الجانب الجمهوري طالما أن الكثير من الإخوة الذين كتبوا أو أدلوا بشهاداتهم قد تطرقوا إلى الكثير من العوامل وعناصر القوة التي كانت بيد الجانب الجمهوري؛ فإنني لن أتوسع في هذا الأمر كثيراً وسوف أشير إلى بعضها بجمل قصيرة وباقتضاب شديد ومنه أن الجانب الجمهوري كان يخوض حرباً عادلة لأنها كانت تهدف إلى صنع مستقبل أفضل وإلى وضع السلطة السياسية بيد الشعب أو بمشاركته على الأقل؛ ولذلك فإن الشعب كله قد خاض تلك الحرب، وكان هناك ما يشبه الجبهة الوطنية العريضة بين الشعب والجيش وبين القوى السياسية الجمهورية على مختلف مشاربها السياسية والفكرية. وبالإضافة إلى صواب التكتيكات العسكرية التي اتبعت أثناء الحصار فهناك عوامل عديدة أخرى ساعدت على كسب الحرب من ضمنها تمكن الجانب الجمهوري من تحديد الحلقة المركزية في الصراع بشكل مبسط ومفهوم لدى الجميع وتتمثل في الحفاظ على شكل النظام السياسي تحت شعار (الجمهورية أو الموت). الجانب الملكي في بعض عوامل الإخفاق ونواقصه التي أسهمت في الهزيمة: أولاً: لا شك أن واحداً من أسباب هزيمة الجانب الملكي يتمثل في طبيعة القضية التي كان يقاتل من أجلها والتي تلخص عدم عدالة الحرب التي كان يخوضها وتكمن في تخلف ولا تاريخية الأهداف التي كان يتوخى تحقيقها من وراء الحرب. كان الملكيون يرتأون إعادة اليمن إلى الماضي إلى حكم الاستبداد والتخلف وحكم الفرد, وإيقاف نبض الحياة الجديدة وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وقطع كل صلة لليمن بالعصر الذي تعيشه. ثانياً: عدم استقلالية الجانب الملكي في اتخاذ القرار السياسي وتداخل أهدافه مع أهداف الدول التي كانت تدعمه مالياً وعسكرياً ولاسيما السعودية التي كانت تستهدف من وراء دعمها الحرب ضد الثورة حماية نظامها السياسي وبسط نفوذها في اليمن بما في ذلك التوسع في الأراضي وإخراج القوات المصرية وعودة أسرة بيت حميد الدين إلى الحكم في ذلك الوقت والإصرار على عودة الإمامة, كما أن العديد من دول الغرب التي كانت تقف إلى جانب الحرب الملكية السعودية ضد الثورة كانت هي الأخرى تعطي الأولوية لضمان مصالحها في الجزيرة واليمن في الوقت الذي تواجه تيارات سياسية داخلية تشككاً في سلامة العمل من أجل إعادة نظام حكم بيت حميد الدين الذي ينتمي إلى أنظمة العصور الوسطى. ثالثاً: تضاؤل الولاء السياسي والعقائدي للإمامة بين صفوف القبائل التي وقفت ضد الثورة في البداية وانتظمت تحت راية الجيش الملكي, فبعد سبع سنوات من الحرب غدا الحصول على المال والسلاح يحل محل الاعتقاد كدافع للحرب إلى جانب الإمامة. رابعاً: الأخطاء التكتيكية والدعائية التي ارتكبها القادة الملكيون طوال سنوات الحرب وعند التحضير لعملية الحصار؛ فقد وعدوا أنصارهم بإمكانية الفوز بنصر سهل وسريع على الجيش الجمهوري بمجرد خروج الجيش المصري من اليمن وقد أدى ذلك إلى تخلي الجيش الملكي قبل الأوان عن أسلوب حرب العصابات, واعتمد بدلاً عن ذلك على أسلوب حرب المواقع الذي يتجلى في التمركز في مواقع ثابتة والزحف على العاصمة على طريقة الجيوش النظامية, وتم ذلك كما هو معروف بجيش غير منظم يتكون في معظمه من رجال القبائل الذين برعوا في نصب الكمائن والقيام بغارات سريعة ثم العودة إلى مساكنهم؛ ناهيك عن عدم القدرة على الدفاع عن الأراضي المكتسبة بصورة منظمة؛ وعدم إجادة التعاون بين الأسلحة المختلفة؛ فضلاً عن عدم التمرس على القيام بالتراجع المنظم في حالة تعرض مواقعهم للهجوم من الطرف الآخر. خامساً: إن القيادة الملكية لم تفلح في إقامة سلطة سياسية وإدارية منظمة في المناطق التي كانت تسيطر عليها شمال وشرق العاصمة الأمر الذي ترك السلطة الفعلية بيد القبائل ذات النزاعات والأهواء المختلفة, وقد أفضى ذلك إلى انعدام أي سلطة آمرة وإلى تشتت الإمكانيات المادية والعسكرية والاستيلاء على بعضها بالقوة وعدم الاستجابة للتعليمات بالتجنيد والاستفادة من الاحتياطات البشرية المتوافرة, وكل المسائل كان يجري حلها عن طريق التراضي أو تقديم الرشوة. سادساً: اقتصار التواجد والتأييد للجانب الملكي في محافظات البلاد الشمالية والشرقية من البلاد وسيادة الولاء للنظام الجمهوري في بقية المحافظات. سابعاً: تواجد جيوب مهمة مؤيدة للنظام الجمهوري بين صفوف القبائل التي كان الملكيون يسيطرون عليها يتكون من جماعات وواجهات ذات مراكز قوية, وقد لعبت هذه الجماعات دوراً مهماً في نقل المعلومات إلى صنعاء وبث الشائعات المثبطة لمعنويات الملكيين فضلاً عن وضع الكمائن لسيارات الإمداد والتموين مثلما كان الحال عليه في صعدة وبرط وخولان وغيرها, وقد استطاع هؤلاء الاحتماء بالتقاليد والأعراف القبلية واستثمروها إلى أقصى حد في وجه أي محاولة لمعاقبتهم من قبل الملكيين. وثمة أسئلة تتردد فيما ينبغي التدقيق في الإجابة عنها من خلال استقصاء المزيد من المعلومات وتتعلق بعدم تمكن المكيين من مواصلة الحرب بعد فك طريق الحديدةصنعاء وماهية الموانع الرئيسة التي حالت دون قيام الجانب الملكي بإعادة تجميع صفوفه والقيام بهجوم مضاد أو العودة إلى خوض الحرب بنفس طويل واتباع اسلوب حرب العصابات المجرب لديهم عدة سنوات, وهل صحيح ما يقال من أن القبائل رفضوا الفوز بالنصر على النظام الجمهوري ودخول العاصمة بعد ان كانوا على مشارفها?!. وأرى أن هناك جملة من الأسباب التي نستطيع رؤيتها في الوقت الراهن, فبالإضافة إلى العوامل التي سبق الاشارة إليها هناك الصدمة النفسية غير المتوقعة التي أحدثتها عملية فتح الطريق بين صنعاءوالحديدة والسيطرة على مرتفعات عيبان وما جاورها وزيادة فعالية سلاح الطيران اليمني الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الخسائر بين صفوف قواتهم ونشوب الخلاف بين أفراد أسرة بيت حميد الدين وتراجع درجة الثقة لدى الطرف السعودي بمعلومات وتقارير القادة الملكيين والمزاعم المتكررة من قبلهم بإمكانية حسم المعركة في مدة زمنية قصيرة, فضلاً عن تعاظم الإحساس بالإحراج السياسي أمام العالم بسبب تحلل السعوديين من وعودهم بإيقاف التدخل في شئون اليمن بعد انسحاب الجيش المصري؛ بيد أن السعوديين أخذوا ينزعون ثقتهم من قيادة البدر ومنحها محمداً بن الحسين, كما فطنوا إلى تهافت القبائل للحصول على الذهب السعودي مقابل وعود لهم تحقق بكاملها بالقيام بعمليات عسكرية كبيرة؛ الأمر الذي حدا بهم إلى فرض رقابة أشد على إمدادات السلاح والمال التي كانت تصرف من قبل دون حساب, وقد أدى ذلك إلى نتائج معاكسة وشاع الخلاف بين الأطراف المختلفة في الجانب الملكي وتنامى الشعور لدى هذه الأطراف وإن بدرجات مختلفة بأن السعودية إنما تخوض الحرب في اليمن من أجل مصالحها الذاتية في الحصول على المزيد من الأرض والنفوذ في اليمن, وأفضى ذلك بطبيعة الحال إلى تدهور المعنويات واختفاء الانضباط السياسي والعسكري في الوقت الذي استغل الجمهوريون حالة البلبلة والتداعي بين صفوف الجانب الآخر ووسعوا نطاق سيطرتهم على شمال العاصمة وشرقها بواسطة الاتصال ببعض القبائل وتحييدها أو بواسطة بعض الهجمات العسكرية المحدودة, وكان من الطبيعي أن تسقط بعض المناطق دون أية حرب وأن يفكر القادة السياسيون والعسكريون الملكيون كل بتأمين مستقبله الشخصي. وهكذا أخذ كل وجهته التي ارتضاها إما إلى الرياض أو صنعاء, ولم تكن معركة صعدة الأخيرة سوى محاولة سعودية محضة للفت انتباه الجانب الجمهوري إلى ضرورة التفاوض السياسي بين صنعاءوالرياض لإنهاء الحرب رسمياً حفاظاً على ماء الوجه من جانب وانتزاع أي مكاسب ممكنة من جانب آخر, وقد أفلحت بالحصول على ميزات لا تبررها موازين القوى في الميدان لأسباب مختلفة. نتوقف هنا عن الاستطراد تجنباً للإطالة, وشكراً.