شدني العنوان كثيراً عندما تصفحت خبراً يفيد بأن كاتب الرواية يعتبر أول عربي تدرس أحد روايته ضمن برنامج دراسي في استراليا، بدأت بالاطلاع حول أعمال هاني نقشبندي، وشدتني العناوين المتنوعة لروايته البديعة، غير أن عنوان هذه الرواية بالذات جذبني لعالم القراءة في موسوعته، فأبحرت فيها وتفاصيلها التي أجابت عن تساؤلات كثيرة حول ثوراتنا التي لم تنتهِ بعد. رواية نصف مواطن محترم، من الروايات التي لخصت مشهد الثورة وغضب المواطن البسيط بأسلوب ساخر، ولكن من زوايا عدة، فزاوية الحاكم المتسلط رئيس المحفل وصندوقه السحري تجسد لنا عنجهية الحاكم العربي وجبروته المصطنع الذي يسقط كل لحظة من الخوف، ويعتمد على البطش في استمراره، كما تأتي زاوية الأتباع (أعضاء المحفل) لتلخص لنا دور الحاشية التي تغري الحاكم بمزيد من البطش والجبروت، ودور الحكيم الذي يعتبر صوتاً وحيداً ومنبوذاً في المحفل، كما يحدث في البلدان العربية، فالحاكم لا يسير الوضع إلا وفق السياسات التي تضمن بقاء حكمه، وأعجبتني شخصية (عضوة المحفل) التي ينقل الكاتب من خلالها السلام الذي تطمح له المرأة بطبيعتها، وزاوية المواطن البسيط الذي يعتبر بطل الرواية ككل. تقع الرواية في فصلين، يتحدث الأول بشكل مفصل عن المحفل الذي يعتبر فكرة رمزية للعالم المخملي البعيد الذي يعيش فيه الحاكم، وماذا يدور هناك، كما يسلط الفصل الأول الضوء على شخصية المواطن المسكين الذي يجسد الشعب ومعاناته من انعدام أبسط الحقوق، كما تسير بنا أحداث الرواية بشكل قريب من معاناة الشعب الذي نعيش واقعه وفصوله، من فساد ورشوة حتى في الجانب الصحي، من الثورات التي تشطرت بسبب الجهل، فكما يهتف هنا أناس من أجل حقوق يهتف هناك أناس من أجل الحاكم! تماماً كما يحدث في واقعنا المعاش، وفي الفصل الثاني والذي حمل عنوان (عضو جديد) ويتحدث بشكل مفصل عن معاناة المواطن الذي قبض عليه بتهمة خيانة الوطن وبالعمالة وبامتلاك جهاز خطير يهدد أمن الوطن، رغم أن جهازه الخطير لم يكن سوى غسالة الملابس المتآكلة التي يحاول أن يصلحها من أجل زوجته المتعبة، كما يثير هذا الفصل تساؤلات حقيقية لدى القارئ حول ما الذي يمكن أن يقوم به أي مواطن عادي إذا وصل لسدة الحكم، هل من الممكن أن يكون كبطل هذه الرواية، أم من المكن أن يكون حقاً بطلاً أسطورياً يستطيع التغلب على سطوة ولذة ملمس كرسي السلطة؟ الرواية على مستوى الفكرة تعتبر فكرة اعتيادية نعايشها في واقعنا، غير أن تسلسل الأحداث والانتقال بين زوايا الشخوص التي تمثل تلك الأحداث أضاف طابعاً درامياً إبداعياً للفكرة، خصوصاً عندما يتيح للخيال مساحة واسعة من حيث الوجود في النص، من ناحية الأسلوب، تدور الرواية بشكل متواز بين الراوي الداخلي والخارجي وفق ما يقتضيه الحدث، غير أن الحوار هو الأسلوب الذي طغى على مشهد الأحداث ككل، ربما لأن الكاتب يريد أن ينقل صورة ما يحدث بألسنة تلك الشخوص لتكون أقرب للواقع. أبدع الكاتب في اختيار الشخوص ، سواء من فئة السلطة أو من فئة الشعب، فمن ناحية السلطة، يأتي وصف أعضاء المحفل ليقرب الصورة أكثر بشكل يكاد يتطابق مع الواقع بشكل درامي، أما من ناحية الشعب، فالمواطن بطل القصة لم يحمل اسماً ليكون هو كل واحد منا، مع اختلاف الأحداث وطريقة التصرف، كما أن تسلسل الأحداث وإنسانيتها يخلق جواً حميماً بين القارئ والنص، حتى لكأن القارئ يشعر أنه هو المواطن المسكين هذا، غير أن الخاتمة الصادمة تجعلنا نعيد حسابنا بالاندماج الذي كنا قد كوناه مع شخصية المواطن، وأعتقد أن الخاتمة على رغم قتامتها إلا أنها تعتبر خاتمة جديدة وموفقة؛ لأنها تخلق تساؤلاً عميقاً لدى القارئ، هل بالفعل يمكن أن يتصرف أي مواطن بهذه الطريقة فيم إذا وصل لسدة الحكم؟!! الواقع يخبرنا أنه ربما يكون أسوأ من ذلك، فحكامنا العرب وصلوا من رحم معاناة الشعوب ومع ذلك اضطهدوا شعوبهم..!