وكفضول المطلعة على فنون الحياة بأسرها شدني فضولي لأقرأ فناً روائياً حديثاً ،فناً ربما يختلف بطرحه وبنائه …..قرأت رواية الغفوري المعنونة بالخزرجي. بداية البداية كانت حروف ملونة بالطابع الغربي وكأن دوستوفيسكي أو فيكتور هيجو يطارحانك بعضا من روحانياتهما الخالدة . كانت البداية كقصاصة حب صغيرة بين مئات الحقائق المبعثرة عن الحياة وحديث بين اثنين في محطة القطار..... وكطابع الرجل العربي المبادر بالحب ثم يتردد ويشاكس ثم يتناول جرعة ندم. توسد الغفوري فن القناصة الروائي ليربط بين غربي منفتح وشرقي (لن أقول محافظا) بل شرقي تناولته قناعات الولاة والصالحين. الخزرجي رجل الدين المجهول الأرض والهوية يقطن في قرية ربما تسمى الكارغو وربما لا، ويتقرب لله وللناس بأعمال لا تمت للدين ولا لله. عصارة الكلام أن هذا المذهب العبثي الذي تناوله الغفوري ببراعة يعبث بالقارئ لوهلة ليلملم شتاته لوهلات أخرى. صمويل بيكيت رائد مسرح العبث هو (بلاشك) الملهم الأول لهذه العملية العبثية الخزرجية. وهذه أظنها احتراف كتابي مطلق. ولكن... إن الاستمرار بين طيات هذه الرواية يطرح أرضا بمعتقدات ومحظورات يجعلني كقارئة أطرق بنظري عن فحوى جريئة... ولكم أن تضعوا بعد الجريئة ألف علامة استفهام.. التذوق العام لفكرة رواية يعد صلبها، وهو المكون الأساسي لكل الاكسسورات الفنية التي تأتي فيما بعد لتجميل الجرأة من عدمه؛ وهذه أعدها، أعني أن تخطي الخطوط الحمراء في هذا الحضور الأدبي أمر غير مقبول. الغفوري في تناوله للحريات الجسدية غيب المرأة وأعطاها من بيت القصيد لقيمات لتكون أداة استمتاع فحسب، أو تلك التي تنتظر القطار في محطة قطار وتبدأ حديثاً قد لا تفقه فيه سوى ملامح المتحدث الذي يمسح حذاءه بين فينة وأخرى. أغبط الغفوري على هذا الزخم الثقافي الهائل وأعتب عليه استعراض أسطوله المعرفي في رواية واحدة، رواية تخص القارئ الشرقي بالحلاج وتغدق عليه تجارب بافلوف وأحجيات لورد بايرون القادمة من الغرب. و........ يظل القارئ يعبر الدهليز للوصول الى نار المنضدة التي نصب عليها الغفوري أوراق روايته الجريئة. حديث الجسد ببساطة هو فحوى هذا العمل وما تلا ذلك هو استخدام جريء لمكونات الإفصاح عن هذا الحديث، وللحظات وجدت رواية الفضيلة للمنفلوطي، أو جاد لله لنجيب الكيلاني أو حتى أوثلو لشكسبير تستجدن من رائحة الشواء الأنثوي الذي يفوح من أروقة الرواية الخزرجية والذي أزكم في النهاية بديهية الخجل والحياء. الغفوري رغم اختلاف الألوان الروائية نادى من خلال روايته بلون عربي يمني شبه جديد، لون قد يكون سبقه إليه مبدعون كتوفيق الحكيم في “ياطالع الشجرة”، لون قد يضاف له من وجهة ذكورية وقد يحسب عليه لو كانت النساء هن حكم هذه الجدلية الروائية. ورغم أن الفنون الأدبية هي حديث الأرواح قبل الأجساد إلا أنَ للأجساد أن تحترم دستور الحدود وأن ترتقي بمفهوم الأرواح التي تتصارع لتثبت نقاوة الحضور الإلهي في النفوس. أظن أن الرقي بمفاهيم الحياة هو رسالة تحملها الروايات والمقالات والإنسانيات، فكيف يكون هذا وقد صقل الكتّاب فنونهم بين الرغبة والجرأة وسقوط الألوية المشروعة. وعودا على ذي بدء. ….تخيلوا أنفسكم في محطة انتظار مع صديق، ثم مع فلاديمير واستراغون ... ثم ريفييرا ..لا بل مع نزار قباني.. لا أقصد الحلاج.. كلا إنه الخزرجي...بل المجذوب عبدالسلام... لا أعتقد هو فيكتور هيجو، وربما موليير ..كلا أظنه د. جيكل ومستر هايد … كلا إنها ورورد...لا بل هما الاثنان المنتظران في محطة القطار... وهكذا تدور بك طواحين الهواء التي أرهقت دون كيشوت يوما... هذه هي العبثية التي صاغها الغفوري بنسيج جميل ولكنه أغشى على الفكرة بعضاً من نقمة آلهة الإغريق.. فن لا أنعته إلا بالاستثنائي ولو اعترضت على تفاسير الفكرة المرهقة جدا بالنسبة لي كقارئة امرأة. هذا الغفوري المبدع يحاكي ذاتاً تتخبط وأحداثا تتابع ولا تتابع... هذا هو العبث... هذا هو الانتظار الطويل لغودو الذي لم يأتِ ترجمة للواقع المألوف بلغة اللامعقول. يبدو أنني قد أسهبت.... وعليه فإنني أدعو الخزرجي إلى البحث عن عبث آخر يرتقي بنا إلى حيث لا نعلم.. عبث نغنيه و نحكيه دون تحفظ عبث يدعو إلى الاتزان... فقد مللنا التخبط؛ فالأرض تدور... ونحن ندور والأوطان تدور... تحية للغفوري...... ولكم ابتسامة وأغنية.