الناس في أغلب الأوقات يشتركون في أسباب الحزن والفرح، فهم يفرحون إذا كثرت أموالهم، ويفرحون إذا ترقُوا في أعمالهم، ويفرحون إذا شفوا من أمراضهم، ويفرحون إذا ابتسمت الدنيا لهم، وتحققت آمالهم، وفي نفس الوقت هم يحزنون إذا افتقروا، ويحزنون إذا مرضوا، ويحزنون إذا أهينوا. وهكذا هو حالنا في هذه الحياة.. ينطبق عليه العبارات السابقة التي ذكرها الشيخ “محمد بن عبد الرحمن العريفي” في كتابه القيم “استمتع بحياتك” فالإنسان يعيش في هذه الحياة متقلباً بين الحزن والفرح، والسعادة والشقاوة، والمرض والشفاء، والفقر والغنى، فلا سعادة دائمة، ولا حزن مستمر. والحزن شيء طبيعي وفطري.. يلازم الإنسان في حياته الدنيوية.. فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي “خُلق باكياً، ويعيش شاكياً”.. والله تعالى يقول: “لقد خلقنا الإنسان في كبد” ويقول على لسان المسلمين عندما يدخلون الجنة “الحمدلله الذي أذهب عنا الحزن”.. وقد استدل العلماء بهذه الآية بأن الحزن يلازم الإنسان في حياته، ولا ينفك عنه إلا عندما يضع أول قدم له في الجنة. والحزن لم ينج منه الأنبياء والصالحون صلوات ربي عليهم أجمعين، فهاهو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- مرت عليه مواقف عدة، من الآلام والأحزان والشدة، ولكنه تقبلها بنفس راضية مطمئنة، وتعامل معها بأريحية تامة.. فلم يضجر حبيبنا محمد أو يسخط على ربه مثلما يفعل الكثير منا اليوم بل كانت له كلمات يشدو بها ويرددها، ويناجي بها ربه (اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين ورب المستضعفين أنت ربى.. إلى من تكلني؟ إلى قريب يتجهمني؟ أو إلى عدو وكلته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالى غير أن عافيتك هى أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك،أو يحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك). وعندما توفي ابنه “إبراهيم” لم يشتم أو يلعن ولكنه تقبل ذلك بروح وكلمات قوية تحمل في باطنها دلالات ومعاني عظيمة، (إن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون). والحاصل أن بعض الناس اليوم إذا واجهتهم مشكلة صغيرة، من مشاكل الدنيا التافهة والحقيرة، إذا بهم يصرخون، ويضربون، ويسبون، ويشتمون، ويتطاولون على الله ويتلفظون عليه بأبشع الألفاظ.. وتسوَد الدنيا بعيونهم، وتصبح أيامهم كلها سوداء، ويسوِدونها على من حولهم..ولو أنهم تقبلوا المشكلة أو الأزمة والضائقة بروح راضية، ونفس مؤمنة لكان ذلك خيراً لهم وأفضل.. لأن هذه هي “سنة الحياة”. إن المشاكل تمر علينا أحياناً فمن شدتها وضيقها وقسوتها نظن أن لا خلاص منها، وعندما تذهب المشكلة وتفرج الأزمة وتعود الأمور إلى وضعها الطبيعي نشعر وكأن شيئاً لم يكن، وهذه من النعم العظيمة التي مَنّ بها الله تعالى على الإنسان (إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا).. وللشاعر كلمات جميلة تصور هذه الحقيقية حيث يقول: ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكنت أظنها لا تفرجُ.