في كتاب أنيق صورة غلافه لوحة فنية بديعة للفنان الفرنسي ريتيه مارغريت وهو عمل شعري بعنوان ( أعلنت عليك الحب ) للروائية والشاعرة السورية غادة السمان الأنثى المتمردة والعابرة التي تدعو للتوحد العاطفي والعاشقة إلى حدود المستحيل.. بنت دمشق وقد حاكت في أعمالها كل الجوانب التي تهمس في الروح فتطرّقت للسياسة و الوطن و الغربة و الحرب و الحب و العلاقات و العادات الاجتماعية اليومية.. لكن الحب الذي طغى علها في أغلب أعمالها وهي تحاكي بقرب والوفاء للرجل فأصدرت أول أعمالها مجموعة قصصية حملت سم (عيناك قدري) واستمرت بالثوران العاطفي, حتى أطلقت أبلغ وأقرب كتاب للرجل الذي يصقل بها ويعيد شخصيته وثقته العاطفية واتصاله الوجداني بالمرأة وثمثلَ هذا في كتاب أعلنت عليك الحب عام 1972م.. عاشت غادة السمان روائع العشق بكافة تفاصيلها التقليدية والكلاسيكية حتى بعد وفاة زوجها بشير الداعوق الذي ترك أثراً كبيراً عليها وعلى كتابتها.. وفي هذا الكتاب أعلنت على الرجل الحب كأول خطوة معلنة بعد الحب السري, الذي قد يمتد لسنوات واستخدمت كافة الأسلحة الممكنة في اللغة والكتابة والبلاغة والتعبير الجمالي والوصف وأخرجت ما بها من قرحة شعرية ومتوازنة في وصف الشعور والإحساس الذي تمر به, حيث وصفت صوت الرجل المغمور بالحب: آه صوتك صوتك! وهذا الليل الشتائي يصير شفافاً ورقيقاً وفي الخارج خلف النافذة لا بد أن ضباباً مضيئاً يتصاعد من زوايا العتمة كما في قلبي.. ثم راحت تصف وجه حبيبها الذي اختلطت ملامحه وتفاصيله وحزنه بملامحها المتعبة, من تعب التحديق به وأنها باتت تراه أنه هي : وحين أتأمل وجه حبيبي “ السيد الحزن “ حين أتأمل وجهه جيدا أرى وجهي كما لو كنت أحدق في مرآة.. ثم تستجمع قواها العاطفية تعلن عليه صراحة أنه لا سواك يستحق هذا الشرف العظيم, ولا أحداً سواك يستحق هذه الثقة ويستحق خوض غمار الحب معي, ومع كلماتي حيث كتبت له: إني أعلنت عليك الحب.. إني أعلنت عليك السلام.. إني أعلنت عليك الشوق.. إني أعلنت عليك الغفران.. ولست بنادمة لأنني أنفقت عليك جسدي وروحي.... يا من توحدت في كل فصائلي المنتاحرة وفي سلك الحب
وتخاطبه مرة أخرى أنت أيها الرجل كيف عرفت كيف تروض كل أبجديات ومفردات حياتي؟ وكيف جئتك بسهولة من كل الجوانب وعزفت على كافة عناويني الخاصة, كونت عالمك الخاص بك وكيف تكونت شخصيتي التي تتغذى على يديك ولا ملاذ لها غير جسدك وكتبت لة منذ البداية: أحبك أحبك أحبك لا تاريخ لي قبل عينيك لا درب لي غير برقك لا وطن لي غير جسدك لا توقيت لي غير نبضك لا خبز لي غير قمح راحتك ثم تعود وتقول أنه لم يعرف ويستمتع أحداً بالحب مثلها, وأنه لا يعرف أحداً معنى العذاب, الذي يعتري المحب وما يخوضه من محطات ولحظات جنونية ويجتازها بصعوبة حيث قالت: لا أحد مثلي يستمتع بالحب لأنه لا أحد مثلي يعرف معنى العذاب لقد مررت بمدينة الجنون وأقمت بمدينة الغربة وامتلكتني مدينة الرعب زمناً واستطعت أن أغادرها كلها من جديد إلى مدينة الحياة اليومية المعافاة .. وتنقلت غادة السمان في الكتاب إلى مناطق كثيرة في مدينة الحب التي رسمتها بكلماتها وذكرت بوصف بلاغي جميل الفراق والحزن الذي يسودها وهي حاله فراقها لحبيبها من وجع واحتضار ومن الموت الروحي وتقول: كأني مت فقد سكن الوجع وتعانق الشقاء والفرح متواطئين وخرجا من مسرحي ولفظ الحب أنفاسه بعد ليل احتضار طويل.... نقلت غادة السمان في أعلنت عليك الحب كل ما يدور في قلب الأنثى وتقلباتها الآنية للحظة شوق أو غضب ولحظة عتاب عاشقة تأهت تحت وطئت الحب.. ويرها البعض أنها الوحيدة من أنصفت الرجل وأخرجته من زاوية التهم التي تلاحقه بسبب ما يسمى الخيانة وعدم الوفاء الأبدي, وأعطته الكثير وجعلت من الرجل ملكاً في مملكة رسمتها أناملها الرقيقة فوق صدر الصفحات حاملة معها إحساساً أسمى تحاول إيصاله إلى كل أنثى.. وقد مجدت الحب والرجل وأعلنته ملهماً ومصدراً لكل وحي عاطفي للأنثى.. وتحسرت على الفراق وما يتركه خلفه من حزن كهل يقيد كافة المشاعر والذي لا ينسى إطلاٌقاً مهما طال وتبعثر الزمن عليها.. الكتاب طبع منه إلى الآن أكثر من ثلاث عشرة طبعة واستطاع الكتاب أن يشغل مكاناً كبيراً في أوساط المثقفين والأدباء والقراء.. وكل الأعمال القصصية والشعرية لابنة دمشق تركت ذائقة جديدة لدى القارئ والمتابعين حيث وصفها ( نزار قباني ) ب ( أكرم بيدر ) متنبئاً لها ب ( المجد ) ، قبل أن يعتبرها عددٌ من النّقاد أنها أهم حتى من الروائي العربي الحائز على جائزة ( نوبل ) نجيب محفوظ.. ( أعلنت عليك الحب ) جدير بان يُقرأ وحين أقرأ لغادة في أي من أعمالها أجدني أهديها وأردد لها نفس كلماتها: أيها الغريب حين أفكر بكل ما كان بيننا أحار هل علي أن أشكرك؟ أم أن أغفر لك؟..