مثّل وجود فئة العبيد والجواري خلال حكم المملكة المتوكلية قبل تفجُّر ثورة ال 26 من سبتمبر 1962م، إحدى المفردات النشاز التي تتناقض مع كرامة الإنسان والعهد الدولي لحقوق بكل مفرداته. وشهدت اليمن وجود العبيد والجواري كظاهرة وكفئة داخل إطار التراتبية الاجتماعية التي كانت سائدة، ولم ينحصر امتلاك العبيد والجواري على الحكام الأئمة وإنما تعدّاه إلى فئة المشائخ وفئات أخرى حسب الكاتب الصحافي محمد عبدالرحمن المجاهد. ويوضّح العزي مصلح، مدير مكتب الآثار السابق في تعز امتلاك الإمام أحمد حميد الدين آخر الأئمة الذين حكموا قبل أن تطيح بهم ثورة سبتمبر ما بين “100 - 150” عبداً، بعضهم ورثهم عن والده يحيى حميد الدين، والبعض تم شراؤهم بمبالغ مالية وبموجب صكوك بيع. وتواجد هؤلاء العبيد في كل القصور الملكية بتعز، الحديدة، صنعاء، حجة، وكذا منطقة “السخنة” منهم من كان مخصّصاً للقيام بمرافقة الإمام وتوفير كل سُبل الخدمة ك “حمل مظلته الخاصة” خاصة في الأعياد الرسمية والزيارات والمناسبات ك«عاشرنا سر» أي عاشر أيام عيد عرفة، حيث يتحرّك موكب الإمام أحمد من المقام الملكي الواقع في منطقة “العرضي بالجحملية” إلى منطقة “عصيفرة” كما أن منهم من كانوا مخصّصين للخدمة في القصور الملكية، وهو الأمر الذي كان يفرض أن يكونوا «مخصيين» حسب يحيى ضبيان. ومثّلت “الجواري” ظاهرة أخرى في عهد الملوك الأئمة، حيث كانت القصور الملكية تزخر بهن وبالأخص داخل المقام الملكي بتعز، في بيوت صغيرة جرى تخصيصها لسكنهن وإيوائهن، فيما كان غالبيتهن يقمن بأعمال الخدمة. ويقول العزي مصلح: كانت أهم جارية هي “بهية” وهي التي كانت مكلّفة بالخدمات التي كان يتطلبها القصر في تعز وبالأخص تحضير اللبن “الحقين” وكان الإمام أحمد يثق بها لإعطائه اللبن “الحقين” كما كانت تقوم بتوزيع “الحقين” خاصة في شهر رمضان لمن يريد. ويضيف: الغالبية من هؤلاء الجواري كن متزوجات ولديهن منازل في مدينة تعز وفي منطقة “الجحملية” أيضاً. ومثّلت الجواري مجالاً للتقاضي؛ ادعاء طرفين بالامتلاك والمثول أمام القضاء للفصل في الملكية، وتأتي حادثة ادعاء أحد الأشخاص على الأمام أحمد حميد الدين بملكية إحدى الجواري التي كانت في حوزة الإمام، وإصدار القضاء حكماً مفاده أحقية الإمام لملكيتها وصحة شراؤه لها، كحادثة تشير إلى ذلك. هل كان هناك جواري لدى الإمام أحمد مخصصات للوطء؟! يقول مصلح: كان للإمام أحمد ولدان هما “عبدالله والعباس” وكان يطلق عليهما «أولاد الجارية» حيث تزوّج الإمام بإحدى الجواري وكانوا أولاداً شرعيين.. وكنّ زوجات شرعيات. ليس كل العبيد والجواري غادروا اليمن إثر نجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر مع العائلة المتوكلية المالكة إلى السعودية ولندن، حيث بقي العديد منهم، وقد توفيت إحداهن “من الجواري” قبل ستة أشهر حسب قريبين منها. وبمجيء ثورة ال26 من سبتمبر؛ فإن آفاقاً للحرية انفتحت مع إعلان الجمهورية، مخرجة أفراد هؤلاء الفئة من ربقة الاستعباد.