قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    رواية حوثية مريبة حول ''مجزرة البئر'' في تعز (أسماء الضحايا)    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام.. المنافح الأول عن الثورة اليمنية!
في الندوة الفگرية التي نظمتها نقابة الصحفيين في تعز
نشر في الجمهورية يوم 30 - 09 - 2012

لعب الإعلام دوراً هاماً في فضح ممارسات النظام الاستبدادي والاستعماري الذي كانت ترزح تحته البلاد في ظل العهد الإمامي والاستعماري واستمر الإعلام في أداء رسالته الوطنية من خلال العمل على حماية الثورة الوليدة من كل المخاطر التي كانت تحدق بها وكادت أن تعصف بها وتقضي عليها وهي ما زالت في المهد، وتعددت تناولاتها المنادية والهادفة إلى إصلاح الأوضاع القائمة بما يلبي تطلعات وطموحات أبناء الشعب التواقين للعيش بحرية وكرامة.. تحت هذه العناوين وتزامنا مع احتفالات بلادنا باليوبيل الذهبي لثورة ال26 من سبتمبر نظمت فرع نقابة الصحفيين اليمنيين بتعز برعاية شوقي احمد هائل محافظ المحافظة ندوة فكرية حول “دور الإعلام في قيام الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) ومساندتها “ نستعرض لكم أوراق عمل ومحاور الندوة
الافتتاح
افتتح الندوة نقيب الصحفيين اليمنيين بتعز خالد حسان الذي أشار إلى أن الندوة تنعقد في إطار الفعاليات المواكبة لاحتفالات بلادنا باليوبيل الذهبي لقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وهي محاولة بسيطة لاستكناه الدور الذي لعبه الإعلام اليمني في إطار النضال الوطني لتحرير الوطن من النظامين الإمامي والاستعماري رغم محدودية وبدائية وسائله التي كانت متوفرة في تلك الفترة من عمر اليمن، حيث أسهم بإذكاء الحماس الثوري والوطني لدى أبناء الشعب والتهيئة والتمهيد لقيام الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر).. وبين حسان أن تاريخ النضال الوطني في بلادنا يؤكد أن الإعلام بمختلف وسائله المستخدمة آنذاك كالصحف والنشرات والإذاعة والشعر والخطابة والأناشيد الثورية وأيضاً الخطاب الديني، هذا الإعلام لعب دوراً هاماً في فضح ممارسات النظام الاستبدادي والاستعماري الذي كانت ترزح تحته البلاد في ظل العهد الإمامي (في شمال الوطن) والعهد الاستعماري (في جنوب الوطن)، واضطلع بمهمة نشر وتعزيز الوعي الثوري في أوساط أبناء الشعب وأخذ على عاتقه واجب التوعية بضرورة وحتمية تحقيق التغيير المنشود، وهو مهمة لم تكن مفروشة بالورود، بل واجهتها العديد من التحديات والمصاعب التي أدت إلى إيقاف أو إغلاق عدد من الصحف أو تلك الممارسات القمعية التي مورست ضد الشخصيات الإعلامية والثقافية التي نادت بالتغيير وقادت إلى نصر الثورة اليمنية، مشيرا إلى أنه مع قيام الثورة اليمنية استمر الإعلام في أداء رسالته الوطنية وذلك بالعمل على حماية الثورة الوليدة من كل المخاطر التي كانت تحدق بها وكادت أن تعصف بها وتقضي عليها وهي ما زالت في المهد، وتعددت تناولاتها المنادية والهادفة إلى إصلاح الأوضاع القائمة بما يلبي تطلعات وطموحات أبناء الشعب التواقين للعيش بحرية وكرامة، كما لا ننسى أن نشير إلى أن قضية وحدة الوطن كانت حاضرة وبقوة في تناولات الإعلام اليمني سواء قبل قيام الثورة أو بعدها، فقد كانت الهاجس والحلم لكل أبناء الوطن اليمني من أقصاه إلى أقصاه ونادى بتحقيقها الكثير من رواد وأعلام العمل الإعلامي والثقافي في شطري الوطن حتى قبل انطلاق الثورة اليمنية.
ليس إعلاماً بالمعنى الصحيح
عميد الإعلاميين بتعز محمد عبدالرحمن المجاهد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة السابق في المحور الأول حول “البدايات الأولى لظهور الإعلام اليمني والوسائل التي استخدمت لنشر الوعي حيث قال المجاهد: إن عهد الإمامة كان عهد عزلة ولا يعرفون إلا لغة السيف والتجهيل وإن الجهل والأمية كانت تطغى على اليمن وعدد المدارس محدودة ولا تتجاوز عدد أصابع اليد، بالإضافة إلى الكتاتيب .. وقال: إن منهج المدارس محدود فقد درست في إحدى المدارس.. وتحدث المحاضر عن العزل بين القرى والمحافظات ابتداء من الطرق مستشهداً بقول عبدالرحمن الشامي الذي أورد في كتابه «رياح التغيير».. أن الشعب ونتيجة هذه الظروف قام بالثورة.. وأكد المجاهد أنه لم يكن يوجد إعلام بالمعنى الصحيح قبل الثورة مشيرا إلى أنه ظهرت أيام الإمامة صحيفتان الأولى صحيفة “النصر” التي صدرت عام 1950م التي رأس تحريرها محمد موسى، وجريدة “ سبأ” التي رأسها وصاحب الامتياز فيها محمد عبده الشرجبي والتي كان مقرها هو نفس مقر صحيفة الجمهورية الحالي، بالإضافة إلى مجلة “ الإيمان” ومجلة الحكمة التي أصدرها الوريث وكان يملكها سيف الإسلام عبدالله شقيق الإمام وأشار المجاهد إلى أن هذه المجلة كانت تتناول شؤون الإمام وتحركاته وبعض المقالات التي لا تمس السلطة الملكية آنذاك وكانت تطبع بآلات طباعة صرندل وبدائية وغير صالحة للطباعة إلا بشق الأنفس وكانت تطبع 1000 نسخة فقط .. وأضاف المجاهد بأن الرعيل الأول من الإعلاميين واجهتهم الكثير من العقبات، ولم تكن السبل المهيئة حاليا أمامهم .. مستعرضا طرق الطباعة ورص الحروف حتى اكتمال الصفحة والصحيفة.
إذاعة ليوم واحد أسبوعياً
وبين المجاهد دور الإذاعة في ذلك العهد وكيف كانت بدايتها في اليمن حيث بدأت الإذاعة في صنعاء في العام 1946 م عندما تلقى الجيش اليمني هدية من الجيش الأمريكي عبارة عن محطة لاسلكية حملتها بعثة عسكرية إلى اليمن والتي حُوِلت إلى محطة إذاعية لاسلكية للمملكة المتوكليه، واقتصر إرسالها على يوم واحد في الأسبوع (الجمعة) وبواقع 1.15 ساعة فقط، وفي العام 1948 م عندما قامت حركة الأحرار بالانتفاضة على الحكم الإمامي فإن الوضع لم يتغير كثيراً واٌستخدمت الإذاعة كصوت للحركة وبعد فشل الحركة عاد الوضع كما كان عليه سابقاً كما استعرض نشأة صحيفتي الثورة في 28 سبتمبر1962 وصحيفة الجمهورية في 20 اكتوبر عام 1962م مشيرا إلى أن من تولى إصدار الصحيفة العديد من الزملاء منهم محمد حسين شجاع الدين وسالم زين وجعفر عيدروس ومبارك بامحرز ومحمد الشرعبي وحمود الحكيم ومحمد طربوش منوها أن محمد حمود الصرحي أول رئيس تحرير لصحيفة الجمهورية لا يزال على قيد الحياة أما البقية فقد انتقلوا إلى رحمة الله، بالإضافة إلى مطهر علي الإرياني الذي شغل مدير تحرير الجمهورية.. وقال: هؤلاء الذين كان على أكتافهم وبجهودهم تصدر الصحيفة وأصروا عليها وكشف المجاهد عن وجود صحيفة أخرى وهي صحيفة الأخبار وكانت يومية ورأس تحريرها عبدالله الأوصابي ثم خلفه محمد شجاع الدين وتوقف إصدار الصحيفة عام 1967م وتقرر إصدار صحيفة الجمهورية يوميا وكان يرأس تحريرها محمد حسين شجاع الدين ثم عبدالعزيز اليوسفي .. وفعلا كان العمل شاقا، ولكن إيمانا بالثورة وكما كان يقاتل الجنود والشعب الذين تطوعوا من كل القرى لصد الملكيين والقوى الرجعية، كان الإعلاميون يقومون بدور هام في التهيئة لقيام الثورة وقد استمر النضال حتي توقيع اتفاقية جدة عام 1970م، وقال المجاهد: كان للإذاعة دور كبير إبان قيام ثورة 26 سبتمبر في 1962 م حيث استيقظت اليمن على صوت إعلان قيام الثورة وبداية عهد جمهوري والإعلان عن قيام الجمهورية العربية اليمنية وإعلان أهدافها الستة.. مشيدا بدور الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي لبى النداء خاصة في الجانب الإعلامي حيث جند إذاعة صوت العرب لمقاومة المد الرجعي وقيام ثورة 14 أكتوبر في عدن.
أهملنا بناء الإنسان
كما قدم عبد الله أمير وكيل محافظة تعز، رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالمحافظة ورقة خاصة حول الحضور الثوري لقضية الوحدة في تناولات الإعلام اليمني قبل الثورة وبعدها حيث أشار إلى أن الوحدة لم تكن إرادة سياسية أكثر ما هي إرادة مجتمعية وهي التي فرضت نفسها على القيادة السياسية فكانت القيادة مستلهمة هذا الصدى الجماهيري وكان آمنا طريق السير عبر هذا الدرب، واضاف أمير بأن اتحاد الأدباء والكتاب هو الجسر الذي ربط ما بين الشطرين وكان من ينضوي في هذا الإطار يحس أنه أكبر من حواجز التجزئة أو الانفصال وكان كل من ينتمي إليه لا يعترف بالحواجز.. وبين أمير أن المحافظات قبل الوحدة حصل بينها توأمة رغم بساطة الحياة وكان هناك من يتشبث بالوحدة أكثر منا بكثير، موضحاً أن 22 من مايو 1990 م من العلامات المضيئة وجاء كقدر محتوم لهذه الأمة وأشرقت أنوار الوحدة وأضاءت الكهوف والسراديب التي أظلمت زمناً طويلاً، وكل الإذاعات أشارت إلى أننا لحمنا البحر وأعدنا التربة واحدة.. وظللنا نتغنى بالوحدة وأننا عدنا إلى الأصل وبقينا كأننا كل يوم نصنع الوحدة وهو ما استغله الغرباء لأذيتنا وكان يفترض أن نستبدل التغزل بالوحدة بمسألة بناء الإنسان والجانب الإعلامي بحيث يكون باستطاعته التأثير وصنع الفرق، ولما لم نقم بهذا الأمر الأهم والجوهري في بناء الوطن فقد استغل البعض ذلك لزرع وإذكاء نغمة الانفصال حتى جاءت الحرب في صيف 1994م.. إلا أنه في المحصلة النهائية فإن وحدة الوطن مثلت حضوراً قوياً في الإعلام اليمني سواء قبل الثورة أو بعدها.
من ذكريات ايلول
الإعلامي المخضرم عبده سلام الشرجبي تحدث عن دور الصحافة اليمنية في جنوب الوطن إبان الاستعمار.. ومدى الحرية المتاحة لإصدارها والتحديات التي صادفتها، حيث بدأ حديثه ببيت شعري للشاعر سليمان العيسى فقال:
للمعول الصلد عهد في سواعدنا
ألا يرد وفي ساحاتنا صنم..
مبينا أننا نرى أن الأصنام يتزايدون، فعلى الإعلاميين أن يكونوا أمناء على كلماتهم.. وقال الشرجبي: كلما أطل علينا شهر أيلول سبتمبر بأيامه المشرقة، بعث في النفوس والوجدان سيلاً من الأحداث الجسام والذكريات العظام عن تلك الأيام المجيدة التي تحدى فيها الشعب اليمني عوادي زمن القهر والظلم وعزلة شعبنا على ذلك النحو من الممارسات الظالمة التي قلما عرف لها التاريخ مثيلاً.. وذكرياتي لتلك الأيام تبدأ من مدينة عدن الباسلة.. هذه المدينة التي عرفت حضارة القرن العشرين قبل غيرها من المناطق اليمنية والتي مثلت في فترة من الفترات أنموذجاً لمعنى التعايش المدني والتجانس الإنساني المتناغم بين أجناس وديانات شتى.. هذه المدينة التي مثلت لكل أبناء اليمن شمالاً وجنوباً النافذة الواسعة والمضيئة لنطل على حضارات القرن العشرين، وما استحدث فيه من تطورات مذهلة على كافة المستويات براً وبحراً وجواً، وما استقر بداخل العقول والنفوس من مفاهيم وعلوم الدنيا والدين، في حين بقي الجزء الأكبر من البلاد اليمنية يتنازعه الحكام الطغاة وتعبث به خرافاتهم وجهلهم المقيت.. فلقد غادرت قريتي الجبلية التي تبعد عن مدينة عدن بمائة كيلو متر على وجه التقريب.. غادرتها على إثر ثلاثة أخطار مدمرة تمثلت ب: مجاعة متوحشة وجهل مظلم ومرض عضال..
رحلة الى عدن
مبيناً أن المجاعة جعلت الناس المعوزين وما أكثرهم يومذاك يقتاتون من شجر العثرب والعلفق.. وجهل جعل ولي أمر المؤمنين يعلن للناس أجمعين أن شيخ الجن قد فرّ من سجنه لذلك واحترازاً من ألا تصاب الرعية بأي أذىً من الجني «الهارب»، فعلى كل واحد أن يبصم على جبهته بدمغة قطران وبالفعل تم قراءة ذلك الإعلان في مختلف الأسواق الأسبوعية وفي مختلف المدن.. ويواصل الإعلامي عبده سلام: غادرت القرية بمعية والدي الذي جاء من عدن خصيصاً لأخذي عسى أن يجنبني المخاطر المحدقة بالبلاد والعباد.. كان الوقت عقب صلاة الفجر، وقبل بزوغ شمس ذلك اليوم التاريخي في حياتي انطلقنا نذرع الوديان والهضاب حتى بلغنا «هيجة العبد» التي تتوسط أحد الجبال الشاهقة فجلس والدي رحمة الله عليه وأخذ بيدي ولوى بهما على عنقه ثم أخذ «رديف مستطيل» فلواه على جسمي ويُبسمل «بسم الله، توكلنا على الله».. فأخذنا نهرول أو بالأصح هو يهرول ومن معه من رفاق الرحلة، حتى بلغنا منطقة «طور الباحة»، أخذنا قسطاً من الراحة، وتغدينا بما تيسر لنا من طعام.. وإذا بالمجموعة تتجه مشياً على الأقدام صوب منطقة «الشظيف» وهي فرزة الجمال، والحقيقة لم أعد أتذكر السبب الذي جعلهم يغيرون مطاياهم أهي إمكاناتهم المادية أم عدم وجود السيارات المناسبة.. وعقب وصولنا ظهراً «الشظيف» تناولنا ما تيسر لنا من الطعام، وقبل غروب شمس ذلك اليوم امتطينا رحالنا، وجعلوني على جمل بحيث تبقى رجلاي متدليتين إلى أسفل، فلم أستطع تحمل ذلك الوضع، فطلبت بل وفضلت السير على قدميَّ بدلاً من الركوب كما كنت.. ويقول: كان عمري آنذاك بين السادسة والسابعة، وسارت القافلة ليلة كاملة، حتى بلغنا الحوطة عند شروق الشمس.. وأول ما وصلنا دار سعد ومدينة الشيخ عثمان أخذت تعتريني حالة من الانبهار الشديد لما رأيت من منازل متراصة بشكل منظم، ومن طرقات نظيفة تمر عليها آليات ومركبات مختلفة، حتى مظاهر الناس كانت أنظف.. ثم واصلنا السير بمعية الوالد باتجاه بندر عدن حتى بلغنا منطقة المملاح فإذا بي أشاهد مظاهر تدعو للانبهار جملة من الصوامع الغفيرة تعلوها مراوح دائرية كبيرة تدور بسرعة، ما هذه المراوح وما دورها؟ بهذا المكان المقفر عرفت فيما بعد أنها تقوم بتكرير الملح المستخلص من مياه البحر، وبعد مسافة ثوان بالسيارة فإذا بنا نتوقف أمام طابور طويل من السيارات الواقفة أمامنا إجبارياً لأن ثمة طائرة بالسماء ستهبط وأن طريق السيارات الواقعة تمر بوسط المطار ولأول مرة أشاهد الطائرة وهي تهبط، وعقب هبوطها مررنا وشاهدنا عدداً من الطائرات تقف على جوانب من مبنى المطار.، واصلنا سيرنا باتجاه المعلا حتى بلغنا سكن الوالد في «حجيف» وهذا السكن عبارة عن عمارة واسعة يسكن بها عدد كبير من عمال الشحن والتفريغ الذين يقومون بإفراغ البضائع من البواخر القادمة من خارج البلاد، وشحن البواخر التي تأتي لشحنها بالفحم الحجري وهو يمثل الوقود للعديد من البواخر.. ويقع السكن المشار إليه الذي يسكن فيه العمال بجانب محطة الكهرباء فلا أدري ما إذا كانت تعمل أم لا، وأذكر حينها أن المحطة كانت توفر لكافة عمال المنطقة حاجتهم من المياه المكررة أو المحلاة حيث كان بها أجهزة للتحلية.. وفي اليوم التالي خرجت أتجول مع أحد المعاريف فشاهدنا البواخر بأشكالها المختلفة وشعرت مدى الفارق الكبير بين حياتنا في شمال البلاد وجنوبه.
الإعلام دور وطني
وبين الشرجبي أن الصحافة اليمنية في جنوب الوطن قد لعبت دوراً وطنياً وأفردت صفحاتها لكل كاتب وباحث وناقد لأن يدلي بدلوه تجاه الثورة اليمنية، ويعبر بكل جدية عن رأيه، وما يختلج بصدره وعقله من تصورات وآراء.. وقد ازداد هذا الدور للصحافة اليمنية بالجنوب في أعقاب ما أخذت تطرحه من شعار وطني الحركة الوطنية بالجنوب والمؤتمر العمالي الذي كان يمثل قاعدة شعبية عريضة أخافت وأزعجت قوى الاحتلال البريطاني، فقد رفع آنذاك شعار «اليمن الطبيعية» والذي كان يعني أن جنوب البلاد جزء من اليمن.. والحقيقة أن الاستعمار البريطاني لم يكن ليعبر عن خوفه من ذلك الشعار لو لم يكن قد تزامن مع جملة من الأحداث التي حدثت بالوطن العربي وبوجه خاص قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م في مصر وما كانت تطرحه من أهداف وشعارات تهدف للوحدة العربية وإجلاء الاحتلال من كافة أقطار الوطن العربي..تلك الأهداف لثورة مصر هي التي جعلت قوى الاحتلال تشد من قبضتها على أن يبقى الجنوب بمعزل عن أي تقارب مع الشمال.. لا سيما بعد أن قامت ثورة يوليو باستحداث وسيلة إعلامية تحمل اسم «صوت العرب» فهذه المحطة الإذاعية بمديرها المذيع «المفوَّه» صاحب الصوت المجلجل أحمد سعيد قد كانت بمثابة الناقوس الإلهي الذي لم يوقظ ملايين العرب من سبات نومهم وحسب وإنما الصوت العربي الفصيح الذي يخاطبهم بلسان عربي يفقهون ما يقوله ويعنيه من خطاب عصري جديد لمعنى الحرية ولمعنى الكرامة ولمعنى العبودية والاستعمار، وهذا الصوت كان لوحده يكفي بدون أي عناء أو اقتناء لأية صحيفة أو مطبوعة.. كان لوحده يكفي لإحداث ثورة جبارة عارمة بداخل كل عقل وصدر من صدور أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، حيث كان الناس يتجمعون من بعد عصر كل يوم ويلتفُّون في حلقات بالمنتديات والمقاهي والميادين وبداخل البيوت للاستماع لأي أمر أو موضوع جديد يأتي به هذا الساحر الجديد وصوت مديره «أحمد سعيد».
ولذلك فقد حرصت معظم المنظمات والهيئات الوطنية عندما يعن لها أو تريد أن تبعث بأي توجيه أو توضيح للرأي العام الدولي أو المحلي فلم يكن أمامها من سبيل إلا أن تبعث بما تريده وترغب فيه إلى محطة صوت العرب، وإذا ما أعلنت القيادات النقابية بالمؤتمر العمالي عن أي إضراب عن العمل في أي يوم كان، فكان يكفي إذاعة ذلك الخبر من هذا الصوت ليعم الإضراب كافة المصانع والمنشآت، وأما إذا كان ثمة إعلان عن إضراب عام لكافة المحلات التجارية والشركات والهيئات الحكومية فكان ذلك يوماً عسيراً لحكومة المستعمر حيث كان المرء بيوم الإضراب لا يمكن أن يجد أي محل تجاري مفتوح أو أي مرفق من مرافق الحكومة وكان العمال والموظفون لا يغادرون بيوتهم، فكان الشلل يصيب حركة البلاد كاملة حتى وسائل النقل العام، وكان هذا الأمر يزعج سلطات الاحتلال أيما إزعاج ولا سيما عندما تتوقف عنهم الكثير من الخدمات العامة، ولكي يتسنى للمرء معرفة مستوى الوعي الذي كانت عليه مستعمرة عدن في هذا الوقت الذي صادف وصولي إلى هذه المدينة وكيف تدرجت الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية بحكم الحراك الداخلي والخارجي وخاصة التطورات السياسية التي جدت بالوطن العربي في أعقاب ثورة مصر 1952م وما تلاها من أحداث وتطورات سياسية على مستوى قارتي أفريقيا وآسيا حيث شهدت هاتان القارتان تطورات أذهلت كبار مراقبي العالم.. فأعود لموضوع صاحبة الجلالة الصحافة وإلى ذلك التاريخ الذي صادف نزول كاتب هذه السطور لأول مرة إلى هذه المدينة الساحرة آنذاك وأعني في أنني قد كنت يومذاك عجينة طرية صافية من أية شوائب.. فعرفت التاجر اليهودي والهندي والفارسي والبوذي والمسيحي وكل هؤلاء كانوا في حالة من التعايش السلمي والعيش المشترك وكدت أتيقن من ما يسودهم جميعاً ذلك الحديث الشريف للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: «الدين المعاملة»..
نضال رغم التحديات
أما بشأن التحديات التي كانت تواجه الصحافة الجنوبية إبان حكم الاستعمار البريطاني فقد تمثل هذا التحدي بقانون المطبوعات الصادر في 3 يوليو 1939م والذي كان برقم «27».. وفي الختام إذا كان لي من كلمة أختتم بها حديثي هذا فهي أن معظم الصحف قد كانت مع الثورة اليمنية ومن هذه الصحف «البعث والنهضة والأيام وفتاة الجزيرة والفجر والزمان والنور» وأبرز الكتُّاب الذين كانوا قد أبلوا بلاءً حسناً بكتاباتهم: عبدالله باذيب عبدالعزيز نصر رحمة الله عليهم كافة وإن نسينا فلن ننسى المرحوم محمد سعيد مسواط.
اول مطبعة أول صحيفة
المحور الخيرة تناوله منصور عبدالواحد زاهر حول الصحافة الوطنية ودورها في صناعة التحولات الثورية قبل ثورة 26 سبتمبر حيث قال: ارتبط نشأة الصحافة وتطورها باختراع الطباعة وتقدمها المستمر ميكانيكياً وفنياً وبالتالي لا يمكننا الحديث عن الصحافة ونشأتها في أي بلد دون الحديث عن الطباعة وقد عرفت صنعاء المطابع على يد العثمانيين الذين كانوا يحكمون شمال اليمن فوصلت أول مطبعة إلى صنعاء في العام 1872 وأطلق عليها اسم (مطبعة الولاية)، وقد كانت تطبع باللغتين العربية والتركية، إضافة إلى طبع المطبوعات الرسمية، كما أن صنعاء شهدت أول صحيفة مطبوعة على شكل نشرة وسميت (يمن) التي أصدرها الوالي العثماني مختار باشا باللغة التركية وفي أربع صفحات.. ثم صدرت صحيفة صنعاء في العام 1878 بناء على توجيهات السلطان عبد الحميد الثاني والذي وجه بأن يكون لولاية اليمن صحيفة أسوة ببقية الولايات التابعة للإمبراطورية العثمانية، وكانت تصدر باللغة التركية وتعتبر أول صحيفة تصدر في شبه الجزيرة العربية بصفة أسبوعية حتى عام1882م حيث أصدرت باللغة العربية واللغة التركية في أربع صفحات مناصفة، وكان مقاس الصحيفة طول 50 سنتميتر وعرض 32 وكان عدد أعمدتها خمسة وبجلاء الأتراك عن اليمن في 1918 توقفت الصحيفة عن الصدور، وبقيت المطبعة مغلقة حتى عام 1926 م.
الصحافة المتوكلية
أما عن الصحافة في عهد الدولة المتوكلية فيقول: قرر الإمام يحيى إصدار صحيفة جديدة امتدادا لصحيفة صنعاء التي كانت تصدر في العهد العثماني فصدر العدد الأول من صحيفة “الإيمان “ في أكتوبر 1926 في صنعاء، كانت صحيفة شهرية تابعة لنظام الحكم الإمامي، تحت إشراف الإمام يحيى وبعده نجله الإمام احمد، يرأس تحريرها رئيس الديوان الملكي. احتوت في اعدادها على مقالات مادحة للنظام، والقرارات الصادرة عن الإمام إضافة إلى القوانين المشرعة من قبله. أغلقت في عام 1957 بعد 30عاما من الصدور غير المنتظم. وبعد وصول الإمام احمد إلى الحكم ونقل عاصمته إلى تعز اصدر جريدة النصر وصدر العدد الأول منها في 19/فبراير/1950 من مدينة تعز وعين طلعت يعقوب الفطين وهو أحد الشباب الفلسطينيين المقيمين في شمال اليمن في ذلك الوقت. وتعتبر النصر الناطقة الرسمية باسم النظام الإمامي قانوناً وموضوعاً وتمويلاً. ولا تختلف عن صحيفتي الإيمان وسبأ التي صدرت من تعز أيضاً واصدرها محمد الشرجبي بأي شيء، سواء في الشكل أوالمضمون، توقفت في 30/أغسطس/1962 قبل أيام قلائل من قيام ثورة 26/سبتمبر/1962، بعد أن أصدرت 287 عدداً. عاودت الصدور بعد الثورة وسميت صحيفة الجمهورية.
الحكمة تهز عرش الإمامة
أما مجلة الحكمة الرسمية فقد رضخ الإمام لضغط دعاة الإصلاح والذي أعقب الحرب اليمنية السعودية وما انتهت اليه من اتفاق سمي اتفاق الطائف في العام 1934 م فقرر إصدار صحيفة جديدة علها تكون متنفساً لهم وأطلق عليها اسم مجلة الحكمة اليمانية و صدر العدد الأول منها في ديسمبر1938 من صنعاء ورأس تحريرها أحمد عبدالوهاب الوريث، وهي مجلة علمية جامعة، وزع العدد الأول منها مجاناً نظرا لزيادة نسبة الأمية (التي وصلت معدلاتها إلى 99 % في ذلك الوقت) وللتعريف بالمجلة في أوساط الكتاب والمثقفين. كتب فيها العديد من الشخصيات المتعلمة المنحدرة من العائلة الحاكمة التي لقيت نصيبها في التعليم والتي كانت تعارض سياسة ذلك الحكم. وتميزت بتنوع المقالات والتحليلات وتناولت النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنوعت فيها الأخبار من داخلية إلى خارجية، من أخبار مجردة إلى أخبار ذات التعليقات المطولة التي تهدف إلى إصلاح الوضع الاقتصادي والاجتماعي. إضافة الى موقفها الوطني الوحدوي نحو كل مناطق اليمن. وكان الإمام احمد يتحيز الفرصة لإغلاق هذه المجلة بسبب معالجاتها وسياساتها المعارضة حتى أتت الحرب العالمية الثانية التي أعطته الفرصة لإغلاق هذه المجلة بعذر قلة الورق وندرته أحيانا بسبب الحرب مما أدى إلى إغلاقها في مارس 1941 في العدد 28. وبعدها توقفت تماماً عن الصدور. ورغم توقفها في منتصف الحرب الكونية الثانية فقد امتدت تجربتها وأثرها في البريد الأدبي وهي مجلة خطية اطلق عليها (البريد الأدبي) يتناقلها المثقفون أسبوعياً بين مدن اليمن كالحديدة وصنعاء، وتعز وذمار. وتوقفت سنة 1376ه.وصدرت مجلة خطية أخرى اطلق عليها “الندوة “ورأس تحريرها احمد الشامي لاشك أن مجلة الحكمة اليمانية قد مثلت قفزة نوعية في الحياة الفكرية والأدبية والسياسية فالحديث عن ولادة التجديد الفكري والأدبي والسياسي وبداية الصحافة يبدأ من هذه المجلة الرائدة التي يؤرخ بها بحق لميلاد فكر جديد مختلف نوعياً عن الفكر السائد في المتوكلية اليمنية.. كما أن مجلة الحكمة كانت وبحق الشرارة التي انطلقت منها مشاعل النور في داخل الشمال اليمني المغلق او في الجزء الجنوبي من الوطن ويمكننا التأكيد على ان مجلة الحكمة هي اول وسيلة اعلامية هزت عرش الإمامة في شمال الوطن.
الطليعة في تعز
وفيما يتعلق بأول صحيفة صدرت من تعز فقد اشار زاهر إلى أن صحيفة الطليعة صدرت في مدينة تعز بتاريخ 14/أكتوبر/1959 من مكتب تحرير الجنوب اليمني. وأصدرها عبدالله باذيب بعد أن هرب من عدن إلى تعز ليؤسس هناك مكتبا لتحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني، وقد رسمت من ذلك الهدف خط سياساتها التي ناضلت من أجلها، واستفاد باذيب من طموح الإمام في تفويضها لتقديمه للساحة اليمنية والعربية على صورة الرجل التقدمي الذي يحلم بالوحدة العربية بما يتماشى وطبيعة تلك المرحلة التي كانت زاخرة بالأحداث القومية واعلان الوحدة (المصرية السورية) بعد أن طلب الانضمام إلى (الاتحاد العربي) وتأسيس حركة عدم الانحياز الأمر الذي ساعد في إعطائه ترخيص الصدور سريعاً. إلا أن الإمام سرعان ما شعر بأن الصحيفة تحولت إلى داعية تغيير يمس نظامه فعمل على إغلاقها بإيعاز ايضاً من الدوائر الاستعمارية الغربية لما كان يمثله باذيب من مواقف متشددة ضدها والتي تعده من مؤسسي الماركسية في الشرق الأوسط فتم إغلاقها في 1960 بعد أعداد قليلة من الصدور وزمن لا يتجاوز العام الواحد، وتجربة الطليعة ينبغي أن تقرأ في إطار التحولات التي شهدها الوطن العربي بعد حرب السويس. وبداية التبدلات الدولية بعد ظهور كتلة عدم الانحياز والتوجهات الجديدة في الثورة القومية بزعامة جمال عبد الناصر. وكان باذيب من أكثر المفكرين إدراكاً لدلالات وأبعاد المتغيرات العربية والدولية.
البداية عام 1853م
واشار الأخ منصور إلى أن بداية عهد اليمن عموماً مع الطباعة كانت في العام 1853 عندما أدخلت سلطات الاحتلال البريطاني الى عدن أول مطبعة وذلك لتغطية احتياجات إدارتها في المستعمرة كما بعثت عدداً من المحكوم عليهم بالسجن إلى الهند للتدريب على عملية الصف اليدوي وذلك لتشغيل المطبعة والتي كانت تطبع باللغتين العربية والإنجليزية. وعلى الرغم من ان الإنجليز يمتلكون ارثاً صحفياً كبيراً الا انهم لم يدخلوا الصحافة الى جنوب اليمن الا مع الحرب العالمية الثانية ينشروا من خلالها أخبارهم ويروجون لسياساتهم وانتصاراتهم في الحرب العالمية الثانية مما يزيد من انسجام خططهم السياسية والإعلامية الرامية إلى إحكام القبضة على المحميات البريطانية في الجنوب اليمني؛ ومن هذه النشرات الرسمية الصحافة الرسمية الصادرة عن الاحتلال البريطاني.
1 جريدة محمية عدن: وكانت تصدر باللغة العربية والإنجليزية وصدرت باللغة العربية ابتداء من مطلع عام 1939 وكانت موضوعاتها تتركز بالتعيين والترقيات وأخبار السلطة الاستعمارية الرسمية وأخبار المحميات وقضايا الزراعة وبعض الدراسات القصيرة وأخبار قمع السلطات الاستعمارية للانتفاضة في المحميات وقضايا طبية وبعض الإعلانات.
2 صوت الجزيرة (عدن): صدرت في عام 1939 باللغة العربية، تغطي أخبار وانتصارات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
3 الصقر البريطاني: صدرت في 1941 وهي نشرة باللغة الإنجليزية تغطي أخبار سلاح الجو البريطاني وتمجد انتصاراته وحيازته للطائرات المختلفة.
4 الأخبار العدنية: صدرت باللغة العربية وقامت بتغطية الأخبار الرسمية والقوانين والتعيينات والأحداث الجارية في عدن والمحميات والوطن العربي والتعليقات السياسية ومقتطفات من تعليقات الصحف.
فتاة الجزيرة
وحول الصحافة الموالية للاحتلال تحدث الباحث بالقول: أول صحيفة وطنية صدرت من مدينة عدن كانت صحيفة «فتاة الجزيرة»و صدر العدد الأول منها في 1/يناير/1940 وهي جريدة أسبوعية تصدر كل يوم أحد؛ وتحولت الى لسان حال الجمعية العدنية التي تأسست العام 1949 م . اسس صحيفة “الفتاة “ المحامي محمد علي لقمان. وعلى الرغم من أن “فتاة الجزيرة “ كانت مغلقة على عدن وتعتبر كل ما هو خارج دار سعد أجنبياً وترفع شعار “عدن للعدنيين “ إلا أنها لعبت دوراً تأسيسياً للصحافة العدنية بخاصة وكانت المدرسة الأولى للصحافة اليمنية عموماً فقد فتحت صفحاتها الاقلام الأحرار اليمنين (مطيع دماج والزبيري والنعمان وعقيل عثمان) لنقد الحكم المتوكلي وتعد الصحيفة الأولى التي تبنت ودافعت عن حركة الاحرار ووجهت انتقادات قاسية للإمامة المتوكلية كما تبنت مطالب وشكاوى ابناء الشمال الفارين من جحيم المتوكلية اليمنية. كما أن صحيفة «صوت اليمن» التي صدرت في 23 اكتوبر 1946. قد ولدت أعدادها الأولى في مطبعة «الفتاة» وكان المحامي محمد علي ابراهيم لقمان الأديب والكاتب ممن دافع وحمى الأحرار وكتب كتيباً عن 48 بعد الانتكاسة. على الرغم من أن البعض يطرح أنها كانت تتبنى السياسة الاستعمارية و تنوعت وتعددت القضايا التي عالجتها هذه الصحيفة على الصعيدين الشمالي والجنوبي كما وردة في أخبارها وتعليقاتها مواضيع عن دولة العواذل التي كانت تتمتع بحكم ذاتي تابع للتاج البريطاني في أرض حضرموت، إضافة إلى عرضها للأحداث الدولية والعربية واستحداثها لباب أسمته بالبريد أو التلفون ويعنى بهموم المواطن المختلفة. كما تضمنت أبواباً للإعلان وللمقالات والأخبار المتفرقة. توقفت عن الصدور في عام 1967.
2 صحيفة اليقظة صدر العدد الأول منها في 1/يناير/1956 وهي أول صحيفة يومية تصدر في عدن واليمن بأكملها، كما أنها كانت أول من أدخل نظام العدد الأسبوعي الخاص، حيث كانت تصدر كل أحد ملحقاً من ثماني صفحات.
احتوت في مضامينها على الأخبار العامة اليمنية والعربية والعالمية. كما أنها خصصت عموداً ثابتاً للمرأة، إضافة إلى المقابلات والمقالات ورسائل القراء. كذلك اهتمت بالجانب الرياضي وخصصت له ركن أسبوعي. إضافة إلى الإعلانات و أهم الأحداث مهدت اليقظة لقيام الحزب الوطني الاتحادي وكانت تنهج خط الحكم الذاتي لعدن فقط الأمر الذي جعلها في حلقة الموالين للاستعمار، وقد وضح موقفها السياسي الداعم للبريطانيين عند قيام ثورة 26 سبتمبر في الشمال، فقد هاجمت الثورة ووصفتها بألفاظ لا تليق بها. بل وصل بها الحد إلى إعلان العداء السافر على الثورة المسلحة في الجنوب التي تفجرت في 14 /أكتوبر/ 1963م مما دفع بفدائي الجبهة القومية الثائرة إلى إحراقها مع مطبعتها بعملية فدائية عام 1964، ولم تعاود الصدور مرة أخرى.
مناهضة الاستعمار والاستبداد
أما الصحافة الوطنية المناهضة للاحتلال البريطاني والحكم الإمامي فقد عددها زاهر:
1 صحيفة “صوت اليمن “ صحيفة أسبوعية صدر العدد الأول منها في 31/أكتوبر/1946 في عدن، ولها خصوصية في كونها أول صحيفة شمالية معارضة للحكم الإمامي في شمال اليمن تصدر من عدن تجنباً لبطش الإمام و أسسها القاضي الشهيد محمد محمود الزبيري و كانت لسان حال الجمعية اليمنية الكبرى (حركة الأحرار اليمنيين كما كانوا يطلقون على أنفسهم).. وتعتبر صوت اليمن أول صحيفة يمنية مارست العمل الصحفي الحديث كاملا، فلا يخلو عدد إلا وكان يحوي مقالات وتعليقات وأخبارا وتحليلات للأوضاع المحلية والعربية والدولية، إضافة إلى أنها أول صحيفة يمنية استخدمت فن الكاريكاتير في النضال السياسي عبر إبراز عيوب الحكم الإمامي المتوكلي في الشمال بشكل ساخر وجاد. كما أنها أضافت صفحات غير ثابتة تناقش فيها اوضاع الجاليات اليمنية في أماكن تمركزها الرئيسية (الخليج، السودان، أثيوبيا، الصومال).. تم إغلاق الصحيفة في عدن بأمر من السلطات البريطانية وبطلب من الإمام في عام 1948.. عاودت صحيفة «صوت اليمن» الصدور في 15/أغسطس/1955 من القاهرة. بعد الثورة المصرية في 1952. وعادت بنفس الشكل والمضمون مع تطور فني في الإخراج ويرجع ذلك لتطور الطباعة في القاهرة وكان مكتب الاتحاد اليمني هو المسئول عنها. صاحب امتيازها كان القاضي الشهيد محمد محمود الزبيري، إلا أن الصحيفة لم تعمر طويلاً في مرحلتها الثانية، حيث أغلقت في 24/أكتوبر/1955 بأمر من السلطات المصرية بعد أن دخل الإمام مع مصر في حوار حو ل الاتحاد ( الاتحاد الذي كان يضم مصر وسورية ) وقيل حينها إن حروف العدد الحادي عشر من صحيفة صوت اليمن فك بعد أن كان قد أعد للطبع.
2 النهضة: صحيفة أسبوعية صدر العدد الأول منها في عام 1949. تعتبر أول صحيفة تدعو بوضوح إلى وحدة أبناء الجنوب ضد الاستعمار البريطاني.
ساعد على ذلك عودة الطلبة اليمنيين الذين أكملوا دراستهم في القاهرة عقب نكبة فلسطين في 1948 م وهم في حالة استياء واستنكار مما دفع بهم إلى تأسيس حزب (رابطة أبناء الجنوب) وصحيفة أسموها النهضة وكانت لسان حال هذا الحزب، وقد دعت إلى حكم ذاتي يشمل الجنوب العربي اليمني كاملاً وهاجمت صحيفة فتاة الجزيرة ومن سار على ركبها في المطالبة بحكم ذاتي لعدن وحدها وقد أطلقت على أولئك لقب الانفصاليين.
كان الكتاب في صحيفة النهضة يكتبون مقالاتهم تحت تسميات مستعارة (كابن الجنوب أو العدني العربي ) خوفاً من بطش سلطات الاستعمار. وقد وصفها الكاتب الصحفي عبد الرحمن خبارة قائلاً: طوال سنوات النهضة الخمس كانت ناراً ونوراً على السلطات والاستعمار، وأنارت طريق الشعب ونشرت بالتفاصيل حول كل التوراة التي كانت تندلع من وقت لآخر في المناطق الجنوبية. ومنها انطلق المفكر الماركسي عبد الله باذيب احتوت الصحيفة على العديد من المقالات والأخبار الرياضية والثقافية وأبواب وأعمدة للقراء، أغلقت في عام 1955م لانزعاج الإدارة الاستعمارية منها.
2 صحيفة الفضول: صدرت في عدن 15/ديسمبر/1948، كانت تعنى بشؤون الشطر الشمالي من اليمن، وهي صحيفة عربية حرة جامعة، اتخذت من الفكاهة والسخرية أسلوباً عاماً لمعالجة وطرح أغلب القضايا المطروقة من قبلها؛ كان إصدارها عقب حركة 1948م وبعد اعدام الإمام أحمد أعضاء حركة المعارضة بعد فشل حركتهم الانقلابية، وما تلا ذلك من جو من الإرهاب والبطش والملاحقة لعناصر الحركة الوطنية المعارضة. فأصدر عبد الله عبد الوهاب نعمان (الذي كان على صلة بحركة المعارضة في شمال اليمن) هذه الصحيفة، وقد عرفها قائلا: هي جريدة إمبراطورية مستقلة ذات سيادة، فهي لسان حال الطفارى والزعالى ومخازيق الجيوب ومن هذا التعريف يتبين لنا خط الفكاهة السياسي الذي سلكته هذه الصحيفة،وعلى الرغم من ميلها إلى حركة الأحرار اليمنية في الشمالية إلا أنها لم تقتصر في معالجاتها للقضايا الشمالية فقط، بل تناولت قضايا(عدن، والمحميات) ولم تعتبر نفسها ملزمة بخط سياسي ولم توالي تجمع سياسي مما يضفي عليها طابع الصحيفة العامة التي تصدرها شخصيات وطنية، ولكن الفضول ورغم النجاح الذي حققته كانت تفتقر للتبويب والأبواب الثابتة، كما أنها احتوت على شيء من النعرات الطائفية والمناطقة. وأدى الطابع الفكاهي السياسي الذي انتهجته الفضول إلى إثارة نقمة الإمام أحمد عليها مما جعل عناصر المعارضة تطلب توقيفها لتحقيق تسوية سياسيه بشأن الأسرى القابعين في سجون الإمام، إضافة إلى توجس السلطات الاستعمارية البريطانية منها، وما عانته من مشاكل مادية أدى إلى توقف هذه الصحيفة في عام 1953 بعد إصدار 157 عدداً.
دور صحافة المهجر في الثورة
وأخيرا اختتم الأخ منصور ورقته بالحديث عن صحافة المهجر حيث قال: يمكن تقسم صحافة المهجر الى جزئين الأول الصحافة التي أصدرها الأحرار في الخارج، والثاني الصحافة التي اصدرها المهاجر ين الحضارم بعد إغلاق حزب الاحرار وعودة البعض من قيادة الاحرار إلى تعز عام 1945 الشباب العدني المثقف وعلى رأسهم المحامي محمد علي لقمان والمهاجرين اليمنيين دعموا الاستاذين الزبيري والنعمان وشجعوهما على البقاء في عدن بعد أن قررا العودة إلى تعز بعد اغلاق حزب الاحرار وانقسام قيادة الحزب على نفسها، وبفضل المساندة من هؤلاء الجنود المجهولين كان أول ما قاوموا به هو الاستمرار في إصدار جريدة الصداقة الاسبوعية من القاهرة كجريدة ناطقة باسم الاحرار. اليمنيين واصدار مجلة الرابطة العربية الشهرية. وقد تمكن الاحرار بواسطة جريدة الصداقة ومجلة الرابطة العربية من نشر سلسلة مقالات للأحرار اليمنيين عن الوحدة اليمنية. ففي الصداقة نُشر بحث بعنوان «الوحدة اليمنية ضرورة لابد منها» في سلسلة مقالات، وفي مجلة الرابطة العربية نُشر بحث اخر تحت عنوان «بين اليمن وبريطانيا» وفيها نشر كتاب «اليمن ظاهرها وباطنها» على حلقات. كما نشر كتاب اليمن المنهوبة المنكوبة كانت جريدة «الصداقة» ومجلة الرابطة العربية ترسلان من القاهرة إلى كل من عدن والحبشة وشرق إفريقيا وغيرها بانتظام، ومن عدن كانت ترسل إلى صنعاء وتعز والحجرية وإلى حجة أو سجن حجة (8).صحافة المهاجرين الحضارم تميزت في حفاظها على الهوية، وعلى الروح العربية الإسلامية لهذه المهاجر وربطها بالموطن (حضرموت) والفكر العربي الاسلامي، يقول الفقيد عبدالوهاب المؤيد في ذلك الدور «نستطيع القول بكثير من الثقة والتأكد والصدق إن اليمنيين الحضارم هم وحدهم من بين اليمنيين الذين يستحقون صفة أو لقب رواد الصحافة اليمنية سواء في الوطن أو المهجر، إضافة إلى أنهم في المهاجر بالذات رواد في مبادرات وخطوات وغايات أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.