للوهلة الأولى ستصاب بالعجب والدهشة، حين ترى الازدحام الذي يعجُّ بهِ معرض تعز الدولي للكتاب وتقنية المعلومات، خصوصاً في فترة العصر “وهي فترة المقيل عند اليمنيين”، ومكمن الدهشة أنَّك ستشاهد حركة كثيفة للرواد في المعرض رُغم أن الناس لا زالت تُعاني من آثار الأزمة الطاحِنة التي مرَّت بهم بموازاة الثورة الشبابية الشعبية، حيثُ لا يخطُر على بال المُشاهد أن يكون بمقدرة هؤلاء الاهتمام بالمعرفة في الوقت الذي يعانون فيه من عجز في ايجاد قوتَ يومِهم، لكن وكما تقول الشيخة موزة المُسند فإن “جوع العقل أخطر من جوع المِعدة”! وتشكل النساء النسبة الأكبر من عدد زوار المعرض، حيثُ يتجولن بين المكتبات ودور النشر المُشاركة بحثاً عن ضالتهن، فيما يغلب على المعروضات حضور الكُتب التراثية والدينية والكُتب الرخيصة، مثل كتيبات التنمية البشرية، والمُختارات الشعرية، وكتيبات من قبيل أجمل رسائل الموبايل ومائة قصة وقصة! فيما هَمَس أحدُهم في أذني أن أكثر الكُتيبات مبيعاً في المعرض هو كتيب “أسرار غرف النوم”..! غير أن حضور دور النشر المُعتبرة، والتي تهتم بأشكال المعرفة المُختلفة، كالفلسفة والأدب وعلم النفس والسياسة والتاريخ والاجتماع وسائر أنواع المعرفة النوعية بدا ضئيلاً جدَّاً، ويمكن تلخيصه في حضور مكتبة أبي ذر الغفاري، وهيَ إحدى أشهر المكاتب المعروفة في اليمن، والتي تحتل مكاناً واسعاً في مدخل المَعرض، وحول حركة الإقبال على جناح مكتبة ابي ذر تحدث الأخ مختار القدسي وهو مسئول جناح المكتبة في المعرض قائلاً: “كان الإقبال جيداً، لكن القدرة الشرائية ضعيفة لدى المواطنين، وكذلك فإن المعروضات لم تكن بالمستوى المطلوب وخاصة أن يغلب عليها الكتب التراثية والكتب الإسلامية اكثر من الكتب الحديثة والتي تعنى بالفكر والفلسفة فهي قليلة وممكن أن تكون مكتبة أبي ذر هي الوحيدة المعنية بهذا النوع من الكتب الفكرية والفلسفية. ولدى سؤالنا له عن الإقبال على الجناح الخاص به قال: بالنسبةِ لنا فقد كان الإقبال متوسطاً، لكن نحن لدينا نخبة من المثقفين والقراء الذين نتعامل معهم منذ فترة طويلة، وهُم رأس مال للمكتبة ولحركة التحديث والتجديد في اليمن ككل. وبالنظر الى الكُتب التي تحتويها أجنحة المعرض وجدنا أن مكتبة أبي ذر بدرجة أولى، وربما دار الكلمة – الى حدٍّ ما – هما المكتبتان الوحيدتان اللتان تحتويان على كتب متنوعة وفي مجالات معرفية مختلفة، وقد قمنا بزيارات للأجنحة الأخرى، وحاولنا التحدث الى المشرفين عليها، الا أنهم كانوا مشغولين جداً لدرجة أنهم لم يكلفوا أنفسهم الاعتذار عن الحديث لنا. أما زوار المعرض وأغلبهم من السيدات فقد تحدثت الينا احدى الأخوات رافضةً أن نقوم بتصويرها أو أن نذكر اسمها بالقول: “زرت معرض تعز للكتاب لهذه السنة وذلك للبحث عن الكتب التي تفيدني، واشتريت عدداً من الكُتب الدينية التي أتعرف من خلالها الى تعاليم ديني.. ولدى سؤالنا لها عن الكُتب الأخرى قالت: طبعاً الكُتب الأخرى مُهمة، لكن الكُتب الإسلامية بالنسبة لي أكثر أهمية، كما أنها رخيصة كثيراً مقارنةً بالكُتب الأخرى.. وخلال تجوالنا في المعرض وجدنا أحد الكهول القرويين وهو يشتري مجموعة مجلدات للإمام الشعراوي، وحين اقتربنا منه فوجئنا بسعر الكُتب، حيثُ كان سعر المجلد الواحد ما بين 300 – 600 ريال فقط لا غير، بينما يبلغ ثمن كتاب “العقد الاجتماعي” لجان جاك روسو – وهو كتاب من الحجم الصغير – ثلاثة آلاف ريال، أي أنّ كتيباً لجان جاك روسو يبلغ ثمنه عشرة أضعاف مُجلَّد للإمام الشعراوي! وبالرجوع الى مسئول مكتبة أبي ذر الأخ مختار القدسي وسؤاله عن سبب غلاء أسعار كتبه أفاد بأن أسعار الكتب في مكتبة أبي ذر هي نفس أسعار الكتب الموجودة في دور النشر الأصلية نفسها.. وأضاف قائلاً: بإمكانك الدخول على شبكة الإنترنت ومشاهدة أسعار الكُتب في دور النشر المختلفة، ستجد أنها نفس أسعار الكتب لدينا، ونحن لا نبالغ في الأسعار، بل نعتمد أسعار المَصدر كما هيَ، كما أنَّ همنا الأساس هو نشر المعرفة وهذا يتضح جلياً من خلال العناوين التي نقدمها ونختارها رُغم أننا نعرف أن العناوين التُراثية الأكثر إقبالاً، لكنّها تنتج معرفة أحادية وليست نوعية..! وتقام على هامش المَعرض في قاعة صغيرة ندوات يومية في فترة العصر لعدد من الشعراء الشباب والكُتاب والمُحاضرين، يلقون فيها بعضاً من نتاجهم الأدبي والفكري والثقافي بموازاة حركة المعرض، كما تقام مسابقات تشجيعية للأطفال الزائرين يتمّ اعطاؤهم فيها بعض الجوائز الرمزية لتشجيعهم على القراءة والمعرفة. وقد تقرر تأجيل المعرض حتى يوم الخميس 17/5/2012م، وذلك لإعطاء فُرصة أكبر للزوار، حيثُ أن المعرض الذي تقرر افتتاحه في الخامس والعشرين من الشهر الماضي تعرض للتأجيل بسبب اضراب عُمال الميناء، وهو ما تسبب بإرباك لدور النشر العربية، أما العناوين المتوفرة في المعرض فقد تحدث الينا بعض المشرفين أنهم لم يستطيعوا توفير قدر كبير من العناوين المطلوبة نظراً للأزمة الطاحنة القائمة في سورية والتي صعَّبت عليهم الحصول على العناوين المطلوبة، فلجأوا الى دور النشر اللبنانية.. وتوجد في المعرض روايات ومعروضات أدبية لكُتاب يمنيين كنبيلة الزبير وعلي المُقري ومحمد الغربي عُمران، لكنَّها – وكما وضحنا سلفاً – تتواجد فقط في مكتبة واحدة، في الوقت الذي اهتمت فيه بقية المكتبات بتوفير الكُتب التراثية والدينية المُعتادة، والتي يتم تداولها منذُ قرون طويلة، مع قناعة لدى الأكثرية على ما يبدو بأن الطريق الى الجنة أسهل وأرخص من الطريق إلى المعرفة..!