكون الأبدية وراحة السماء.
من منا تمعّن في وجه عبدالعزيز عبدالغني ولم تستقر في أعماقه وداعة الوجه الحالم كمدينتنا الحالمة؟!
من منا لم يصافح عبدالعزيز عبدالغني (في حياته)، ولم تنتابه أحاسيس الدعة والارتياح، كما لو كنا، نصافح تاريخاً مشرقاً، أو صحابياً جليلاً.
عبدالعزيز عبدالغني... أيها الوطن الحافل بالبهاء، والمتدثر بالوفاء..
أيها الرابض في حدقات عيوننا، وتشاعيب أرواحنا..
ما كان لضحى الأمنيات الحميمة أن يشرق في سمائنا، دون أن تسبقه فجر نبوءاتك، وتباشير قلبك.
***
ما كان لأحلامنا أن تتشكل ألوانها، دون أن ترسمها بضوء وجهك، وطهر صلاتك..
أيها التقي في محراب زهدك عن الناس والحياة، هاهم كُهان الظلامية، وسدنة القبح، وأذناب الفجور، قد سرقوا حلمك، وأحلامنا فيك، وسحقوا زهرة عمرك، واستكثروك علينا.
عبدالعزيز عبدالغني .. أيها الأفق الباسق في فلوات أعمارنا.
الحزن في رحيلك الفاجع لا يحده المدى، ولا تختصره الحكايا، ولا شجو الأمهات.
والأسى الفادح، أثر مصيرك الموجوع ألجم الدهشة، معقودةً فوق عيوننا، وترك مساحة الذهول تعترينا، ومد صحاري اليباب في مواجيدنا.
عبدالعزيز عبدالغني..
أيها الرجاء الموعود، في قيامة أشواقنا... والأمل المعقود في حنين أعمارنا... لو كانت هناك نهاية (سامقة) غير الاستشهاد، لما أردناها لك.
لأن النخيل لا تموت إلا واقفة، تناطح الغيم، وتتحدى زمن الاندثار.
غير أن الخصم، لم يكن شريفاً في مواجهتك، وأنت تسكن الوداعة منذ جئت إلى واقعنا.
كان خصمك واعياً لقدرك المجيد، فاختار لك نهاية تليق بالزاهد، عن ترف الحياة، وأوجاع السياسة، ومخاض الزيف والنفاق.
فأشرف على صياغة نهاية دامية، لهدوئك النبيل، وسكونك الوقور.
وها أنت تصعد إلى السماء، حين تناثر جسدك الضوئي، في محراب جمعة الأمن والأمان في الأول من رجب الخير.
تهالكتَ تصارعُ الجروح طيلة أيامك القليلة، كما كنت تصارع الجهل، منذ عملت مدرساً في كلية بلقيس، في فجر شبابك، وحتى وافاك الأجل، في أواخر رمضان المبارك والحزين، على موعد يا عبدالعزيز، مع قاضٍ لا يخطئ ، وجبار لا ينسى، وغني لا يستدين.
تموت أيها الماجد في وقارك، لا لتنهض كرمز أو أسطورة، بل لتتجسد فينا، فكرة حية، تحرضنا على عبادة الوطن والحرية، وعلى الإصرار الفولاذي، لنهوض يمن، لا يذعن للمزايدين، ولا للمتخرصين، ولا لمن أعمتهم المكاسب، وطغت عليهم منافع تجار الحروب.
حتى للموت يا عبدالعزيز .. تجار حروب باعوك، بثمن بخس, وكانوا فيك من الزاهدين.
لأنك الرجل المضيء، والقلب المتكئ، على زمن لا يشيخ، بفعل المرحلات، والمعضلات، والنكبات، التي اعتصرت أحلامك، ولم ينكسر لها قلبك.. سنفتقدك دائماً، في المواقف، التي تحتاج إلى رجل حكيم وإلى قائد وضرورة معاً. إلى رأي مستنير، يمقت الجهل والتعصب، ويعاف أمزجة الطوائف، واختلاف المتنطعين باسم الدين، والأدعياء باسم الثورة والحرية.
عبد العزيز عبد الغني.. موهبة خاصة وعلامة فارقة ونشاط خارق ومزايا شخصية لا تورث، وعلاقات حميمة مع الناس، لا يدركهاغير فكر ثاقب، وعقل يستشف رؤى الغيب وما وراء الغيوم.
وقد قيل:
فالناس كلهم لفقدك واجد في كل بيت رنّة وزفير
عجباً لأربع أذرع في خمسة في جوفها جبل أشم كبير
أيها الإخوة والأخوات.. باسم الثورة تزهق الأرواح، وباسم التغيير يقذفون بأبنائنا وزهرات قلوبنا إلى مهالك الردى، ومهاوي الموت، وباسم الحرية يأتون على الحرث والنسل دون رادع من دين، أو وازع من ضمير وباسم حركة النهوض يأتون على كل شيء جميل في البلاد فيخربون ويدمرون وينتهكون ويتقطعون ويسلبون كل ما تقع عليه أيديهم .. إنه انقلاب فاضح لا يشبه الثورة في شيء ولا يمت للتغيير بصلة
وقد قيل: “مدن الجمال لن تولد من هاهُنا فاخفضوا دعواتكم، فليست سوى تغرير بالعواطف وثرثرة ماجنة”.
لقد كان عملاً إرهابياً تحت عناوين زائفة ومسميات وهمية وشعارات ترهق الحياة وتمعن في وأد الأحلام وإزهاق الغد الأخضر.
ولله الحكم من قبل ومن بعد..
لكن قيل:
لا تجعلوا من موته..
موت البلاد
فهو الجنازة والجسد
وهو الحداد
وهو العزيمة والمدد
وهو المداد
فتأهبوا يا كلكم
صَهَل الجواد
*****
الحاضرون جميعاً
في كل المحطات، والمواقف والتطلعات هناك إرادتان تتصارعان في بلادنا غير أنه من المهم أن ندرك أن الشر مهما بالغ في جرائمه لن يهزم الخير أبداً ومهما كان الشر مدعوماً فلن يكن قادراً أبداً على هزيمة إرادة وقوة الشعب اليمني الذي يعبر في كل يوم وأمام كل مصيبة تمر به عن مزيد من التلاحم ومزيد من الوعي, فها هي الثورة التي تحتفي بعقدها الخامس بعد عام وبيوبيلها الذهبي بكل اقتدار تتجاوز أعداءها المتربصين خلف كل موقف بطولي وشريف.
يريدون موتاً رخيصاً يتباهون بهم في شاشات التلفزة .. يريدون جثثاً تتلقفها عدسات التصوير وفلاشات الكاميرات.
يريدون شباباً وأطفالاً بعمر الورد كي يقطفوا قبل أوان القطف دون وازع من ضمير أو رادع من حياء.
يريدون إعادة الماضي بكل آلامه وجراحاته التي أوصلت اليمن إلى ما وصل إليه ويصرّون على عدم الاعتذار ويصرون على عدم الجلوس والحوار.
نطالبهم ولو لحظة واحدة ليتأملوا ماذا فعلوا باليمن اليوم؟!!
نحاكمهم ولو لمرة واحدة.. على ما اقترفوه في حق اليمن وأبنائه عبر تاريخ طويل من الوصاية والتعسف والظلم والجبروت حتى أوصلونا إلى هذا الواقع الذي فقدنا معه إحساسنا بالأمان وفقدنا معه القدرة على إعادة ضبط إيقاع الحياة بما يوفر للناس حاجاتهم ويعيد إليهم طمأنينتهم التي كفلها الله لكفار قريش حينما قال: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
إذن فلتكن ذكرى أربعينية الرجل الحكيم والأستاذ المفكر الشهيد/ عبد العزيز عبد الغني محطة استرجاع نشحذ عندها طاقاتنا ونثوب فيها إلى رشدنا ونعمد إلى تصحيح مسارات ثورتنا المجيدة (ثورة ال 26 من سبتمبر وال 14 من أكتوبر) التي تدلف عقدها الخامس بكل زهو واقتدار .. ولا بد لا بد, من إعادة تقييم كل أهدافها بشجاعة لا نفقد فيها قدرتنا على كباح جماع أهوائنا ونوازعنا وما أسرفنا فيه بحق تاريخنا وعظمة أمجادنا وتضحياتنا..
الحاضرون جميعاً
دعوني في هذه المناسبة الحزينة أقول بصدق إن الشعب اليمني والحكومة بكل أجهزتها هم أولياء الدم وهم المطالبون بالاقتصاص لهذا الشهيد الذي اغتالته يد الجريمة والغدر.
لا أتحدث عن الثأر الذي ينطلق من الحقد وإنما من العمل الذي نحمي به وحدة بلادنا وكرامة شعبنا ومسيرتنا السياسية حتى تتحقق أهداف الشعب وأحلام الأمة.
سيدي.. أيها المتربع على عرش القلب, ناصية الذاكرة، المقيم في وجدان الأجيال التي أرشدتها يداك إلى دروب الفوز المضبوطة على بوصلة تفكيرك النقي من شوائب الضغائن والأحقاد وذهنيتك الناضجة بالمحبة والسلام واحترام الحياة ومعنى الانتماء للوطن.. الأرض والإنسان.
تباً للقتلة الذين اعترتهم نشوة النصر يوم توحدت ذرات جسمك بتراب هذا الوطن الذي كنت صورته وكان صورتك, لكنهم لم يحترموا كبرياء الحزن وهيبة الموت وتاريخك الباذخ بالعطاء الجزيل.
العطاء الذي استمددنا منه زاد السفر في دروب البحث عن غد معافى من أدعياء الوصاية على حرية الإنسان وحقه في المساواة والعدل والحرية.
عن وطن لا تسلبه منا غطرسة العسكر.. ومراوغة السياسين واستعلاء القبيلة ووحشية المرابطين بميادين العنف وخنادق القتل.. الكافرين بالعدل والحرية والمدنية والمساواة.
سيدي.. بماذا ننعيك ونبكيك
والكلام دم تحتسيه الضواري.. والسلام سراب.
فبماذا نجيب إذا سألتنا الفصول؟
كيف نروي حكايتنا للسماء وماذا نقول؟
لقد أزف الحرف.. غص الكلام بحلقي.. وعز الخطاب
وكل اللغات اعتراها الذهول.
كل لفظ غدا دون معنى ومات على شفتي السؤال .. السؤال..
إذ غدا أبلغ القول ما قاله صمتك المستحيل..
لماذا إذاً يا صديقي الرحيل؟
أفاض الله على شهيدنا الراحل الأستاذ عبد العزيز عبد الغني.. شآبيب رحمته ورضوانه وجزاه في دار كرامته جزاء البررة الكرام ووهب أسرته وإخوانه وأحباءه الصبر الجميل، ورحم الله شهداء الوطن من شبابه ورجاله، من سقطوا ضحايا لهذا العنف المحموم من المدنيين والعسكريين، وكل من ليس له ذنب سوى أن كل عين ترى صوابية ما تناضل من أجله، ومرد ذلك هو التعبئة الخاطئة، والفهم العقيم، جعلهم الله في عليين، وحشرهم مع الصديقين والأنبياء والشهداء ونسأل الله للجرحى والمصابين شفاءً عاجلاً، إنه على ما يشاء قدير.
المصاب جلل، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا أبا محمد لمحزنون, فاعذروني للإطالة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من جانبه استعرض عضو مجلس النواب - رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام بتعز - جابر عبدالله غالب مناقب فقيد الوطن عبدالعزيز عبدالغني الحميدة ونضاله.. مؤكداً أن الفساد لم يعرف طريقاً إلى قلب الشهيد منذ قيام الثورة حتى استشهاده.
وأشار غالب إلى أنه باستشهاد رجل الاقتصاد والحكمة عبدالعزيز عبدالغني أضافت محافظة تعز إلى تضحياتها جبلاً أشم، قدم لتعز رصيداً كبيراً من الجهود المثمرة في تطوير الوطن والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره.. لافتاً إلى أن جميع أبناء الوطن يحملون للشهيد ورفيق دربه فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية - كل الوفاء.
بدوره أوضح عضو مجلس الشورى علي محمد سعيد أنعم في كلمته عن أصدقاء الشهيد، والتي ألقاها نيابة عنه شوقي أحمد هايل، أن الشهيد عبدالعزيز عبدالغني كان رجل دولة من الطراز الأول ورجل النزاهة والصدق والوفاء بعيداً عن المظاهر المزيفة.. لافتاً إلى أن الشهيد جسد في شخصيته العامة والخاصة قيم التواضع والبساطة والهدوء وحسن الخلق وحب الناس والتفاعل مع همومهم وقضاياهم وأفراحهم وأتراحهم.
فيما أوضحت كلمة المرأة بالمحافظة التي ألقتها تهاني الجنيد، وكلمة المشائخ والأعيان التي ألقاها عبدالناصر سرم إلى أن الشهيد قلما أنجبت الأمهات شبيهاً له، حيث كان ينظر للوطن من منظار الإنسان البسيط دون تعالٍ أو تعجرف.
وأشارا إلى أن الأيادي الآثمة التي غيبت عن الوطن الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني استهدفت بفعلتها الإجرامية القيم الدينية والأخلاقية المشرقة في الحياة، كاشفة عن سلوك مشين لا يمت إلى القيم والعادات والتقاليد اليمنية بصلة، ووضعت نفسها في مربع العنف والتعصب والكراهية.
وأكدا أن دم الشهيد لن يذهب هدراً، وأن يد العدالة لابد أن تطال المجرمين لينالوا جزاءهم.
كما ألقى المهندس مهيب الحكيمي كلمة أسرة الشهيد، ترحم في مستهلها على روح الشهيد المناضل عبدالعزيز عبدالغني.. واصفاً إياه بحزمة القيم والمثل النبيلة.
تخللت الحفل الذي حضره الأمين العام للمجلس المحلي بتعز محمد أحمد الحاج، ووكلاء المحافظة، وعدد من المسئولين، قصيدتان للشاعرين مهدي أمين سامي، والدكتور محمد الريمي نالتا الإعجاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.