إن الواقع الذي تعيشه جامعاتنا اليمنية خاصة والوطن العربي عامة لم يعد بحاجة إلى جهد كبير لتشخيصه وتحديد إشكالاته، فهي نتاج طبيعي ومنطقي للأسلوب الإداري الذي كانت ولا تزال تدار به هذه المؤسسات، الأمر الذي انعكس سلبا عل مجمل العمل الإداري والأكاديمي. فغياب الرؤية الاستراتيجية لهذه المؤسسات جعل من القيادات الإدارية أن تسلك في نشاطها مسلكا نخبويا لا تعطي فيه أهمية للعاملين معها في المؤسسة، أضف إلى ذلك فإن معظم القيادات الجامعية كرؤساء الجامعات وعمداء الكليات وصولا إلى رؤساء الأقسام يتم تعيينهم بناء على معايير غير موضوعية مما أدى إلى بروز صراعات وتحزبات وفق مجموعات وشلل كل منها يتهم الآخر ويعطل الأداء العام والذي أثر بشكل سلبي على العملية التعليمية والأكاديمية في هذه المؤسسات. إن توافر القيادات الاستراتيجية أمر في غاية الأهمية لتطبيق التخطيط الاستراتيجي فوجود تلك القيادات التربوية النخبوية المثقفة والمؤهلة تأهيلا عاليا يعني سهولة إحداث أي تغيير ملموس على أرض الواقع, كما أن وجود مثل هذه القيادات في مؤسساتنا الجامعية بالتأكيد سيكون له نتائجه الايجابية في صناعة التغيير المنشود. إن توافر قيادات استراتيجية تدعم وترعى وتشارك في عملية التخطيط الاستراتيجي سيكون حجر الزاوية والأساس لتطبيق التخطيط الاستراتيجي حيث لن يقتصر دور هذه القيادات على دور المتفرج فهي مطالبة بتحمل مسئوليتها إزاء نجاح عملية التغيير الذي تنشده الجامعات. لكن بالمقابل وعلى المستوى المحلي هناك الكثير يتساءلون عن دور القيادات الاستراتيجية والتربوية في تطوير وإصلاح التعليم الجامعي في اليمن باعتبارها النخبة المفكرة والمثقفة والصفوة المنتقاة التي توفرت لها فرص التعليم والتحصيل وبُذل في تأهيلها وإعدادها الجهد والمال عما تقدمه لليمن بوجه عام وللجامعات والمؤسسات التعليمية والتربوية بوجه خاص وتساؤلات كهذه تعد مشروعة في ظل تحديات العولمة وتعقيداتها وضغوطها التي تحاول من خلالها إعادة تشكيل المجتمعات وإعادة هندسة المؤسسات, والذي يزيد من خطورة هذه التساؤلات هو هذا العجز والقصور الذي تعانيه المؤسسات التربوية والجامعية التي يعملون فيها ويقضون فيها سنوات شبابهم ونضجهم ويكسبون من خلالها موارد عيشهم فأدائها لم يعد يقنع السياسيين والمسئولين ولم يرض العاملين والدارسين ولا المواطنين ولم تستجب لاحتياجات وتوقعات الجهات المستفيدة من مخرجاتها.. إن جامعاتنا اليمنية اليوم بأمس الحاجة إلى قيادات استراتيجية وطنية تؤمن بالتغيير والتطوير والتحديث والبناء وإننا وفي هذه المساحة نشد على أيدي قياداتنا الاستراتيجية والتربوية ورجال الفكر والمعرفة وكل الخيرين في وطننا الحبيب سواء كانوا في قيادة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو في الجامعات أو في أي مؤسسة تعليمية كانت وندعوهم إلى تحمل مسئولياتهم إزاء الوضع القائم , بل نطالبهم أكثر من أي وقت مضى أن يساهموا في صناعة مستقبل مؤسساتنا التعليمية ورسم خارطة طريق لهذا المستقبل وأن يعملوا بشكل بصورة فاعلة على وضع الخطط والاستراتيجيات لهذه المؤسسات والعمل على تنفيذها باعتبارهم سبب لتطبيق التخطيط الاستراتيجي وليس العكس فوضع جامعاتنا اليمنية لا يحتمل المزيد... وأن لا يقتصر دورهم داخل هذه المؤسسات بل يسهموا في إنشاء مراكز دراسات خارج هذه المؤسسات لخدمة المجتمع, والعمل على تشخيص الواقع وتحليله ومن ثم المشاركة في تطويره, وعلى الجهات المختصة وصناع القرار أن تعتمد معايير موضوعية لاختيار الأشخاص القياديين لإدارة هذه المؤسسات واحترام مبدأ الكفاءة والعطاء العلمي, والاستعانة بخبراء من خارج البلد إذا اقتضت الضرورة ذلك, كما لا ننسى أيضا أنه لا يمكن إحداث أي تغيير ملموس ما لم يكن هناك دعم أو توجه من قبل قيادة التعليم العالي والبحث العلمي وقيادة الجامعات بمن فيهم الرؤساء والعمداء ورؤساء الأقسام وبالتالي فالقادة الاستراتيجيون متطلب في غاية الأهمية لتطبيق التخطيط الاستراتيجي وهم الذين يدركون ذلك ويشركون الجميع في عملية التغيير. * باحث في التخطيط الاستراتيجي