لا تختبئوا وراء الحوثي.. أمريكا تكشف عن وصول أسلحة ضخمة للمليشيات في اليمن    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    نقل منصات إطلاق الصواريخ الحوثية استعدادًا للحرب واندلاع مواجهات شرسة مع الأهالي ومقتل قيادي من القوة الصاروخية    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    الحوثيون يواصلون افتعال أزمة الغاز بمحافظتي إب والضالع تمهيد لرفع الأسعار إلى 9 آلاف ريال    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    المبادرة المُطَالِبة بالكشف عن قحطان تثمن استجابة الشرعية وتحذر من الانسياق وراء رغبات الحوثي    قائد الحراك التهامي السلمي يعقد لقاء مع المعهد الديمقراطي الأمريكي لبحث آفاق السلام    الحوثيون يواصلون حملة اعتقال الطلاب الفارين من المراكز الصيفية في ذمار    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    تحميل لملس والوليدي إنهيار خدمة كهرباء عدن مغالطة مفضوحة    الدولة العميقة ومن يدعمها هدفهم إضعاف الإنتقالي والمكاسب الجنوبية    اعضاء مجلس السابع من ابريل لا خوف عليهم ويعيشون في مأمن من تقلبات الدهر    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    انفجار الوضع في عدن وقوات الانتقالي تخرج إلى الشوارع وتطلق النار لتفريق المظاهرات وهذا ما يحدث الآن "شاهد"    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    البوم    غروندبرغ يحيط مجلس الأمن من عدن ويعبر عن قلقه إزاء التصعيد الحوثي تجاه مارب    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    دموع ''صنعاء القديمة''    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن طريق الخروج من الظلمات
نشر في الجمهورية يوم 30 - 08 - 2012

و لا شك أن اهم طريقة لفضح الكذب هو السماح بالنقد و الفحص لكل المقولات التي يتم طرحها مهما كانت مقدسة. فالمقدس الحقيقي هو الذي ينجح في مثل فحص كهذا. أما المقدس المزيف فإنه هو الذي يحتاج الى القداسة لتحميه.
و من الملفت للانتباه أن القرآن قد وضع شروطاً محددة من اجل التمييز بين الإيمان الحق و الإيمان الكاذب و بالتالي الدين الحق و الدين الكاذب. و لعل من اهم هذه الشروط السلطان او الدليل او الحجة. فأي ادعاء بالإيمان او الدين بدون ذلك فلا ينبغي ان يلتفت اليه ابدا. فالتاريخ قد سجل عددا لا يحصى ممن يدعون الايمان و من يفرضون الاديان الباطلة.
ان طلب الدليل على صدق الايمان او الدين يعني فيما يعني ضرورة الشك قبل الايمان. فأي ايمان او دين لا يقر بدأ الشك او في حق المخاطبين في الشك و في واجب المدعين بالإجابة اي الحجة التي تدحض الشك هو في حقيقة الامر ايمان كاذب و دين باطل.
اذ يمكن القول بأن السراب لا يدل على اي حقيقة و الوهم لا يؤسس لأي يقين ابدا. فما كان اوله سراب فآخره سراب و ما كان اوله وهم فآخره ريب. فاذا تمسك كل صاحب ايمان او دين بدينه بدون دليل فلن يكون هناك اي ايمان حقيقي و إنما سيكون هناك طاغوت او اكراه و اجبار.
صحيح انه لا يمكن الاجماع حتى على الدين الحق و الايمان الحق و لكن الصحيح ايضا ان وجود الايمان الحق و الصادق يعتبر معيارا لمن يريد الحقيقة. و من لا يريد الحقيقة فقد يرفض الايمان الحق و لكنه في هذه الحالة لا يحق له ان يفرض ايمانه الكاذب على الاخرين. فاذا كان الايمان الحق الذي يقوم على دليل فوي لا يفرض فإنه من باب الاولى ان لا يفرض الايمان الكاذب.
و على هذا الاساس فإن الايمان الحقيقي يعني فحص ادعاءات الآخرين في الايمان. و لقد مثل ذلك سابقة في تاريخ الاديان إذ ان الاديان الاخرى لا تقر بذلك و تتمسك بقداسة الدين الذي تدعو اليه على الاقل و ان كانت تحاجج اتباع الاديان الاخرى من خلال افتراض عدم قدسيتها. و بذلك فإنها ترتكب هذا التناقض الكبير و هذا التحيز الكبير الذي يقود الى الضلال المبين.
القرآن لا يعترف بالإيمان القائم على الطاعة العمياء حتى من اتباعه. و بذلك فإن ما يقترحه من شروط للإيمان الحق و الدين الحق يطبقه على نفسه و يدعو الى تطبيقه على الاديان الاخرى. فعلى سبيل المثال فإن القرآن يصف نفسه بأوصاف قابلة للإثبات و الرفض من خلال الوسائل البشرية المتعارف عليها. ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا (82). إن هذا القرآن يقص على بني اسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون. إن الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد قل ربي اعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين. وما علمناه الشعر وما ينبغي له ان هو الا ذكر وقران مبين. ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون.
فهذه الاوصاف و غيرها بمكن لأي انسان ان يتأكد من صحتها او عدم صحتها. فكون القرآن يهدي للتي هي اقوم يسمح بمقارنة ما جاء في القرآن من وصايا و احكام و حقائق للمقارنة من الواقع و مع ما قالت الكتب الاخرى حولها. و حتى يكون القرآن صادقاً فلا بد ان يكون متفوقاً عليها كلها و لا شك أن ذلك لا يقبل اي تأويل او تبرير فاما ان يكون القرآن صادقا في ذلك او لا يكون. و لا شك ان هذا الامر في غاية الاهمية لانه يفتح لمعارضي القرآن ثغرة كبيرة لنسفه من داخله. و على الرغم من الابحاث التي قام بها العديد من المستشرقين حول القرآن و بعضهم لم يسلم بل ان بعضهم لم يخف تعصبه ضد القرآن لكنهم جميعا لم يستطعوا ان يثبتوا عدم صدق قول القرآن هذا.
و لا شك ان ذلك يثبت ان القرآن هو من عند الله اذ انهم يستحيل لبشر كائن من كان ان يتأتى بمثله. وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا (89). وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة اعدت للكافرين. اْ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39). أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14). وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين.
فلم يستطع احد في الماضي و لا في الحاضر و اعتقد و لا في المستقبل ان يواجه هذا التحدي. و لا شك ان ذلك دليل قاطع على صدق القرآن. و بدلا من القبول بهذه الحجة الدامغة فإن من لا يرغبون في تصديق ذلك حاولوا ان يدحضوه بطرق تدل على محاولتهم و فشلهم. افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
هذا التحدي القوي و هذا الفشل الواضح فإن الله يامر المسلمين ان لا يفرض ذلك عليهم. فقط عليهم ان يتمسكوا هم به و ترك الآخرين و خياراتهم بعد ان تم اقامة الحجة عليهم. قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون ان مع الله الهة اخرى قل لا اشهد قل انما هو اله واحد وانني بريء مما تشركون. واذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقران غير هذا او بدله قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع الا ما يوحى الي اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم.
فاذا كان القرآن الذي هو كتاب الله الى العالم قد احتوى ما يسمح بفحصه بل حتى الشك فيه بهدف التاكد من صحته و في حال عدم اقتناع الآخرين بذلك فمن حقهم ذلك فلماذا لم يسمح للتعامل مع المصادر الاخرى في الثقافة الاسلامية بنفس الطريقة. و على وجه التحديد فإن ما يعتبر من مصادر الشريعة الاخرى مثل السنة و اجتهادات الفقهاء قد منحت قداسة لم تمنح للقرآن. فعلى سبيل المثال فإن هناك من يقول بأن السنة هي المفسرة للقرآن و بالتالي فإنها مقدمة عليه. اي انها قد تنسخه او تحدد مدلولاته و معانيه. و لا يجوز الاعتراض على ذلك حتى لو لم تثبت السنة بطريقة صحيحة او كانت تتعارض مع الواقع او مع العقل.
و قد ترتب على تقديس السنة بهذه الطريقة و التي تفوق قداسة القرآن فقد تم تقديس اقوال و آراء الفقهاء اكبر من تقديس السنة و القرآن معا. و يتضح ذلك من حقيقة التمذهب المتعصب و الذي يتحيز لأمة المذاهب حتى لو كانت آراؤهم تتعارض مع صريح القرآن و محكمه بل و في احوال اخرى مع صحيح السنة. و الامثل على ذلك نظرية الامامة لدى الشيعة الجعفرية و نظرية الخلافة لدى السنة و خصوصا المذاهب السلفية. و كذلك ما يتعلق بحقوق غير المسلمين وحقوق المرأة و غير ذلك من القضايا و الموضوعات.
و رغم زعم كل مذهب او طائفة انه هو الذي يقتدي بالقرآن و السنة الصحيحة الا انهم أصروا على التمسك بوجهات نظرهم و التي أن كانت فعلا متسقة مع القرآن و السنة الصحيحة فإنه ما كان لها أن تتناقض و تختلف هذا الاختلاف. و كذلك فإن كان من الممكن ان يحدث ذلك فإنه ما كان ينبغي لهذه المذاهب ان تدعي ان وجهة نظرها هي الحق اليقين و ان وجهة النظر المخالفة لها هي الضلال المبين.
و قد ترتب على ذلك إما ان يكون احد هذه المذاهب هو المتفق مع القرآن و صحيح السنة و بالتالي فإن اتباعه واجب و اما ان لا يكون كذلك فيحق لك اتباع اي مذهب ان يختار مذهبه الذي يرغب فيه. فإذا كان القول الاول صحيح فإن هناك مشكلة حقيقية فيما يخص كلاً من القرآن و السنة. فالله تعالى يقول ان هذا القرآن يهدي الى التي هي اقوم فاذا لم يتفق المسلمون على ذلك و بالتالي فإنهم قد فرق دينهم شيعا فإن ما يقوله القرآن على نفسه ليس صحيحا. و إما ان يكون اصحاب المذاهب هم الذين هجروا القرآن و بالتالي تفرقوا على هذا النحو.
و من يتحقق من الموضوع فسيجد أن الحقيقة هي أن القرآن فعلاً يهدي الى التي هي اقوم و أن اصحاب المذاهب تفرقوا لانهم هجروا القرآن لصالح اهوائهم. و لا شك ان ذلك ما كان له ليحدث لولا انهم تمكنوا من تحريف مفهوم الايمان كما تمكن من قبلهم من فعل ذلك. فالإيمان عندهم هو الطاعة و القبول و الاذعان. و من ثم فإنه لا يحق للمؤمن الحقيقي من مناقشة ائمة المذاهب كبار العلماء من اتباعهم. فهم حسب زعمهم افهم بكتاب الله من غيرهم و هم اقدر على تحديد السنة الصحيحة من غيرها. و بالتالي فإن آراءهم اقدس من اقران الذي يزعمون انه حمال اوجه و من السنة التي يعتقدون انها قد شوهت.
و على هذا الاساس فإن من يحاول الرجوع الى القرآن كما هو عليه الآن لا يستطيع ان يفهمه إلا إذا اتبع مذهب من المذاهب و فسره و فهمه وفقا لذلك. و على الرغم من بطلان هذا الادعاء لانه لو كان الامر على هذا النحو لما تباينت هذه المذاهب هذا التباين و التي جعلها كأنها تعبر عن دين مختلف عن دين بعضها البعض. فالقرآن ما انزله الله الا من اجل ان يحكم فيما اختلف فيه الناس و ليس من اجل ان يفتح مجالات للاختلاف جديدة.
ما كان لهذه القداسة لآراء المذاهب ان تكون كذلك و ان تصل الى هذا القدر و ان تستمر لهذ الوقت الطويل من الزمن لولا تحالف علماء المذاهب مع السياسيين من خلال الادعاء بان السياسيين من الدين و ان الدين فيه سياسه. و الدليل على عدم صدق هذا الادعاء هو الصراع المستمر بين الطرفين منذ القدم و الى الآن. فالدين الحق ما وجد لتبرير الصراعات و انما لحلها.
و لاشك ان ذلك يدل دلالات قاطعة ان الدين دين و السياسة سياسة و ان كان هناك بعض المجالات التي قد يتقاطعان فيها لكن لا يمكن ان يتحول الدين الى سياسة و لا لأي سياسة ان تتقمص الدين. الدين يقوم على الحقوق. و الحقوق تقاوم على الصدق. فلا قيمة لحقوق لا صدق فيها. لانه في هذه الحالة فإنها ستحتاج الى قوة لفرضها. و اذا ما تم ذلك فإنها لن تكون حقوقا و انما تتحول الى امتيازات. الامتيازات يحصل عليها البعض حتى من لا يكون مستحقا لها لانه ببساطة يملك القوة. و يحرم منها من هو فعلا مستحق لها فقط لانه لا يملك القوة.
الدين الحق هو وحده الذي يحدد الحقوق كما هي و بدون اي تحيز. و لكن الدين لا يمكن ان يكون مطبقا لهذه الحقوق لانه في هذا الحالة سيعمل على تشويه الحقوق لانه فعلا لا يستطيع ان يطبقها. و في هذه الحالة سيكون هناك انحراف في الدين و تشوه في الحقوق.
السياسة مرتبطة بتطبيق بعض هذه الحقوق و ليس كلها. فبعض هذه الحقوق يمكن تحقيقها على اساس طوعي و بالتالي فإنها لا تحتاج الى اي قوة لتطبيقها. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فإن بعض الحقوق قد تتحقق بشكل افضل اي اسند تطبيقها الى مؤسسات اخرى غير دينية و غير سياسية، منظمات المجتمع المدني. و حقوق اخرى يمكن للحوافز الاقتصادية تنظيم عملية تحقيقها و هكذا.
اذن الدين هو الذي يحدد الحقوق و لا يطبقها لتناقض ذلك مع طبيعة الدين و طبيعة الحقوق. وجدت السياسة لتطبيق الحقوق التي لا يمكن تطبيقها بغيرها. و الدليل على ذلك ان الدين مرتبط بالإنسان كانسان و تاريخه هو تاريخ الانسان. المؤسسات الاجتماعية تولت في البداية تطبيق الحقوق التي حددها الدين. و في مرحلة لاحقة تولت المؤسسات الاقتصادية ادارة بعض الحقوق. و قد ترافق ذلك مع قيام بعض مؤسسات المجتمع المدني بمساعدة المؤسستين اي الاجتماعية و الاقتصادية.
أما المؤسسة السياسية فقد ظهرت في وقت متأخر جدا. لكن نظرا لتمتعها بالقداسة الدينية في البداية و لتمتعها بالقوة في مرحلة متاخرة فقد استولت على مهام كل المؤسسات. و قد اصبحت غاية في ذاتها و ليس وسيلة لتحقيق بعض الغاية.
ان إصلاح المؤسسات السياسية يتطلب بالدرجة الاولى اصلاح المؤسسات الدينة. و لا شك ان اول خطوة في اصلاح المؤسسات الدينية هو نزع القداسة منها. فاذا تم ذلك فإنه من باب الاولى ان يتم نزع القداسة من المؤسسات السياسية.
وفي نفس الوقت فإنه ينبغي التنبيه ان نزع القداسة من المؤسسات الدينية لا يتطلب تحيدها كما توهمت الحركة العلمانية و انما من خلال تصحيح مفهوم الايمان الحقيقي و الذي يقوم على ضرورة توافق هذا الايمان مع الحقوق الاساسية للانسان و مع الواقع و التخلص من الكذب و التضليل. و قد اكد القرآن ان ذلك ممكن و انه يجب ان يكون هو الاصل في التعامل مع الدين و مع اي مؤسسات اخرى. فبدون ذلك فلن يكون هناك اي اساس للتعاون بين البشر في العمل الصالح و لن يكون هناك اي تعايش من خلال التواصي بالحق و التواصي بالصبر.
الدين الاسلامي هو الدين الوحيد الذي يستطيع ان يلعب دورا قياديا في هذا الاتجاه لان الله قد حفظ القرآن من التغيير و التبديل و التحريف. فالأديان الاخرى قد تم تلويثها. و من ثم فإنه يمكن القول بان على المسلمين واجبا اخلاقيا في القيام نزع القداسة عن دينهم و كل ما يتصل به. فهم وحدهم القادرون على ذلك و من دون التضحية بدينهم. اما غيرهم فإنه لا بد و ان يضحوا بدينهم و هذا ما حدث في اوروبا و بعض الدول الاخرى.
لا يمكن بناء اي حضارة او تحقيق اي تنمية او اي تقدم علمي او اي انسجام اجتماعي او اي استقرار سياسي او اي تعايش ثقافي بدون الايمان الصادق الذي يقوم على الاقتناع. فالكذب لا يؤسس لأي شيء على الاطلاق و التضليل لا يغير اي شيء. فالباطل لا يبدئ و لا يعيد. فقط الحق اي الايمان الصادق هو الذي يفعل كل ذلك. و لذلك فإن القرآن قد امر المسلم ان يدعو دائما بربي ادخلني مدخل صدق و اخرجني مخرج صدق. ففي هذه الحالة فإن الله يعطي من يدعو بذلك سلطانا اي حجة تنصره في كل الظروف و الاحوال.
اذن فهناك علاقة بين الايمان الحق و العمل الصالح. العمل الصالح وفقا لتعريف القرآن هو عكس العمل الفاسد. الايمان يؤدي الى انتشار العمل و الصالح و تراجع العمل المفسد. العمل الصالح هو كل ما يبني اما العمل المفسد فهو كل ما يهدم اي كل ما يهلك الحرث و النسل. العمل الصالح هو كل ما ينمي الحرث و النسل.
اذن العمل الصالح مفيد للجميع اي للنفس القائم بالعمل و للأخرين. اما العمل المفسد فإنه مضر بالجميع اي للنفس الصادر منها العمل او الآخرين. بذلك يكون للتعايش فوائد. فالفرد مفيد لنفسه وللأخرين والمجتمع مفيد لكل افراده. اما العمل الفاسد فإنه مضر للفرد و للمجتمع كذلك.
المجتمع الذي يهتم فيه الفرد بسعادته وبسعادة الاخرين يختلف عن المجتمع الذي لا يهتم بالأخرين فيدفعه ذلك الى تدمير نفسه دون ان يقصد ذلك او حتى دون ان يدرك ذلك. اذن العمل الصالح هو اولا نابع من حب الذات و هو ثانيا نابع من حب الآخرين. الحب له طرفإن على الاقل الذات و الاخر. فلا معنى لحب يقتصر على الذات فإن ذلك تحصيل حاصل. فما من انسان بل فما من حيوان الا وهو يحب نفسه و إلاّ لمات. فاذا لم يحب نفسه فلن يبحث عما يفيدها و لا يبالي فيما يفسدها. فقد يموت من الجوع او يموت من اكل السموم على سبيل المثال.
لا يمكن ان يحب الانسان بهذه المعنى الا اذا كان صادقا اي اذا كان لديه ايمان حقيقي. اما الكاذب او المضلل فإنه لا يحب احدا اي لا يحب حتى نفسه و ان اعتقد غير ذلك لأن اعتقاده هذا سيكون كاذباً و يس حقيقياً.
فمن من عمل سواء كان نابعاً من المصلحة الذاتية او من مصلحة الآخرين فحتى يكون صالحا فإنه لا بد و ان يكون صادقا. اذن العمل الصالح يقوم على التزام اخلاقي قبل اي التزام آخر. و لا معنى لأي التزام اخلاقي إذا كان لا يؤسس على الصدق اي على الايمان الحقيقي.
ذلك ان الالتزام الاخلاقي يهدف الى اسعاد الآخرين من خلال مساعدتهم و خدمتهم و حب استفادتهم. و هو كذلك الحرص على تخفيف الآلام و المتاعب على الآخرين بكل الطرق الممكنة و كلما كان ذلك ممكنا. ولا بد ان ينبع ذلك من التزام صادق حتى يكون قابلا للاستمرار. اما في حالة الكذب فإن ذلك يتقبل بين هذه الامور و عكسها.
الايمان الصادق و بالتالي العمل الصالح لا يتحقق الا اذا كان من يتمتع به يتمتع ايضا بالحرية. اي اذا كان كل من الايمان و العمل الصالح نابعان من الاقتناع. اما من يكره فإنه لا يميز بين الصدق و الكذب و بالتالي بين العمل الصالح و العمل المفسد. انه فقط يتصرف وفقا لقناعات و رغبات الآخرين.
إن الايمان و العمل الصالح النابع من الحرية اي الاقتناع يستلزم المسئولية. و بذلك يستطيع من يتمتع بهما ان يتغلب على هوائه و رغباته و كذلك على هواء و رغبات الآخرين. المسئولية هي التي تولد التوازن بين الذات. و في هذه يتحقق العمل الصالح و يصبح قابلا للاستمرار. إنه في هذه الحالة لا يكون عابرا اي معبرا عن النزوات و العواطف الفارغة. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء (27).
المسئولية هي التي تبرر العيش من أجل الآخرين و يبعد الانانية التي هي العيش من اجل الذات. فكما انك تعيش من اجل الآخرين فإن الآخرين قد يعيشوا من اجلك. اي انه سيكون هناك تبادل للمصالح و المنافع بين البشر. و ذلك يكون البشر بشرا اي يكون لوجودهم و لوجود غيرهم معنى و مبرر. ينشا عن ذلك التعاطف و التكافل و التعايش بين الجميع.
و قد اوضح القرآن انه قد يتعدد الايمان نتيجة للجهل او غير ذلك من العوامل لكن لا يمكن ان يسمح بتعدد الايمان بسبب الكذب. فعلى الاقل يجب فضح الايمان الذي يقوم على الكذب قبل ان يتم التعايش معه. بمعنى لا يمكن أيهام اتباع الايمان الكاذب بأنهم على الحق من اجل التعايش. فلا بد من أن يقال لهم على الاقل انا او اياكم على هدى او في ضلال مبين. و لا بد ان يكون اي تعايش قائم على هذه الحقيقة. فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين.
فبعد ان يتم قول ذلك فلا مانع من التعايش على البر و التقوى اي على العمل الصالح. قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربأبا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا امنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا اولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
إن مبررات و دواعي و دوافع العمل الصالح تنبع من حقيقة وجود اعتماد متبادل بين البشر على اختلاف تنوعهم. و في نفس الوقت فإن شروط تحقيق ذلك و الوصول به الى اوسع مدى ممكن هي الايمان الصادق. لقد اثبت التاريخ أن الانسان تلك الحقيقة التي اثبتها القرآن. فلم تقم على وجه الارض اي حضارة إنسانية الا و كان الصدق اهم متطلب لانطلاقها و استمرارها. و في نفس الوقت فإن التاريخ قد اثبت كما اثبت القرآن ان انهيار اي حضارة كان بسبب الكذب و التضليل.
فالعمل الصالح النابع من الصدق هو الذي يوازن بين المصالح الخاصة و المصالح العامة. فالمصالح الخاصة كما هو معروف نابعة من الغرائز الخاصة النابعة من الحاجات البيولوجية. اما المصالح العامة فإنها نابعة من الاحتياجات النفسية للفرد ذاته. فالحاجات البيولوجية بطبيعتها صادقة و لا يمكن التلاعب بها. فاحتياج الانسان للغذاء لا يمكن ان ينكره احد لا الشخص الجائع و لا الآخرون. لكن احتياج الانسان للأمان و التقدير و تحقيق الذات يمكن للإنسان ان يخفيها او بعبارة اخرى يمكن تضليله حول حقيقة احتياجاته لمثل هذه الامور.
العمل الصالح هو الذي يشبع هذه الاحتياجات في حال كونه نابع من إرادة الإنسان نفسه و من قناعاته اي من خلال الايمان الصادق. فنفس الاعمال قد لا تشبع مثل هذه الاحتياجات إذا كانت صادرة عن طريق الاكراه او التضليل لأنها في هذه الحالة لن تكون حقيقية بل انها بكل تاكيد ستكون كاذبة.
اذن الاعمال الصالحة النابعة من الايمان الصادق هي التي لا تكون على حساب المصالح الخاصة و ان تلبي المصالح العامة و المصالح الخاصة في وقت واحد. و على هذا الاساس يمكن القول بأن العمل الصالح يحسن كلاً من المصالح الخاصة و المصالح العامة.
فما من جماعة او مجتمع او دولة او العالم كله الا و هو يحتاج الى العمل الصالح كي يتعايش برضا منه و بدون وجود اي دوافع اخرى مثل الدوافع الاقتصادية والثقافية. لكن من المهم ملاحظة ان الدوافع الدينية النابعة من الايمان الكاذب تعرقل ذلك. و تكون عرقلته اكبر اذا تحالف كل من الديني و السياسي. فالدين الباطل متحيز لاتباعه بطبيعته. و السياسية توفر لهذا الدين آلية تطبيق تحيزه على الآخرين من خلال القوة السياسية التي يسيطر عليها.
الدين الحق الذي يقوم على الايمان الصادق هو الذي يمكن من العمل الصالح. ذلك ان هذا الدين لا يميز فيما يخص العمل الصالح بين اتباعه و اتباع الاديان الاخرى. و هو في نفس الوقت يقيد السياسيين من التميز وفقا لأي اعتبارات اخرى غير إنسانية.
صحيح ان الدين الحق لا ينفرد في الحظ على الاعمال الجماعية و التي يكون من ضمنها بعض الاعمال الصالحة. لكن الصحيح ايضا ان الدين الحق هو الذي لا يميز في هذه الاعمال الصالحة بين البشر تحت اي مبرر او ظروف. هذا من ناحية و من ناحية اخرى ان الدين الحق هو الذي يتوافق مع الديمقراطية. فكما واضحاً تجربة الدولة العلمانية فإن الاديان الاخرى لا تتواءم مع الديمقراطية لأنها ببساطة تحتوي على تميز بين المواطنين على اسس دينية او مذهبية. و على هذا الاساس يمكن القول بان الدين الحق هو الذي يتواءم مع الديمقراطية. فالديمقراطية تقوم على اساس الشفافية و المساءلة. و في ظل الكذب فإن الشفافية قد تعني فضح الدين الكاذب. و كذلك فإنه في ظل القداسة التي يحتمي وراءها الدين الكاذب تنهار مؤسسات الدين الكاذب.
في ظل الديكتاتورية يتم تحجيم الاعمال الصالحة عمدا لانها تعني عدم اعتماد المستفيدين منها على الديكتاتورين مما يضعف سلطتهم. و حتى في حال الاضطرار الى القيام ببعض الاعمال الصالحة فإن المستفيدين منها هم حصرا مؤيدو الدكتاتورية اي كان وضعهم و في هذه الحالة فإن الاعمال الصالحة تستغل و تحول الى وسيلة التضليل و السيطرة.
فالتاريخ البشري الحديث حافل بعدد كبير من الامثلة و لعل امن ابرزها الفاشية و الشوفينية و الشيوعية و غيرها من التجارب التي وصلت الى السلطة من خلال الادعاء بقدرتها على خدمة مواطنيها بطريقة افضل من الآخرين. و فعلا حاولت في البداية فعل ذلك لكنها ما لبثت ان انحرفت فدمرت بلادها و تسببت في الحاق الاذى بالآخرين.
و فيما يخص الدولة العلمانية فإنه يمكن القول بأنها فعلا قد نجحت في تقليص التمييز بين المواطنين على اساس ديني لكنها في حقيقة الامر لم تنجح في تقليص التمييز على اساس سياسي اي التفرقة بين مواطنيها و مواطني غيرها او على اساس عرقي و خصوصا في حال وجود اقليات عرقية فيها. بل انه يمكن القول بأنها لم تلغ التمييز السياسي بالكامل. فالفئات المتنفذة سياسيا تستفيد من الدولة بشكل اكبر من الفئات المهمشة سياسيا لأي سبب من الاسباب.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.