ناصعة البياض في الطست الصغير تخفي تحتها بقايا أدران اللحاف، الذي مر عليه العام ولم يتبلل مطلقاً بالماء بقدر امتزاج الأوساخ والغبار فيه كل يوم. ظل يتأمل هذه الرغوة بنوع من الحزن والأسى وهو يجرفها بيديه إلى أرضية الحمام كطفل يداعب دقيقاً وضع أمامه، انتهى من الرغوة ليتأمل الأوساخ المترسبة في الأسفل ، أهذه كانت في لحافي! .. أهو شديد الاتساخ بهذا القدر!!.. وماذا عن جسدي أيضاً الذي أصب عليه الماء سريعاً لألحق العمل بين الغبار والقاذورات في مكبات القمامة، أجمعها دون أية احتياطات بشرية تحفظ قيمتي كبشر مثل هؤلاء الذين يعبرون بجانبي وبيدهم قاذوراتهم ويرمونها ويضاعفون من تعبي برميها بعيداً عن براميل القمامة الأشبه بالأكشاك، وهم مكممون أنوفهم بأيديهم المعطرة.. يتباهون بأنهم ذاهبون لأعمالهم أو دراستهم أنا أيضاً درست الفلسفة لأربع سنين مثلهم لكنها لم تعطيني خبزاً لآكله ولم تغنني من جوع. لم أجد فرصة لخوض غمار الحياة إلا بهذه الطريقة بعد أن تحملت أسرة رغماً عني بذهاب والدي الذي ترك لي أربعة صغار وأم متعبة هدها المرض.. خضتها نعم في النظافة العامة هذه الوظيفة التي لم ترتق بالأشخاص أو معهم.. لكنني أقدس العمل وأجتهد فيه قدر طاقتي وبكل قوة ورغبة. لم يسعني انتظار نتائج الفلسفة وأكلها فمعظم الفلاسفة كانت نهاياتهم بائسة وتركوا لنا التخصص لتكون بداياتنا كذلك.. اللحاف والرغوة ذكراني بأن الأجساد المتسخة والمتعبة يتم تنظيفها وبسرعة، هي التي يحكم علينا الناس من خلالها.. لكن أوساخ القلوب من سينظفها، ويغسلها لتصبح بيضاء كرغوة لحافي الذي أغسله بنفسي تجنبا لعقوق والدتي.. لا أحد يغسل القلب سوى صاحبه الذي يعرف صفاءه واتساخه وللناس في ذلك مذاهب.