سأل شاب رجل أعمال عن سر نجاحه فقال له: الصبر هو سر نجاحي، ان إي شيء في الدنيا يمكن عمله، إذا تذرع الإنسان بالصبر فقال الشاب: ولكن هناك أمور لا يمكن عملها، مهما كان الإنسان صبورا! فقال رجل الأعمال: وماهي؟؟ قال الشاب: مثلا نقل الماء في المنخل! فرد عليه رجل الأعمال في الحال: حتى هذا يمكن عمله بالصبر إذا انتظر الإنسان الماء حتى يجمد ويكون ثلجاً. ومن هذا الموقف نتعلم أن الصبر سفينة النجاح التي يجب أن يقودها ربان ماهر حتى ترسو على شاطئ التميز، والصبر على طريق النجاح يختلف بلا شك عن الصبر على البلاء وأن كلاهما يحتاج الى إتقان، فإتقان الصبر على البلاء ان يكون بلا جزع ولا شكوى وهو اسماه القران الكريم الصبر الجميل، أما الصبر على طريق النجاح فإتقانه يعني أن يواكب الصبر العمل الحثيث والإصرار على تحقيق الأهداف المنشودة مهما كانت العقبات والتحديات، وهذا ما عناه ديل كارنيجي بقوله: (الإنسان الذي يمكنه إتقان الصبر يمكنه إتقان شيء آخر) ويقول بنيامين فرانلكين: (ما العبقرية إلا مقدرة طبيعية على الصبر). فالصبر مفتاح لكل خير وهو خير ما يهبه الله لعبده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر) الجامع الصحيح، وقد ورد ذكر الصبر أكثر من تسعين مرة في القران الكريم وذكرت كلمة الصبر 102 مرة قال الله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر:10)، وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر وبشره وبشر الصابرين بالجزاء الحسن، فقال تعالى: (فاصبر ان العاقبة للمتقين) (هود:49) وكان سر تفوق وتميز قادة وعظماء الإسلام الصبر وتحمل المشاق حتى بلوغ الغاية وكان لعلماء المسلمين صبر عجيب على طلب العلم وتعليمه، ولذلك نجحوا في انجاز أعمال عظيمة فهذا الإمام البخاري ظل ستة عشر عاما يجوب البلدان ليجمع الأحاديث النبوية الصحيحة في كتابه المعروف (صحيح البخاري). ويروي النووي في كتابه بستان العارفين عن أحد العلماء: (ولم أر ولم أسمع أحدا أكثر اجتهادا منه في الاشتغال وكان دائم الاشتغال في الليل والنهار) وقال: (جاورته بيتي فوق بيته أثنى عشر عاما، فلم استيقظ في ليلة من الليالي في ساعة من ساعات الليل إلا وجدت ضوء السراج في بيته وهو مشتغل بالعلم، وحتى كان في حال الأكل الكتب عنده يشتغل فيها). ويقول ابن الجوزي رحمة الله: (وإني أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتاباً لم أره فكأني وقعت على كنز فلو قلت إني قد طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد فيها ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعاداتهم وغرائب علوم لا يعرفها من لم يطالع). ويقول الإمام ابن قيم الجوزية عن طلب العلم حتى في حال المرض: (وأعرف من أصابه مرض من صداع وحمى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجد عليه الطبيب يوما وهو كذلك فقال: ان هذا لا يحل لك فانك تعين على نفسك وتكون سببا لفوات مطلوبه). والمطالع لسير العظماء من الشرق والغرب يجد الصبر رفيق نجاحهم، ودليل تميزهم فهذا توماس أديسون قبل ان ينجح في اختراع المصباح الكهربائي فشل 99 مرة، وعندما حاول من حوله أن يثبطوا من همته ولقبوه بأنه فاشل كبير كان دائما يقول: (انا لم أفشل في شيء وإنما اكتشفت 999 طريقة لا تصلح لعمل مصباح الكهربائي). ويقول اسحاق نيوتن: (اذا كنت بالفعل قد توصلت الى اكتشافات ذات قيمة فان مرجع ذلك الملاحظة الصبورة أكثر من اي موهبة أخرى)، ويقول ألبرت أينشتاين: (إنني أفكر وأفكر لأشهر وسنوات وأصل إلى استنتاجات خاطئة في 99 مرة، ولكنني أصل إلى الصواب في المرة المائة، فلا علاقة للأمر بالذكاء بل بالقدرة على المثابرة مع ما أواجهه من إشكاليات). بقايا حبر: يقول الجيولوجي هيوميلر عن سر نجاحه: (أنني أنسب نجاحي في البحث والتنقيب إلى الصبر، والأمر الذي لا يستطيع أحد أن يجاريني أو يوافقني فيه ولاشك عندي أن الصبر إذا استعمل حق الاستعمال نتجت عنه نتائج خارقة للعادة، لا يقدر على بلوغها الا من كانت له موهبة خاصة). باحث في علم الإدارة الحديثة والعلاقات العامة. [email protected]