من خلف نبرتها الحزينة كان يتجلّى صوت ابنها الشهيد, تدرك ذلك من خلال صوتها الممزوج بالألم والحزن, حين تتذكره تتوقف عن الكلام برهة لتداري وجعها “مش قادرة أكمل معك”.. قالتها ودموعها تختنق بصوتها، أم عبدالله واحدة من الذين أحرقت رصاصات النظام السابق قلبها لتتركها رفيقة لذكريات ابنها البكر عبدالله. في اليوم الذي تنتظر فيها الأمهات أبناءهن ليطوقوهن بالهدايا احتفاءً بهن في عيد الأم, تقف أم الشهيد عبدالله العلفي حابسةً دموعها لغياب ولدها الذي كان يشارك اخوته في إعداد “التورتة” وتقديم الهدايا في مثل هذه اليوم.. تقول أم عبدالله: “مثل هذه السنة هم كانوا يعملون فرحة لعيد الأم؛ وهذا الشيء كان يفرحني, ولدي انحرمت منه، لكن اللهم احرم من حرمني منه».. عبدالله ابن الثامن عشر ربيعاً وسبعة أشهر, في 19/9/2011م اخترقت خمس رصاصات جسده، ثلاث في الرأس وواحدة في الرقبة وأخرى في الصدر.. كان عبدالله يحلم بيمن جديد، يمن العز والعدل والمساواة - على حد قول أمه. تضيف: “كنت أتوقع أن ابني في يوم من الأيام هو اللي يترحّم عليّ؛ لكن أني رجعت أترحّم عليه”.. صمتت لبرهة قبل أن تتنهد نهدتها التي أحسست أنني احترقت فيها, أدركت حينها أنني فتحت جرحاً نازفاً لا يتوقف حينما قالت: “ما عليش يمكن تعذرني من السؤال ذه ..!؟”. تحدثت أم عبدالله عن ذكريات ولدها في هذا اليوم لتقول: “ذكريات حلوة وحزينة, تذكّرني بكل شيء, تذكّرني بمواقفه معي بحسه في البيت” تصمت والدموع تسرق صوتها قبل أن تخرج من الموضوع لآخر لتتلافى حالتها قائلةً: “الصوت مش واضح, أخبرتها أنني في إحدى الندوات وبأن صوتها مسجل في الهاتف, كنت حينها أجري الحوار تلفونياً معها لتعذُّر الحصول على إحدى أمهات الشهداء في الساحة, فاضطررت إلى أخذ رقمها من المركز الإعلامي لأتواصل معها. بكلمات لا تتجاوز أصابع اليد كانت تجيب عن أسئلتي, لكنك تدرك أن ما بين كل كلمة تقولها يتمدد وطن رصيفه دم ابنها الشهيد، والشهداء أقرانه. تجرأت لأسألها سؤالاً أخيراً على الرغم من إدراكي أنه سيُحدث وخزاً في قلبها: ماذا يعني لك عيد الأم دون عبدالله؟!.. أجهشت بالبكاء حينها لتقول: “ولا شيء..ولا شيء, لا طعم للفرحة بعد عبدالله.. ولا أشوف أي فرحة إلا بعد أن أشوف السلاسل في يد علي عبدالله صالح, إن شاء الله هو وأعوانه، لما أنتقم لأولادنا منهم...”. في تقرير وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور الذي قدّمته إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الذي عقد في نيويورك خلال الفترة من 14-15 مارس الجاري, كشف التقرير أن أكثر من 2000 شهيد سقطوا خلال الثورة الشعبية السلمية بينهم 143 طفلاً و20 امرأة؛ ما يعني أن أكثر من 2000 أم في اليمن محرومة من الهدايا التي كانت ستقدّم لهن في هذا اليوم من أبنائهن احتفاءً بهن في عيد الأم, ويعني أيضاً أن أكثر من 2000 أم تعيش نفس الحالة التي تعيشها أم عبدالله من الحزن والألم على فراق أبنائهن, وما يعني أيضاً أن نظام علي صالح قد سرق الفرحة من أكثر من 2000 أسرة يمنية في دفاعه المستميت عن الحكم!.