في تصعيد جديد: مليشيا الحوثي تختطف مدير موريمن بعد مداهمة منزله    مانشستر يونايتد يسعى لتعزيز هجومه بضم المغربي يوسف النصيري    بينهم طفل وامرأتان.. استشهاد 6 فلسطينيين بقصف إسرائيلي لبناية في غزة    غارات دموية تستهدف نازحين عقب يوم من مجزرة النصيرات التي أسفرت عن 998 شهيدا وجريحا    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات شهر مايو للقطاعين المدني والعسكري والمتقاعدين    ارتفاع في تسعيرة مادة الغاز المنزلي بشكل مفاجئ في عدن    أغلى بقرة في العالم.. قيمتها 4 ملايين دولار وحصلت على جائزة "ملكة جمال" والمفاجأة في السبب!    "صراع داخلي في جماعة الحوثي.. قيادي حوثي يشن هجوما على رئيس وكالة سبأ الحوثية"    "سيدفع ثمن تطاوله على مكة المكرمة والحج"...الوية العمالقة تتوعد الحوثيين    إيران تمول والحوثي ينفذ: اختفاء 43 طفلاً من مراكز صيفية في ذمار    مختار علي يعزز صفوف المنتخب السعودي امام الاردن    وديًّا: فوز متواضع لإيطاليا على البوسنة    رجل يقتل زوجته بالرصاص ويدفنها في المطبخ.. والكشف عن دافع الجريمة    في ورشة لاستعراض ومناقشة التقرير الرسمي التاسع للجمهورية اليمنية    فيما وزير الخارجية يهنئ نظيره البرتغالي باليوم الوطني..الخارجية تدين استمرار التصعيد العسكري الصهيوني في ارتكاب مجازر يومية في غزة    خلال تدشين الخدمة المدنية للمجموعة الثانية من أدلة الخدمات ل 15 وحدة خدمة عامة    جرة قلم: قمة الأخلاق 18    الضرائب تعلن عن امتيازات ضريبية للمنسوجات المحلية    العاصمة صنعاء تشهد الحفل الختامي وعرضاً كشفياً لطلاب الدورات الصيفية    أكدوا ثبات الموقف الداعم والمساند لفلسطين.. تحذير أدوات العدو ان من التمادي في خطواتهم ضد شعبنا واقتصادنا    جسدت حرص واهتمام القيادة الثورية في تخفيف معاناة المواطنين.. فتح الطرقات.. مبادرات انسانية وموقف شعبي مؤيد    تدشين مخيم مجاني للعيون بمديرية العدين في إب    عدوان أمريكي بريطاني جديد على الحديدة    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    لهذه الأسباب سنقف مع الانتقالي وسندافع عنه!!    صنعاء بعيدة.. التصعيد الاقتصادي الأخير يؤطر للانفصال    رئيس الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، الدكتور عبدالله العلفي ل"26 سبتمبر": ترتيب الأدوار مع الجهات ذات العلاقة بالقطاع الزراعي يؤسس لمسار أداء تكاملي    شاهد أول فيديو لعبور المسافرين طريق مارب - البيضاء - صنعاء بعد إعلان العرادة فتحها رسميا وفرحة عارمة    غارات دموية تستهدف نازحين عقب يوم من مجزرة النصيرات التي أسفرت عن 998 شهيدا وجريحا    افتتاح معمل وطاولة التشريح التعليمية ثلاثية الأبعاد في الجامعة اليمنية    رئيس الوزراء يزور البنك المركزي ويؤكد الدعم الكامل لقراراته الرامية لحماية النظام المصرفي    الوزاري الخليجي يجدد دعمه للمجلس الرئاسي ويدعو لاتخاذ موقف حازم تجاه المليشيا    الرواية الحوثية بشأن حادث انهيار مبنى في جامع قبة المهدي بصنعاء و(أسماء الضحايا)    تفاصيل جديدة بشأن انهيار مبنى تابعًا لمسجد ''قبة المهدي'' ومقتل مواطنين    "هوشليه" افتحوا الطرقات!!!    ''استوصوا بعترتي'' و استوصوا بالمعزى!!    يورو 2024.. هذه قيمة الأموال التي سيجنيها اللاعبون والمنتخبات المشاركة    الرئيس الإقليمي للأولمبياد الخاص الدولي يدعو برامج المنطقة لزيادة عدد الألعاب والمسابقات والاهتمام بصحة اللاعبين    أسعار الذهب في صنعاء وعدن صباح اليوم    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    منتخب الدنمارك يقهر نظيره النرويجي بقيادة هالاند    منظمة الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    في الذكرى الثالثة لوفاته.. عن العلامة القاضي العمراني وجهوده والوفاء لمنهجه    أحب الأيام الى الله    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    روسيا تعلن بدء مبيعات مضاد حيوي جديد يعالج العديد من الالتهابات    ما علاقة ارتفاع الحرارة ليلا بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    النفحات والسنن في يوم عرفة: دلالات وأفضل الأعمال    من 30 الى 50 بالمية...قيادي بالانتقالي الجنوبي يتوقع تحسنًا في سعر الصرف خلال الفترة القادمة    نادي ظفار العماني يهبط رسميا للدرجة الأدنى    ما حد يبادل ابنه بجنّي    بعد أشهر قليلة من زواجهما ...جريمة بشعة مقتل شابة على يد زوجها في تعز (صورة)    الحسناء المصرية بشرى تتغزل باليمن و بالشاي العدني    أطباء بلا حدود: 63 ألف حالة إصابة بالكوليرا والاسهالات المائية في اليمن منذ مطلع العام الجاري    الحوثيون يمنحون أول باحثة من الجنسية الروسية درجة الماجستير من جامعة صنعاء    تعرف على شروط الأضحية ومشروعيتها في الشريعة الإسلامية    الحوثيون يعتقلون عشرات الموظفين الأمميين والإغاثيين في اليمن مميز    خبراء صحة: لا تتناول هذه الأطعمة مع بعض الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أولويات .. وضوابط الحوار الوطني

لم تكن الأزمة التي عاش اليمنيون تفاصيل مأساتها خلال الأعوام الماضية، ولا يزالون، إلا نتيجة طبيعية لرفض منطق الحوار، وتغليب لغة القوة على لغة العقل، ومجانبة الصواب في التعامل مع مفردات الحياة السياسية والعامة، والاعتقاد الخاطئ بأن الحقيقة مكمنها القوة والظلم، والسيطرة مآلها الاستملاك والسيادة، وأن الوطن وفقا لهذه الجدلية (البائسة) يمكن أن يكون شأنا خاصاً، يتصرف فيه طرف دون الآخرين، وفق إرادات وأهواء، ليست من المنطق ولا من العصر في شيء، وهي بالتالي إرادات وأهواء لا تمت للمصلحة الوطنية العامة بصلة. ولذلك فقد عاش اليمنيون خلال الفترة الماضية تفاصيل مأساة حقيقية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لا يمكن القبول باستمراره، لما يمكن أن يترتب عليه من مخاطر إنسانية وأمنية على المستويين الداخلي والخارجي.
مخاوف رفض أو فشل الحوار ولعل من أبرز ما يخشى منه، إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وأخذت في التفاقم والاستياء، وعزفت القوى الوطنية عن التفاهم والحوار، واختارت طريق التمرس والمناكفات، هو أن تتحول اليمن إلى “دولة فاشلة”، التي تعني بحسب المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي “الدولة غير القادرة أو غير الراغبة في حماية مواطنيها من العنف، والتي تعتبر نفسها فوق القانون” (11).
ومفهوم الدولة الفاشلة بما ينطوي عليه من نتائج كارثية، يمكن أن ينطبق على اليمن ويقود على المستوى الداخلي إلى:
انهيار شامل لمقومات الحياة السياسية والاقتصادية والعامة، وقد أشار تقرير دولي صدر في العام 2008 إلى أن “اليمن يواجه أزمتين خطيرتين سياسية واقتصادية في آن واحد، بينما تشرف ثروة البلاد النفطية على النضوب”.( 22 ).
فقدان الدولة لسيطرتها على الوضع العام، وعدم قدرتها على حماية السيادة الوطنية.
انتشار الفوضى وسيطرة الجماعات والعصابات الإرهابية المسلحة، وارتفاع معدلات الجريمة، وإمكانية سيطرة المتطرفين، وتهديدهم للأمن والاستقرار بداخل اليمن وخارجه.
تنامي الأطماع الخارجية للسيطرة، ومحاولة احتواء القوى المتصارعة وتغذية وتمويل نزاعاتها، واستغلالها بما يخدم أجنداتها السياسية والاقتصادية والثقافية.
تهديد وحدة واستقلال البلاد، بإثارة النزعات القبلية والطائفية والمناطقية، والعرقية، ودعوات أخرى من مثل فك الارتباط، والانفصال، وهي مفاهيم جميعها تنذر بمخاطر التشظي والانقسام، وظهور نماذج من ملوك “الطوائف” أو الأقاليم على شكل إمارات وسلطنات ومشيخات صغيرة متقاتلة ومتناحرة.
حدوث كارثة إنسانية ستتمثل بالهجرة والنزوح الجماعي، والبحث عن مناطق لجوء خارج نطاق الوطن بفعل تنامي واستعار الحروب والمجاعة، وغياب خدمات البنى التحية، وانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة.
إلى جانب أن الدولة الفاشلة، التي تفقد سيطرتها على مقاليد الأمور في الداخل، هي بالتالي تفقد القدرة على التعامل مع المجتمع الدولي، لأن انهيارها سيقود حتما إلى وقف التعامل الخارجي معها.
ثم إن تهديد تحول اليمن إلى دولة فاشلة، بسبب فقدان الدولة للسيطرة على الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، يهدد - كما سبق - الأمن الإقليمي والدولي، بحكم موقع اليمن الجغرافي المميز؛ كونه يشرف على مضيق “باب المندب” كأحد أهم ممرات التجارة العالمية في البحر الأحمر، إلى جانب أهمية “خليج عدن” في البحر العربي، وهو ما يجعل دول العالم الكبرى تتابع بقوة وبتدخل مباشر- في معظم الحالات - لمجريات الأحداث في اليمن، حماية لمصالحها في المنطقة، وخوفا من تهديد أمنها نتيجة خطر نمو وانتشار الجماعات “الإسلامية” المتطرفة، لكونهم يعتبرون أن اليمن يمكن أن يصبح في ظل الفوضى والانفلات الأمني بيئة مناسبة وحاضنة للجماعات الإرهابية المتطرفة.
ولأن الأوضاع الأمنية في اليمن، قد بدأت بالتدهور منذ وقت مبكر، فقد نبهت تقارير دولية إلى خطورته، على مستقبل أمن اليمن والمنطقة، ومنها تقرير دولي صدر في العام 2008م حيث قال:” إن تدهور الأوضاع الأمنية في اليمن، وتواصل المواجهات المسلحة بين الحكومة من جهة والمسلحين الإسلاميين ورجال القبائل من جهة أخرى، قد يؤدي إلى تحول اليمن إلى دولة فاشلة، الأمر الذي من شأنه أن يهدد أمن واستقرار المنطقة ، وسيشجع على نمو ظاهرة القرصنة والتهريب، وتوسع نشاط الحركات الإسلامية المسلحة، وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي، وخطوط الملاحة العالمية وحركة تصدير النفط عبر قناة السويس” (33) .
طريق الحوار:
من هنا، نعود ونقول بأن طريق الحوار الذي اختارته أطراف العملية السياسية هو الطريق الأسلم، والوحيد الذي يمكن من خلاله تجاوز الأزمات القائمة، وتخطي المخاطر المحدقة التي تتربص بمستقبل البلاد.
لكن الأسئلة الملحة التي تطرح نفسها، ويتجاذبها المعنيون قبل بدء مؤتمر الحوار الوطني هي:
ما هي قضايا الحوار، ومن هي الأطراف المعنية فعلاً بالمشاركة؟
ما هي ضمانات انعقاد مؤتمر الحوار؟!
ما هي الأولويات والضوابط المطلوبة لانعقاد المؤتمر؟!
هل هناك سقف للحوار، أم سيكون سقفه مفتوحا ً؟؟
إلى أين سينتهي الحوار؟؟ وما هي النتائج المتوخاه منه؟!
ولعل الكثير من الإجابات على هذه الأسئلة قد وردت ضمن مبادرة مجلس التعاون الخليجي، وآليتها التنفيذية المزمنة التي أكدت على ضمان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل لجنة إعداد وتحضير مختصة، مع بداية المرحلة الانتقالية الثانية.
لكن وبالعودة إلى المهام والصلاحيات المنصوص عليها في المواد “19،20،21” من المبادرة بشأن العملية الانتقالية، تكون من أبرز مهام المرحلة الراهنة - أي مرحلة ما قبل الحوار- هي قيام الأخ رئيس الجمهورية المنتخب عبد ربه منصور هادي، وحكومة الوفاق الوطني بالدعوة “إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي، والحوثيون، وسائر الأحزاب والقوى وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي “ (44)
وبالنظر إلى أن أهم خطوتين في المرحلة الأولى من المبادرة قد تحققت، بتشكيل حكومة الوفاق، وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في 21 فبراير2012م، التي فاز فيها المشير عبد ربه منصور هادي رئيسا للجمهورية بنسبة نجاح عالية، أكسبته شرعية شعبية فاقت كل التوقعات، فالخطوات التالية التي يجب أن تتم، هي الخطوات الممهدة لضمان التئام مؤتمر الحوار. فهناك أولويات ومهام عاجلة يجب يُلتفتُ إليها، وتأخذ حيزا كبيرا من اهتمام القيادة السياسية، وبالذات من طرفي السلطة الموقعة على المبادرة الخليجية.
وقد قمنا بدراسة هذه الأولويات والمهام العاجلة، والضوابط والآليات المطلوبة لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني وخلصنا إلى بعض الأفكار التي نعتقد أنها ستسهم في التهيئة الجادة للحوار، وفقا لما يلي
أولا- أولويات التهيئة العاجلة للحوار
لا يمكن لمؤتمر الحوار الوطني أن يبدأ فعالياته، وتلتئم القوى الوطنية على مائدة الحوار، ما لم تكن الأجواء الشعبية والرسمية للحوار قد تهيأت، في المجالات السياسية والأمنية والإعلامية، بحيث يلتئم المتحاورون في مؤتمرهم، وقد أحسوا بصدق النوايا في حوار وطني يفضي إلى نتائج إيجابية ملموسة، ولذلك لابد من العمل على تهيئة كاملة للأجواء، وخلق بيئة مناسبة للحوار، وعلى النحو التالي
الوضع الأمني والعسكري
لا يستطيع أحد أن ينكر بأن الوضع الأمني لا يزال في أسوأ حالاته، فالدم اليمني لم يتوقف نزيفه بعد، بل لا يزال في تصاعد مستمر، وينذر بمخاطر جمة في أبين ومناطق كثيرة في شبوة، ومحافظات أخرى، حيث تتمدد مليشيات “ أنصار الشريعة” التابعين لتنظيم القاعدة، وحيث الحرب لا تزال قائمة في أرحب ونهم وحجة وصعده، والمدن الرئيسية في البلاد لا تزال تغص بالمسلحين والمعسكرات. ومع كل هذا، نعتقد أنه من المبكر الحكم على أداء “لجنة الشئون العسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار”، التي لم يمر على تشكيلها منذ 5 ديسمبر 2011م، أكثر من160 يوماَ.
لكن، وبرغم أن اللجنة تضطلع بمهمة صعبة ومعقدة، ولا تزال محصورة في العاصمة صنعاء، إلا أنها قطعت شوطا إيجابيا في مجال إزالة المتاريس من الشوارع الرئيسية في العاصمة، ووضعت بعض النقاط البديلة، لكنها في الواقع لم تتمكن حتى الآن من إنهاء المظاهر المسلحة في الأحياء والحارات، ولم تتمكن من منع بعض مراكز القوى العسكرية والمدنية والقبلية من التجوال بحرية تامة بالأطقم والمسلحين في الشوارع العامة، غير أننا نعتقد أن القرارات الرئاسية التي شملت تغيير وتنقلات بعض القيادات العسكرية مؤخرا، ستساعد اللجنة في مواصلة مهمتها بنجاح، ليس فقط في أمانة العاصمة وإنما في كل محافظات الجمهورية
ولأن المهمة الأمنية والعسكرية كبيرة، وتمثل مفصلا هاما في عملية إعادة ترتيب الأوضاع العامة، وعاملا مساعدا من عوامل التهيئة لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، فلا تزال بانتظار خطوات حاسمة تتمثل في التالي :
استكمال إجراء التغييرات التدريجية في القيادات العليا للقوات المسلحة والأمن، بما يضمن “وضعها تحت قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون”، كما جاء في المادة(17) من آلية تنفيذ العملية الانتقالية وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي.(55)
إنهاء مظاهر الاختلالات الأمنية، ومنع المظاهر المسلحة، وردم وإزاحة الخنادق والمتاريس، التي يتواجد فيها المسلحون(مدنيون وعسكريون) في الشوارع والأحياء، وإخراجهم من العمارات والمؤسسات العامة والخاصة.
مساعدة النازحين للعودة إلى منازلهم في المحافظات التي تضررت من الحروب، والانفلات الأمني، وتعويض المتضررين.
منع التقطعات في الطرقات العامة بين المحافظات، وتعقب المتسببين في إخافة السبيل وقطع الطريق، وإحالتهم للقضاء.
وقف المداهمات العسكرية والأمنية للمعارضين السياسيين وأصحاب الرأي، ووقف الاعتقالات السياسية في النقاط ومداخل المدن الرئيسية والمحافظات.
سحب النقاط العسكرية المنتشرة في المدن ومداخلها، واستبدالها بنقاط أمنية تشرف عليها وزارة الداخلية بحكم اختصاصها.
إطلاق المعتقلين السياسيين والإعلاميين وأصحاب الرأي، وعدم العودة لملاحقاتهم.
إطلاق كل السجناء والمعتقلين على ذمة الثورة والأحداث الأخيرة في كل محافظات الجمهورية.
وقف الحملات العسكرية على مناطق أرحب ونهم وتهدئة التوترات في مناطق الحراك في المحافظات الجنوبية والشرقية.
رفع نقاط التفتيش التي يستحدثها الحوثيون أو الحراكيون أو أي جماعات مسلحة في مناطق تواجدهم، واستبدالها بنقاط أمنية تخضع لإشراف وسلطة الدولة .
البدء فوراً بإعداد خطة إجرائية لإعادة الممتلكات العامة والخاصة، من منازل وعقارات ومؤسسات منهوبة إلى أصحابها
في التهيئة السياسية والتنظيمية
تمثل الأحزاب والتنظيمات السياسية وبالذات طرفي السلطة الحالية (المؤتمر وحلفاؤه، والمشترك وشركاؤه) محور ارتكاز في المعادلة السياسية القائمة، خاصة وهي الموقعة على مبادرة مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فهي المعنية مع حكومة الوفاق بالترتيب لخطوات إجرائية بالتنسيق مع قيادات الأحزاب والتنظيمات والكيانات السياسية والشبابية المختلفة، لتسهيل مهمة” لجنة التواصل” العليا المشكلة بقرار رئيس الجمهورية من طرفي المبادرة(66)، ويمكن أن تتولى القيام بالمهام التالية:
إصدار بيان سياسي مشترك وعاجل، يتضمن:
الاستعداد للمشاركة العملية والجادة في حوار وطني يضم أطياف العمل السياسي، ويناقش بروح التفاهم والمسئولية القضايا الوطنية المحددة في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.
الالتزام بوقف الحملات السياسية والتصريحات التحريضية المتبادلة، التي من شأنها أن تسهم في تقويض التقارب السياسي، والعمل على بث روح التفاؤل في الأوساط السياسية والعامة، بما يساعد على تقريب وجهات النظر والتهدئة، تمهيداً للدخول في الحوار الوطني الشامل.
رفض مفاهيم التخوين والتكفير والعمالة، ومنع إصدار البيانات أو الفتاوى التي من شأنها الاستهداف السياسي.
تجميع وجهات نظر الأحزاب والتنظيمات السياسية، والكيانات الشبابية والحراكية ومنظمات المجتمع المدني، أو حثها على إعداد رؤى متكاملة حول وجهات نظرها في قضايا الحوار وضوابطه وآلياته.
تشكيل لجان تنسيق فرعية مشتركة من رؤساء فروع الأحزاب والتنظيمات والكيانات المتواجدة في المحافظات للتنسيق فيما بينها، والقيام بإحياء الفعاليات الجماهيرية، والندوات والمحاضرات المشتركة، للتوعية بأهمية تهيئة الأجواء السياسية والإعلامية، لإنجاح الحوار الوطني.
في التهيئة الإعلامية
لعب الإعلام دوراً كبيراً في تأجيج الأوضاع وتفاقم الأزمة خلال الفترة الماضية، وجسد فعلا مفهوم الكلمة عند العرب القدامى التي يقول فيها الشاعر:
أرى تحت الرماد وميض جمر
فيوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى
وإن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفئها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام
ورغم إيماننا بحرية الرأي والتعبير، وبأهمية الكلمة، ودورها في نقل معاناة وهموم أبناء المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والمعيشية، وتصحيح الإختلالات، وفضح التجاوزات، أياً كان نوعها، إلا أن الرسالة الإعلامية، هي أولا وأخيراً قيمة وطنية وأخلاقية، وبالتالي هي ملزمة بالعمل وفقا لأخلاقيات المهنة، التي تحددها ضوابط عدم تجاوز رسالتها.
وتبعا لمفهوم أخلاقيات وضوابط المهنة الإعلامية، يمكن للإعلام أن يلعب الدور الفاعل في التهيئة للحوار، من خلال خطاب إعلامي متزن يجمع ولا يفرق، وبما يساعد على تهيئة الأجواء السياسية والعامة للدخول في حوار وطني بنَّاء، وذلك من خلال:
- وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الأحزاب والقوى السياسية.
- التزام جميع وسائل الإعلام الحزبية والأهلية بأخلاقيات العمل الإعلامي، وإيقاف نشر وبث وإذاعة البرامج والتحقيقات والمواضيع التي تسهم في توتير الأجواء، وعرقلة مسيرة الحوار الوطني.
- التزام جميع وسائل الإعلام الرسمية، بالعمل بمهنية وحيادية تامة، والنأي بها عن الترويج للأفكار والآراء، التي تعبر عن طرف دون آخر، وتتحمل مسئولية الانفتاح الموضوعي على الجميع باعتبارها ملكية عامة للمجتمع.
- تبني إعداد ميثاق شرف إعلامي تتفق عليه جميع الأطراف وبرعاية نقابة الصحفيين.
- تبني وسائل الإعلام الوطنية المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، بث ونشر وإذاعة الأفكار والآراء التي تساعد على تقريب وجهات النظر السياسية، وتهيئ بإيجابية لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني.
- التزام خطباء المساجد والوعاظ والمرشدين بمنهجية معتدلة في توجيه وإرشاد الناس، والدعوة للألفة والمحبة، بما يساعد على تحقيق الوفاق السياسي والمجتمعي، ويسهم في إنجاح مؤتمر الحوار الوطني.
في تهيئة إصلاح الأوضاع المالية والإدارية
لعل تفشي وانتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري، وتطويع الإمكانيات العامة للمصالح الشخصية، وشيوع ظاهرة تعامل بعض القيادات الإدارية مع الهيئات والمصالح العامة التي يقودونها بمخالفة للقوانين والأنظمة، وباعتبار أنها أصحبت جزاءً من أملاكهم، لعلها واحدة من الأسباب التي دفعت الناس لمقاومة الظلم واندلاع ثورة المؤسسات، التي نجحت في بعض الدوائر والمصالح الحكومية (عسكرية ومدنية ).
ومن هنا فلابد - برأينا- من اتخاذ خطوات عملية وجادة، تحد من هذه الظاهرة، وتكون مقدمة مطمئنة للحوار، ونرى أن هذه الخطوات يجب أن تتضمن:
إجراء تغييرات عاجلة في قيادة بعض المؤسسات وهيئات الدولة المتورطة في قضايا فساد، وتسخير مؤسساتهم لأعمال عنف ضد منتسبيها الموظفين المطالبين بالقضاء على الفساد والتغيير.
إعادة النظر في قيادة السلطة المحلية، وتعيين ما تبقى من محافظين جدد خاصة في المحافظات التي ثبت تورطها في أعمال عنف وقضايا فساد مالي وإداري.
إصدار قرارات رئاسية وحكومية بترشيد الإنفاق في مؤسسات الدولة والقطاع العام والمختلط، والابتعاد عن الصرفيات البذخية، المتمثلة في عقد المؤتمرات، والمشاركة في ما لا أهمية ولا علاقة له بالعملية التنموية في البلاد.
تقليص البعثات الدبلوماسية في الخارج، واعتماد نشاط البعثات ذات الصلة بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد، سياسية وتنموية.
في التهيئة ذات الصلة بالأوضاع العامة والمعيشية:
عندما تغيب الدولة، وتتحول من كيان معني بحماية المجتمع وتأمين الحياة العامة لأفراده، إلى كيان سلبي عديم الجدوى، تفقد الدولة وظيفتها، وتختل العلاقة بينها وبين المجتمع، نتيجة عدم الالتزام بعقد الشراكة بين الطرفين الذي ترعاه وتنظمه مجموعة القواعد الدستورية والقانونية.
ولاستعادة ثقة المجتمع بالدولة، بعد طول معاناة، وفقدان الأمل في مؤسساتها ، خلال الفترة الماضية من الأزمة التي مر بها اليمنيون، لابد من أن تتوجه الحكومة إلى وضع المعالجات العاجلة، ذات الصلة بالوضع المعيشي للمواطن، لتكون إحدى مقدمات التهيئة للحوار الوطني، وذلك من خلال:
تحسين وضع خدمات البنية التحتية في البلاد، من مياة وكهرباء، وصرف صحي، وإلزام المختصين بنظافة العاصمة وبقية المدن اليمنية، بالقيام بمهامهم وفقا لاختصاصاتهم .
العمل على تحسين وضع المشتقات النفطية، وخدمات الغاز وتوفيرها للمواطنين بأسعار مناسبة.
تفعيل نشاط الرقابة على المنتجات الغذائية والدوائية، وتوفيرها للمواطن بعيدا عن المضاربة والاحتكار، ومنع المغالاة في أسعارها.
التوجيه باعتماد آلية صرف دقيقة لحقوق الموظفين في السلكين المدني والعسكري والأمني، والتوجيه باستيفائهم حقوقهم كاملة، بعيداً عن الاستقطاعات، والتحايل على مستحقاتهم المادية والعينية.
ثانيا: ضوابط ومحددات الحوار
يرى الكثير من السياسيين أن سقف الحوار الوطني في مؤتمر الحوار يجب أن يكون مفتوحا، وهو ما لا يعترض عليه أحد، غير أن عدم تحديد سقف للحوار سيفتح الباب واسعاً لطرح قضايا صغيرة وكبيرة، قد تكون غير ذي صلة منطقية ولا عقلانية بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد، وهو ما يمكن أن يجر إلى خلافات وتجاذبات قد تصرف الحوار عن مهمته الأساسية، وقد تجره الى متاهات لن تفضي إلى الغاية المطلوبة منه.
ولأن الدعوة إلى الحوار تقوم أساسا على شرعية توافقية، فلابد أن يتفق المتحاورون سلفا، على ضوابط ومحددات، تنظم وتحدد مسار اتجاهات الحوار، بما يساعد على تحقيق الأهداف المقصودة ، ولذلك فمن الضرورة بمكان وجود حد أدنى من الضوابط والمحددات التي يحترمها ويلتزم بها الجميع، ونراها على النحو التالي:
التمسك بقيم ومبادئ الشريعة الإسلامية، والحفاظ على النظام الجمهوري، والوحدة اليمنية، قواعد أساسية وثابتة من قواعد الحوار الوطني. ولاشك أن كثيرين سيعارضون هذا الضابط، كونهم يعتبرونه سقفا للحوار، لكنه يمثل حقيقة من حقائق التاريخ اليمني، ولم يصل اليمنيون إلى عتبة هذه القيم إلا بالكثير من التضحيات.
يتبع الحوار الوطني منهج العمل وفق قاعدة “البناء على ما تم الاتفاق عليه، والتحاور فيما يتم الاختلاف فيه”.
يلتزم الحوار بقواعد الممارسة الديمقراطية، ومبدأ حرية الرأي والقبول بالآخر، وبما يطرحه من أفكار وأراء في إطار الالتزام بلغة خطاب تجمع ولا تفرق.
جميع أطراف الحوار يتمتعون بحقوق متساوية، فهم أنداد ومتكافئون، وحقوقهم مكفولة في إبداء الرأي والاعتراض عليه بحرية تامة.
لا يؤآخذ أطراف الحوار على أطروحاتهم وأرائهم وأفكارهم، التي يتبنونها في مسار الحوار.
اعتماد مفهوم أن الحوار الوطني يجب أن يحقق المصلحة الوطنية العامة لأبناء لشعب اليمني، وليس ما يحقق المصالح الضيقة للقوى والأحزاب المتحاورة.
يتمتع جميع أطراف الحوار بحق العلم والمعرفة التامة بمواضيع وقضايا الحوار، ويتم الإعلان عنها بشفافية تامة عبر وسائل الإعلام المختلفة.
يقدم كل طرف من أطراف الحوار رؤيته مكتوبة، حول قضايا الحوار وحلولها وفقا لوجهة نظره أو نظر الجهة التي يمثلها.
يُغلِّبُ جميع المتحاورين المصلحة الوطنية العليا، التي تحفظ للبلاد وحدته الوطنية وأمنه واستقراره، وتحقق لكل أبنائه العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة والمساواة، وتنأى به عن الصراعات الجهوية والمناطقية والعنصرية والمذهبية.
رفض القبول بإقحام الحوار الوطني في قضايا جزئية تعبر صراحة عن التعصب والانغلاق، والابتعاد عن جوهر المصلحة العامة.
يمثل تحقيق الشراكة الوطنية والتعايش السلمي بين مكونات الشعب اليمني، هدف أساسي من أهداف الحوار الوطني.
تعالج الاختلافات بين الأطراف عبر التفاهم والحوار، وليس عبر العنف الذي يرفضه الجميع.
الابتعاد عن طرح الشروط والأفكار التعجيزية التي من شأنها عرقلة مسار الحوار.
تقديم المصالح الكبرى على المصالح الصغرى والفئوية والتمسك بالوحدة الوطنية، وتجنب دعوات العنصرية أو الطائفية والمناطقية، ونبذ العنف، فالحوار والعنف لا يلتقيان.
استعداد كل أطراف الحوار لتقديم التنازلات بما يساعد على تسهيل وإنجاح الحوار.
يجب أن يفضي مؤتمر الحوار الوطني الى إعلان بيان سياسي تعده لجنة مختصة من بين أعضائه، يحدد بدقة النتائج التي توصل اليها المؤتمر، وتوقع عليه كل الأطراف المشاركة في الحوار.
تكون قرارات المؤتمر ملزمة للجميع، وتصيغ الحكومة برامج عملها في ضوئه، ويكون إطار عام للعمل المشترك بين كل قوى المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتلتزم كل الأطراف بما ورد فيه.
تكون جلسات المؤتمر ومداولاته علنية، وتذاع مباشرة عبر وسائل الإعلام الرسمية والمحلية المختلفة، ليكون الشعب مطلعاً على مجريات الحوار وشريكاً فيه.
ثالثا: قضايا ومواضيع الحوار
يبحث مؤتمر الحوار الوطني وفقا لنص المادة(21) من الآلية التنفيذية للمبادرة ، القضايا والمواضيع التالية:
عملية صياغة الدستور بما في ذلك إنشاء لجنة لصياغة الدستور، وتحديد أعضائها.
الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليه.
يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي الى حل وطني عادل يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه.
النظر في القضايا المختلفة ذات البعد الوطني ومن ضمنها أسباب التوتر في صعده.
اتخاذ خطوات للمضي قدما نحو بناء نظام ديمقراطي كامل بما في ذلك إصلاح الخدمة المدنية والقضاء والإدارة المحلية.
اتخاذا خطوات ترمي الى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة اٌلإنتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الانسان والقانون الإنساني مستقبلا.
اتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها بما في ذلك النهوض بالمرأة.
الإسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية، الاجتماعية المستدامة، لتوفير فرص عمل وخدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل للجميع.7
رابعا: آلية الحوار:
يتفق المؤتمرون على أن تكون رئاسة المؤتمر دورية بين ممثلي أطراف الحوار، بالقرعة، أو بحسب التسلسل الأبجدي.
يحدد جدول زمني لانعقاد الجلسات ومواضيعها بحسب تسلسل قضايا الحوار المنصوص عليها في الآلية التنفيذية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي.
تقدم كل الأطراف المشاركة رؤيتها ، وتطرح للنقاش خلال وقت كاف يتفق ويوافق عليه المؤتمرون أثناء انعقاد الجلسات.
تدار الجلسات وفقا لقواعد الممارسة الديمقراطية، وبحسب أولوية الطلبات المسجلة للحديث.
حق إبداء الرأي مكفول لكل الأطراف، عملا بحرية الرأي والتعبير،ولايجوز للمتحدثين الخروج عن الموضوع محل التداول أو النقاش.
يجب أن تلتزم كل الآراء بقواعد اللياقة في الحديث،والحرص على عدم الإساءة أو التجريح، وبما يضمن احترام الآخرين.
تتشكل لجان عمل مصغرة، لكل قضية من قضايا الحوار.
تجمع كل الآراء والمقترحات وتسلم للجان المختصة بقضايا الحوار.
تعقد اللجان المصغرة ورش عمل خاصة، تخلص إلى بلورة شاملة للأفكار والآراء المطروحة في المؤتمر، وتقدم للمؤتمر ملخصاً لأبرز ما ورد فيها، مشفوعا برؤيتها النهائية.
تخضع قرارات المؤتمر للتوافق أو التصويت العلني، ويلتزم الجميع بقرار الأغلبية، أو تحدد آلية توافقية مقنعة وواضحة للتصويت. . تكون جلسات المؤتمر علنية، وتذاع عبر وسائل الإعلام.
خامساً: مرجعية الحوار
لابد أن تتوفر للحوار مرجعية عليا، ويمكن أن تتفق كل الأطراف على تشكيل لجنة عليا كمرجعية يحتكم إليها المتحاورون عند الاختلاف، بحيث يصبح ما تتوصل إليه مقنعا للجميع.
خاتمة واستخلاص
لقد أفرزت الأزمة التي مرت بها البلاد خلال الفترة الماضية عن انهيار شامل للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة، وقد كان ذلك نتيجة طبيعية لرفض منطق الحوار، وتغليب لغة القوة على لغة العقل، و التعامل مع مفردات الحياة السياسية والعامة، ليس من منظور وطني وإنما من منظور فردي، قام على الاستحواذ والمصادرة والإلغاء والتهميش.
الأمر الذي بين معه هشاشة النظام السياسي العام في البلاد، بل أظهر غيابا كليا للدولة، إذ لم تسجل المؤسسات الدستورية أي حضور في التدخل لمعالجة الأوضاع والحد من تفاقمها، وهو ما أوضح حاجة الوطن إلى نظام سياسي جديد يقوم على بناء مؤسسي، ووفقا لمعايير وطنية تستهدف حماية الوطن والمواطن، وتكون لديه القدرة على الوقوف في مواجهة الأخطار والأزمات، وتجاوزها اعتمادا على قواعد دستورية وقانونية وطنية.
إن أبرز ما يخشى منه، إذا ما استمرت الأوضاع في التفاقم، وتخلت القوى الوطنية عن التفاهم والحوار، هو أن تتحول اليمن إلى “دولة فاشلة”، أي “دولة غير القادرة أو غير الراغبة في حماية مواطنيها من العنف، والتي تعتبر نفسها فوق القانون - بحسب المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي. وهو ما يعني :
حدوث شلل تام في الحياة العامة، وانهيار كامل للدولة، وفقدان سيطرتها على الأوضاع العامة، وانتشار الحروب القبلية، وبروز الهجرات، وانتشار الأمراض والأوبئة، وشيوع التدخلات والأطماع الخارجية، وتغذيتها للنزاعات العرقية والطائفية والقبلية والمذهبية، وفقدا التعامل مع العالم الخارجي،.
لم يبق أمام اليمنيين إلا الحوار والتفاهم، والسير باتجاه تنفيذ المبادرة الخليجية التي بدأت بتحقق خطوتين هامتين هما:
تشكيل حكومة الوفاق.
وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في 21 فبراير2012م. التي فاز فيها المشير عبد ربه منصور هادي رئيسا للجمهورية بنسبة نجاح كبيرة وعالية.
إذ أن طريق الحوار هو الطريق الأسلم، والوحيد الذي يمكن من خلاله تجاوز الأزمات القائمة، وتخطي المخاطر المحدقة التي تتربص بمستقبل البلاد.
وللدخول في حوار وطني عملي وجاد، يضم كل أطياف العملية السياسية ومكونات المجتمع اليمني، ويخلص إلى نتائج ترضي المصلحة الوطنية العليا للبلاد، لابد من أن تعمل الحكومة على التهيئة لهذا الحوار وخلق بيئة مناسبة له من خلال التالي:
المعالجات الأمنية:
الحاجة الأمنية هي أكثر إلحاحا للمواطن اليمني، والتهيئة لحوار وطني عام وشامل يحب أن يبدأ بمعالجات أمنية عامة وشاملة تشعر المواطن والمجتمع بوجود نية صادقة لدى الحكومة وإطراف العملية السياسية للدخول في حوار جاد ومسئول.
ومن هنا، يجب العمل:
سرعة استكمال التغييرات في القيادات العسكرية والأمنية، تمهيدا للوصول إلى مرحلة البدء بهيكلة القوات المسلحة والأمن وبنائها على أسس وطنية.
إنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة وعواصم المحافظات ومنع التقطعات في الطرقات العامة.
تعويض المتضررين جراء حرب التي شهد تها العاصمة صنعاء والمدن المتضررة الأخرى كتعز وعدن.
إخلاء المدن من المعسكرات، ورفع النقاط العسكرية واستبدالها بنقاط أمنية، ووقف الحرب الظالمة المستمرة على نهم وأرحب، وإطلاق المعتقلين السياسيين، والمعتقلين على ذمة الثورة والخروج للساحات.
الجانب السياسي
يعتبر طرفا السلطة الحالية الموقعة على مبادرة مجلس التعاون الخليجي، (المؤتمر وحلفاؤه، والمشترك وشركاؤه) هما محور ارتكاز في المعادلة السياسية القائمة، وبالتالي هما المعنيان مع حكومة الوفاق بالترتيب لخطوات إجرائية بالتنسيق مع اللجة التواصل المشكلة مؤخرا بقرار جمهوري.
ولعل ما يجب أن تقوم به هو:
اصدار بيان سياسي تجدد فيه استعدادها للمشاركة في حوار وطني يضم أطياف العمل السياسي، دون تحفظ على احد، وتعلن التزامها بوقف الحملات السياسية والتصريحات التحريضية المتبادلة، التي من شأنها أن تسهم في تقويض التقارب السياسي، وتؤكد رفضها لبيانات التخوين والعمالة، وفتاوى التكفير.
المساعدة في تجميع وجهات نظر ورؤى الأحزاب والتنظيمات السياسية، حول مؤتمر الحوار والياته وضوابطه .
القيام بعاليات مشتركة مع كل أطياف العمل السياسي في العاصمة ومحافظات الجمهورية تتولى التعريف بالحوار وأهميتة في تحقيق الأمن والاستقرار.
المسألة الإعلامية
الإعلام يعتبر هو الرديف القوي والمهم للعمل السياسي، وكما كان خلال الأزمة ولا يزال، يلعب دوراً سلبيا في المناكفات والتحريض، يجب أن يلعب في ظل التهيئة للحوار دورا ايجابيا من خلال تبني خطاب إعلامي متزن يجمع ولا يفرق، وبما يساعد على تهيئة الأجواء للحوار الوطني عبر:
وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الأحزاب والقوى السياسية.
التزام كل وسائل الإعلام بالعمل بمهنية وحيادية، وفقا لأخلاقيات العمل الإعلامي، وإيقاف نشر وبث وإذاعة ما يسهم في توتير الأجواء، وعرقلة مسيرة الحوار .
نزاهة وحيادية الإعلام الرسمي .
التزام خطباء المساجد والوعاظ والمرشدين بمنهجية معتدلة في خطاباتهم ، بما يساعد على تحقيق الوفاق و إنجاح مؤتمر الحوار الوطني.
في التهيئة بإصلاح الأوضاع الإدارية والعامة:
كان للفساد المالي والإداري، وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية الدور البالغ والكبير في خروج أبناء الشعب مطالبين بإسقاط النظام ورفض الظلم، ومن هنا، ولأجل الدخول في حوار يطمئن إليه الجميع ويقبل بنتائجه الجميع ، نرى ضرورة العمل على:
إجراء تغييرات عاجلة في قيادة بعض المؤسسات وهيئات الدولة المتورطة في قضايا فساد، وأعمال عنف ضد الموظفين المطالبين بالتغيير والقضاء على الفساد.
إزاحة الفاسدين من قيادات السلطة المحلية، وتعيين ما تبقى من محافظين جدد خاصة في المحافظات التي ثبت تورطها في أعمال عنف وقضايا فساد.
ترشيد الإنفاق الحكومي، والابتعاد عن الصرفيات البذخية، المتمثلة في عقد المؤتمرات، التي لا علاقة لها بالإصلاح والتنمية.
توجيه البعثات الدبلوماسية لخدمة الشراكة الاقتصادية، وتقليص البعثات التي لا صلة لها بالتنمية.
معالجة وضع الخدمات العامة كالكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والنظافة، وتوفير المشتقات النفطية، وخدمات الغاز والمواد الأساسية للمواطنين وتحسين الأسعار، وتفعيل الرقابة عليها.
صرف مرتبات الموظفين الذين طردوا من مواقعهم بمسميات مختلفة في السلكين العسكري والمدني، والتوجيه باستيفائهم حقوقهم كاملة.
ضوابط ومحددات الحوار:
أدرك جيدا أن الكثير من أطراف الحوار قد يستفزها مجرد الحديث عن ضوابط ومحددات مسبقة للحوار، غير أن أي حوار ناجح ، يتوخى منه أن يفضي إلى نتائج ايجابية قابلة للتنفيذ، لابد ان توضع له ضوابط وحدود، يحترمها ويلتزم بها الجميع، ومن هنا فأرى اتفاق أطراف الحوار سلفا على ضوابط ارى بعضها في التالي:
تعتبر قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية، والنظام الجمهوري، والوحدة اليمنية قواعد أساسية وثابتة من قواعد الحوار الوطني.
يتبع الحوار الوطني منهج العمل وفق قاعدة “البناء على ما تم الاتفاق عليه، والتحاور فيما يتم الاختلاف فيه”.
يقوم الحوار على مبدأ الممارسة الديمقراطية، وحرية الرأي والقبول بالآخر، وبما يطرحه.
كل أطراف الحوار يتمتعون بحقوق متساوية، فهم أنداد متكافئون، ويتمتعون بحق العلم والمعرفة التامة بمواضيع وقضايا الحوار.
اعتماد مفهوم أن الحوار الوطني يجب أن يستهدف المصلحة الوطنية العليا ولا يحقق المصالح الفردية أو الحزبية الضيقة، واستعداد الأطراف لتقديم التنازلات بما يساعد على تسهيل وإنجاح الحوار.
يقدم كل أطراف معنية بتقديم رؤاها مكتوبة، حول قضايا الحوار.
عدم إقحام الحوار الوطني في قضايا تعبر صراحة عن التعصب، وتعالج الخلافات بالتفاهم والحوار، واعتبار الشراكة الوطنية والتعايش السلمي بين أبناء الشعب، هدف أساسي من أهداف الحوار.
يعلن مؤتمر الحوار الوطني في ختام أعماله عن النتائج التي يتوصل إليها ، وتكون قراراته وتوصياته ملزمة . . جلسات المؤتمر ومداولاته علنية، وتذاع مباشرة عبر وسائل الإعلام الرسمية والمحلية المختلفة، ليكون الشعب مطلعاً على مجريات الحوار وشريكاً فيه.
أن انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، ليس بالأمر السهل، وبالتالي فهو يتطلب جهداً كبيراً من قبل الحكومة وأطراف العملية السياسية فيها ، وكل مكونات المجتمع المدني، لوضع معالجات عاجلة للأولويات والضوابط في المجالات الأمنية والسياسية والإعلامية، وإصلاح الأوضاع المرتبطة بحياة المواطن اليومية، حتى يتهيأ الجميع لحوار مؤهل للانتقال بالوطن إلى آفاق جديدة من الحياة السياسية والعامة، ذلك لأن الحوار سيحدد ملامح مستقبل النظام السياسي القادم في البلاد، وسيفضي إلى توافق بين الأطراف، والى إصلاح ما أفسدته تجاوزات النظام السابق، وصياغة دستور جديد يحدد بدقة مهام السلطات الدستورية دون تداخل، ويحدد شكل ومضمون المشاركة السياسية والمجتمعية في بناء الدولة المدنية الحديثة التي يسعى إلى تحقيقها اليمنيون
(1 1) نعوم تشومسكي، بيروت، دار الكتاب العربي، 2007م، ص 360.
(2 2) عن تقرير صدر عن المعهد الملكي للشؤون الدولية ، لندن، 20 نوفمبر 2008م.
3(3) نفس المصدر السابق.
(4 4) راجع المواد 19،20،21 الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية.
(5 5) نفس المصدر المادة17.
(6) تشكلت اللجنة وفقا للقرار الجمهوري رقم ( 12 ) وتاريخ 6 مايو 2012 للتنسيق والتحضير للحوار الوطني من الأخوة: (6)
1 - د. عبد الكريم الارياني - المؤتمر الشعبي العام.
2 - د. ياسين سعيد نعمان – الحزب الاشتراكي اليمني – (اللقاء المشترك) .
3 - عبد الوهاب الآ نسي- التجمع اليمني للإصلاح (اللقاء المشترك).
4 - اللواء حسين محمد عرب(منضم للثورة)
5 - عبدالله غانم (المؤتمر الشعبي العام).
6 - د. جعفر باصالح (مؤتمر شعبي عام).
7 - عبد القادر هلال (المؤتمر الشعبي العام).
8 - راقية حميدان (مستقلة)،
9 - نادية عبد العزيز السقاف (مستقلة).، وكان التنظيم الوحدوي الناصري قد أعلن رفضه لقرار تشكيل اللجنة، معتبرا أن تشكيلها جاء “متناقضا مع جوهر المبادرة الخليجية، وأنها شكلت من مستشارين سابقين للنظام والرئيس السابق”، ويبدو أن التنظيم الوحدوي الناصري شعر بغبن نتيجة لعدم تمثيله في اللجنة، رغم أنه يعتبر الحزب الثالث من حيث قوته بين أحزاب اللقاء المشترك.
(7 7) راجع مبادرة مجلس التعاون الخليجي الموقعة في الرياض في 23 نوفمبر 2011م، والآلية التنفيذية المزمنة.
* رئيس مركز الوحدة للدراسات الإستراتيجية
عضو مجلس الشورى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.