تختلف الروايات وتتعدد الأخبار حول ما إذا كان الشاعر المتيم عبدالله عبدالوهاب نعمان الملقب ب(الفضول ) قد تغنى بأشعاره، خصوصا في قصيدة (لمع البروق) تلك القصيدة الغنائية الرائعة التي ذكر فيها وادي الضباب وتغزل به وترنم. هل كان يقصد به (الفضول) وادي الضباب الذي يبعد عن مدينة تعز بضعة كيلومترات أو هو وادي الضباب أو وادي (الأشروح ) نسبة إلى اسم تلك المنطقة في مديرية المواسط بمحاذاة قدس وبني حماد. ترجح الروايات أن وادي الضباب (الأشروح) هو الوادي الذي تغنى به الفضول شعرا وأيوب طارش لحناً وغناءً، بل ويذهب كثير من النقاد والأدباء إلى هذا القول وذلك من خلال تحليلاتهم الأدبية للقصيدة من جهة ومن جهة أخرى أن تلك المنطقة هي الأقرب إلى بلده فكان يزورها ما بين الحين والآخر؛ لأن ذلك الوادي هو مصدر إلهامه ومتنفس روحه.. ففيه تهيم روحه في فضاءات الشعر غزلاً وحباً. هيام الشعراء لم يكن وادي الضباب(الأشروح) طبعاً هو من هيم الفضول وحده، بل هو حقا الوادي الذي يهيم فيه الشعراء وغير الشعراء فيصنع من الإنسان العادي شاعرا، بفضل تلك الطبيعة الخضراء والأشجار الكثيفة بين جنبات السيل الهادر مصحوبة بزقزقات العصافير وخرير المياه. إذا كانت نفسك متعبة من هموم الحياة وضجيج المدن وتلوث الهواء وتريد أن تبدد كل ذلك فما عليك إلا زيارة وادي الأشروح (الضباب) ففيه تهفو الروح وتسبح في فضاءات المتعة محلقة بأجنحتها نحو السمو والسعادة. وافدون يفد إلى الوادي العديد من الأسر أفواجا وجماعات، إضافة إلى عدد من السياح الأجانب الذين بدأوا ينحسرون في عموم اليمن نتيجة للأزمة التي تمر بها بلادنا اليوم، وما يلفت نظرك هو ذاك الجو الحميمي بيت تلك الأسر التي تتسابق لحجز مكان ما تحت شجرة مانجو أو كهف صغير لبسط أمتعتها وتهيئة مكان فسيح لأطفالهم الذين يغدون ويروحون بين بركة ماء وصفاء يتشمسون به ويتدفأون وأمهاتهم يترقبونهم وابتساماتهن لاتكاد تفارقهن فرحا بالأولاد. شجون قادتني الصدف لزيارة هذا الوادي خلال إجازة عيد الفطر المبارك بدعوة من المغترب خالد العزي وهو أحد الأقرباء في زيارة عائلية اصطحبنا فيها كل أطفال القرية غنيهم وفقيرهم علنا نصنع الابتسامة في محياهم..انطلقت بنا السيارتان من القرية نحو وادي الضباب مرورا بوادي البركاني والصافية وتوقفنا في (السمسرة أو الشمسرة كما تحلو للبعض وهي منطقة تنتصف الطريق ما بين النشمة بالمعافر والتربة بالشمايتين وكانت منطقة التزود؛ إذ هو عبارة عن سوق تجاري ولايبعد عن الوادي المقصود سوى دقائق فمنه تحركنا صوب الوادي ومسجل السيارة التي كانت تقلنا تدندن بصوت أيوب: وادي الضباب ماءك غزير سَكَّاب نُصَّك سيول والنُصْ دمع الأحباب نُصَّك دموع من عين كل مشتاق تجري على خده دموع الأشواق مثلي أنا والعاشقين مثلي كم أطلقوا نهر الدموع قبلي قد ذبت من شوقي وحر ناري لا الليل لي ولا النهار نهاري يبكي معي ليلي وضوء فجري ودمعتي تشكي ضياع عمري أمسي أهيم وائن من جراحي ونهدتي تمتد إلى صباحي يا نهر يا وديان يا سوائل قلبي يهيم بعد الحبيب يسائل لو فاتَني شاموت عليه وافوت واسكب على روحي رصاص وباروت إن كنت من حظي ومن نصيبي لا بد ما ألقاك واحبيبي وأعيش لك وأنسى معك شجوني وأصون هواك وأغمض عليك جفوني فما كان إلا أن أشعل فينا الأشواق ونحن نترقب متى الوصول؟ تأمل وصلنا الوادي والسيارتان تقطعان عباب السيل في الوادي وعيوننا تحملق بين الجنبات وتتأمل فتنطق الشفاه بسبحان الله العظيم..استقر بنا المقام وأصوات أطفال القرية يعلو وهم يتقافزون من على سيارة الهيلوكس صوب بركة ماء وشلال صغير، كما لو أنهم كانوا في سجن وأطلق سراحهم حينها قلت لابن العزي كم هي الرحلة جميلة بهؤلاء وكم يسعد الإنسان لسعدهم..تطايروا كالعصافير نحو تلك البركة وكل واحد يحاول أن يرمي الآخر برذاذات الماء ببراءة الطفولة.. وليس هذا المشهد فحسب من يجعلك في استمتاع وسعادة، بل مشاهد أخرى كفيلة بأن تبدد وحشتك، ففي ذاك المكان زوج وزوجة قد هيئا لهما مدكأ ومكاناً ليمضغا القات وعيونهما لاتكادان تفترقان عن بعضهما إلا لمراقبة الأولاد في جو رومانسي يستوحيانه من ذلك المكان. وقبل أن تسدل الشمس ستارها وهي ترسل أشعة الغروب الذهبية نحو الوادي غادرناه وشفاهنا تتمتم: من لم يزر وادي الضباب (الأشروح) فإنه لايعرف العشق.