“مشروع ابتسامة” لسامي الشاطبي هي رواية جديدة وحديثة في أسلوبها تفوّق بها الكاتب على الكثير من الروايات الموجودة الآن في الساحة اليمنية, هي قصيرة إذ جاءت في 49 صفحة، فقط، زاخرة بمصطلحات فريدة, مع انزياحات شعرية كقوله: إن أمل بيضاوية أو أنه شاهد حزنا نيئاً. يتربع في هذه الرواية الزمن عرش الصدارة مناصفة مع بطل الرواية غريب الذي يبحث عن مصدر للرزق في المؤسسة المرقمة. تبدأ أحداث الرواية يوم السبت 5-0-2022 في الساعة 11.5 ظهراً تليها أرقام عدة 60شهراً ص8, 1800 يوم ص14, 528 ساعة أيضاً في ص 14 والكثير من الأرقام التي تذكر على امتداد الرواية. “إنها محنة على العموم أن ترتبط مصائر بأمزجة وأمزجة بأرزاق وأرزاق بوطن فقير محدود المال والكرامة”، هكذا قال غريب بطل الرواية، الذي لا يجد حلاً لواقعة المؤسف المليء بالدمار والحروب والخلافات سوى عطاره، الذي يعطيه علاقية قات تجوب به الزمن للمستقبل لمده 30 دقيقة إلا 8 دقائق.. يضع الكاتب سؤالاً للقارئ، ولغريب طول الرواية لماذا كانت جريمته الوحيدة التي أدت إلى قتله وتعليقه على باب المؤسسة ما هي إلا السؤال عن الزمن عن التأريخ؟ يفر سامي من كل القيود اللغوية والمنطقية, يطرح تناقضات ملفتة كالملتحي صاحب البار الذي لا يرى بأساً من عمل الفتيات في العهر, بينما يرفض الشاب الخمّار جر الفتيات من وظائف بيع البطاط والملوج في الشارع للعمل في دور الدعارة. في ص10 يشّبه ملامح الحارس الأشعث بكومة طرش لذيذة!, في ص12 يتحدث بلسان مرثد الحارس أن الصندوق الفارغ يحتوي على ما يمكّن البلاد من أن تقف على رأسها ! . حتى القبر الذي يمثل سجناً للجسد خلص سامي بطله منه ليموت في ظروف غامضة ويبقى معلقاً أمام باب المؤسسة كرمز للحياة أو الموت واللذين يبدوان كليهما مخيف بما يحتويانه من ألم. يقول غريب في ص 27 :”إن الخوف هو ما يدفعنا للهروب من واقعنا “,” الحلم والهرب مفردتان بمعنى واحد فكلاهما هروب” هذا صحيح فالحلم يقوم به العقل الباطن هارباً بحثاً عن ملجأ هادئ والهروب، يقوم به العقل الواعي بحثاً أيضاً عن السكينة. هروب غريب قاده للسفر عبر الزمن, وخوفه قاده للعمل والأمل وإن كان أملاً يشيخ قبل الأوان. الأمل في الرواية هي أمل بائعة البطاطا, تلك الخضار التي تسكن التراب وتختبئ فيه حتى يخرجها احدهم, هل يختبئ الأمل مثل حبات البطاطا منتظراً من يخرجه ويؤمن به وبوجود غد أفضل؟ يتنبأ الكاتب عبر رحلات غريب بمستقبل اليمن الذي يزيد سكانه إلى 100 مليون, ظهور أزمة غذائية, زيادة الاحتباس الحراري وارتفاع درجه حرارة الجو في اليمن, زيادة الفساد وانتشار الجنس الثالث. يتنبأ الكاتب أيضاً بثورة عارمة من الأخدام العراة الذين سيقلبون الموازين لينتشر السلام , يعم الخير ويعود النظام. وهؤلاء العراة كناية عن أن الثورات أو التغيير بشكل عام في حياتنا جميعاً قد لا يحتاج لتجميل الكلام, المظهر أو لمكانه اجتماعية أو سياسية معينة يكفي الرغبة الصادقة القوية لتنفيذ الأهداف. وسط كل الدمار والخراب في الرواية نجده يقول في ص 44 “قتل, مطاردة, تفجير, دمار, مخاط”، وهنا وضعت خطين تحت مخاط ما دخلها! ثم تذكرت أني أقرأ رواية لا يجوز أن أبحث فيها عن اللامعقول واللامنطقي!. فالمدرسة التي كانت تعمل فيها أمل والتي تمثل البداية والعمارة يتم هدمها على حساب توسيع المقبرة التي تمثل النهاية!. ينقلب ابن غريب على أبيه ويحرض الناس على قتل والده!. كما يتحول غريب إلى كائن دقيق غريب يختبئ تحت دلو في إحدى رحلاته الزمنية ليذكرني بمسخ (كافكا).. قبل نهاية الرواية يتعوذ رطيلوس بالماضي من غريب فلماذا اختار الزمن الماضي الذي كانت إليه آخر رحلات غريب؟ هل لأنه الأقوى بين الأزمنة؛ لأن تغييره مستحيل أم لسلطته علينا في جعلنا نعيش نتائجه؟ تنتهي الرواية بشكل مفتوح، كي ينقل القارئ نفسه وغريب حيث شاء. إن “مشروع ابتسامة” هي رواية تشاؤمية في عالم يسوده الخوف, الألم والبؤس لغريب، لا يجد لأسئلته إجابة, يرفض واقعاً يعجز عن تغييره، ليهرب منه لمستقبل يصدمه بغرابته وأحداثه وماض يجد فيه من هم هاربون مثله. إلى أين الهروب؟ إلى متى؟ وكأن “مشروع الابتسامة” محكوم عليه بالفشل منذ الأزل.