عندما شاهدها لأول مرة كانت روحه تشعر بأن قصة ما ستربط بينهما في المستقبل وهكذا كان, لقد كانت من أسرة عاشت في عدن ولكن جذور هذه الأسرة تعود إلى أصول هندية, كانت طويلة وبالغة الحسن عيناها لوزيتين وأهدابها طويلة وكانت كحلاء دعجاء مكحولة العينين وكان شعرها يمتد إلى أسفل من ظهرها وكانت أحياناً تجدل عقد الفل الطويل وسط ضفيرتها يحليها الكاذي تجدله مع عقد الفل في ضفيرتها, كانت تميل إلى السمار وكانت حلوة بكل معنى الكلمة. ارتبطا في ظروف لم تكن تسمح لهذا الارتباط بالاستمرار فهو من جهة ينتمي إلى وسط تعزي رتيب وكان طاغية صغير تكمن قوته في ضعفه يمسك بشغاف قلبه فيدعه يذهب إلى حيث يشاء ولكنه يظل ممسكاً بقلب أبيه فالحاصل أن وسطه لم يكن يبعث على الرغبة في المواصلة هذا من جهة, ومن جهة أخرى فقد كان وسطها هو وسط الأسر العدنية ذات الأصول الهندية وسط جميل ونشط ومليء بالحياة بكل ألوانها ولكنه كان بالنسبة إليه مثل حوض السمك يعجبه منظر السمكات الصغيرة التي تتبختر سابحة بكل ماحباها به الله من ألوان فكان يعجبه أن يشاهد من بعيد ولكن لايمكنه العيش بداخل الحوض. مرت الأيام شديدة الحلاوة شديدة المرارة, شديدة النعومة شديدة القسوة وكان الاثنان ينتظران تدخل قوة خارجية لتحديد بقية قصة هذا المسار المعذب, وكان كل واحد منهما يطلب من الآخر أن يتحلى بالشجاعة وأن يتولى قرار رسم النهاية الأليمة وهكذا كان, لقد تسارعت الأحداث ساخنة بالغة الرعونة وكانت جميع الأطراف تساعد على صنع النهاية. صُنعت النهاية ذات ليلة حزينة وولى كل واحد منهما في حال سبيله, شعر بالسكون وملأه الهدوء كمن خرج من وسط إعصار ولكن حياته كلها اكتست بحزن معذب ظل يرافقه قوياً ومؤلماً في السنوات الأولى وبدأت تخف حدته في السنوات التالية ولكنه حتى الآن وبعد مرور حوالي ثمانية عشر عاماً مازال يعاني من نفس الحزن وكأن هذا الحزن أصبح جزءاً منه. ظل يتلفت ويتأمل في وجوه الشابات عله يصادفها ولكن ذلك لم يحدث فقد انتقلت الأسرة إلى صنعاء وكان يحاول معرفة ماصارت إليه أمورها, وسمع بعد مدة أن الأسرة انتقلت إلى عدن. لم يكن يعرف على وجه التحديد منزل الأسرة في عدن ولم يسعفه أحد بأي خبر عنها إلا أنه سمع بعدها بسنوات أنها ربطت مصيرها بمصير أحد أقاربها, ولم يتبق من القصة كلها إلا ذكرى لجمال طاغٍ وفم جميل يفتر عن أسنان شديدة البياض كالثلج وضفيرة طويلة مجدولة بعقد الفل وأوراق الكاذي.