قصة تستحق أن تروى .. أسرة فقدت ابنها شهيداً في جمعة الكرامة وخُطف الابن الآخر وهُدم البيت الذي يسكنونه. سأبدأ أسرد قصة شهيد جمعة الكرامة محمد عبدالواحد العريفي .. شاب في مقتبل العمر كان نشيطاً جداً يعمل مع رفاقه في لجان النظام بساحة التغيير .. كان لا يزال طالباً في المرحلة الثانوية .. نزل إلى الساحة ليشم عبق الحرية حتى جاءت جمعة الكرامة فكان من الأوائل في الاندفاع لحماية الساحة يومها بدأ الشباب في هدم الجدار الأسود وهناك سقط العديد من الشهداء والجرحى .. ذهب محمد ليسعف رفيقاً له, لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب رصاصة غادرة اخترقت ظهره وخرجت من الصدر ليتولى شباب آخرون إسعافهما، وقبل إصابته كان قد ربط على بطنه بشال كان يرتديه وهو يحفز الشباب بقوله: (اثبتوا إن الله معنا) ذهب أحمد الأخ الأكبر للشهيد إلى المستشفى بعدما اتصل به أصدقاؤه يخبرونه باستشهاد أخيه، وصل إلى المستشفى هاله المشهد لكثرة المصابين والجرحى .. جلس أحمد إلى جوار أخيه ساعة كاملة بحالة اللاوعي يكلم نفسه تارةً ويخاطب الشهيد تارةً أُخرى من شدة الفاجعة .. اتصلت الأسرة بأحمد تسأله عن أخيه ليرد بأنه يلعب مع رفاقه، لكنه ما إن وصل خبر استشهاده إلى أسرته حتى اختلطت المشاعر بين الحزن والفرح لفراقه بل لاصطفائه ضمن الشهداء .. أخذ أحمد جثة أخيه إلى مستشفى جامعة العلوم, وقدمت الأسرة بكاملها لزيارة الشهيد، الكل يجهش بالبكاء عندما شاهدوه في الثلاجة .. لحظات لا يمكن وصفها، بكاءٌ ونحيب وإغماء وتهليل وتكبير .. مرت الأيام واستمرت أحزان الأُسرة بل زاد خوفها على من تبقى من الأولاد كلما سمعوا عن أخبار الثورة وسقوط مزيد من الشهداء. وفي وسط الاشتباكات التي شهدتها الحصبة مكان سكن الأسرة كانت القصة الثانية .. عاشت الأسرة أيامًا مرعبة وعصيبة وسط القصف المتواصل لأيامٍ وليالٍ طوال .. أخذت الأسرة ما يمكن جمعه, فتركت المكان لتبحث عن مأوى آخر أكثر أماناً ليستقر بها المطاف في حي التحرير وبعد يومٍ واحد فقط من ترك البيت إذا بقذيفة سقطت عليه فهدمته, وبدمار المنزل الذي كان يأويهم زادت المعاناة. ومن سكنهم الجديد في حي التحرير تبدأ القصة الثالثة للأسرة نفسها .. إنها قصة (أحمد أخي الشهيد العريفي ) الابن الأكبر للأسرة .. بدأ سكان الحارة يتعرفون عليه بأنه شقيق أحد الشهداء وهذا ما أزعج البعض ممن لا يروق لهم ذكر الثورة والشهداء فأدرك أحمد حينها أنه مراقب وذات مرة كان ماراً في شارع الجزائر في الساعة الثامنة مساءً وإذا بسيارة اعترضت طريقه على متنها ثلاثة أشخاص لا يعرفهم ترجلوا من السيارة وأجبروه على أن يركب معهم في السيارة وبالقوة قائلاً أحدهم: (حياك الله يا أخا الشهيد) ثم أخذوا يهزؤون بالثورة والشهداء .. ثم انهالوا عليه بالضرب واللطم ومضوا به في شوارع وأزقة غير معروفة وبعد أن أخذوا كل ما معه رموه بجولة كنتاكي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ثم فروا بعد تهديده بإلحاقه بعد أخيه الشهيد.