للوجوه والامكنة –حكايات اخرى سيرة مدينة عذبت عشاقها ( الحلقة الاولى ) عن تعز أكتب عن الوجوه والأمكنة ثانية ! جئت ثانية بعد غياب ياالله كم مضى من الوقت وكيف تسرب هذا العمر بين الاصابع عدت الان فقط لأبقى على حافة الذاكرة لا اكثر لأرى هذه الوجوه التي لم تغادرني رغم اني غادرت الى اربع وجهات الارض ! قبل سنوات كتبت عن تعز كتابي القصصي الثاني – للوجوه والامكنة – وطبع ايام مجد دمشق في 1994م. وغابت الوجوه وهرمت الامكنة ! هل لي ان اعيد ترتيب هذا التزاحم في قلبي وذاكرتي ؟ هل لي القدرة ان آخذ نفسا واكتب دون ان ارتب الاشياء ودون ان أضع اعتباراً للقواعد الفنية وهل ما اريده نص اما قصة ام هو زفرة حب مقهورة من ذاكرة لا تغيب ؟. لا اريد ان اكون مؤرخا ولا اقف مع احداث التاريخ وانا لا احب تفاصيل الجغرافيا ولا اقوى ان اقول اني اكتب مذكرات لأن ليس هناك ما يستحق لأن اقف على منصة الراوي للتاريخ والمتحدث عن الذكريات . انا مجرد عاشق بسيط اقرب الى الدراويش في هذه الارض التقط بعين ذاكرتي ما يعينني على العيش لأن الحياة عندي هذه الذكريات لا اكثر ! وأنا من مدينة تعيش على الذكرى ويسحها الحاضر ولا تفقد الأمل بالمستقبل انها مدينة الغواية التي تشدك رغم قهرها وفقرها وتعطيك الأمل انها تنجو من الهلاك رغم كل التآمر على بهجتها ؟! وانا من جيل بقي يحيا بفرح على الذكريات التي احاطت به من احاديث من قبلنا عن تعز الاخرى التي كانت نافذة الأمل ويتشبث بالأمل رغم الهزائم المتتالية التي احاطت بنا ! انا اكتب عن جيلنا الذي اعرفه وتعرفه انت وتعرفينه انت اذا كنت من الذين عرفوا تعز وبها اندية الدرجة الاولى وبطولات الدوري التي لا تخرج عن تعز ايام مجد اهلي تعز والطليعة ثم الصقر والصحة فأنت من جيلنا ! اذا كنت من الذين تحلقوا على بوابة باب موسى وازقة الجحملية يرقبون مدفع رمضان من قلعة القاهرة ويصرخون في السماء فأنت من هذا الجيل ! دعوني اتذكر بعض الذي كان . السينما اذا كنت من الذين ادركوا ان في مدينة تعز لوحدها خمس دور للسينما غير سينما مدينة التربة بالحجرية فأنت من هذا الجيل الذي تابع ألق فناني ذلك الزمان نجومية رشدي اباضة وبطولات فريد شوقي ورقة سعاد حسني وشجن عبدالحليم حافظ ! كانت السينما بتعز ثقافة محترمة وليس مجرد صالات مقززة . هناك سينما 23 يوليو في باب موسى والتي جاءت على اسم ثورة مصر العظيمة وسينما قصر سبأ في الباب الكبير وسينما بلقيس المدينة عند سوق السمك بالمركزي وسينما بلقيس الجحملية بالجحملية كل الاسماء للاماكن من مدارس ومراكز وسينما هي من الحضارة اليمنية القديمة مثل سبأ وبلقيس واروى كنا نستحضر هوية ونبني شخصية يمنية الآن فقدنا الاحساس بالهوية وسحقنا الشخصية والخصوصية واعود الى السينما والاهم سينما المنتزه بالمسبح التي صارت التعاون ثم نادي تعز هذه السينما والمسرح وكل المنتزه تم بناؤه في الستينيات وبمبادرة من اشخاص يحملون حلما جميلا لوطن جديد كان على رأسهم احمد عبده سعيد وزير المالية الاسبق وابرز وجوه السياسة في الستينيات والسبعينيات وهو مؤسس مدرسة محمد علي عثمان وبمبادرة تجميع ريال واحد للتعاون تجمعت ميزانية بناء المنتزه بتعز كحديقة ومطعم وصالة عرض وصالات ثقافة كان هنا اشهر مطعم لبناني ثم مكتبة ثم متنفس متميز قبل ان يتحول الى مكاتب كئيبة لمجالس محلية ميتة ثم قتل ابرز صالة عرض سينمائي باليمن. كان على هذه الشاشات تأتي افلام مهرجانات العالم بعد اسابيع فقط على عرضها ببيروت والقاهرة وكان موزعو الشركات في تعز يحضرون مهرجانات موسكو وبرلين وكان والقاهرة مثل اي شركات لها رصيدها الذي يغري الموزعين !! كانت صالة سينما المنتزه بالمسبح واحدة من دور العرض التي تضاهي القاهرة وبيروت وهي قبلة العائلات حيث يدخلها نهاية الاسبوع افراد العائلة من أب وأم وشباب !! نعم تلك تعز التي أتحدث عنها لجيل لم يكن يقلقه اختلاط النساء ولا يعرف التحرش ولا يعاني من عقد النقص ولا من الخوف ويكره السلاح والعنف . عدت الآن لأرى الاطلال ولأحكي عن صورة سيقول الكثير من الشباب انها خيال محض ! لكن سنحكي ونتابع حكاياتنا للوجوه والأمكنة ولمدينة عذبت عشاقها !