إنه قاتل من نوع جديد فلا تستطيع أن تراه, يؤثر عليك و يجعلك تشعر باليأس و الإحباط, وقد يتمكن منك ويهلكك.. هل عرفت من هو هذا القاتل: إنه التحدث مع الذات !!.. دعني أسألك سؤالا: هل تتحدث مع نفسك؟ بالتأكيد أننا كلنا نفعل ذلك, فنحن كائنات تتكلم وتفكر, وهذا لن يتوقف طالما نحن على قيد الحياة. القاتل الخفي الذي أقصده هو التحدث السلبي مع الذات, فنحن كثيراً ما نتحدث إلى أنفسنا ونتوقع السلبيات. أجرت إحدى الجامعات الأمريكية دراسة عن التحدث مع الذات, وتوصلت إلى أن أكثر من 80 % من الذي نقوله لأنفسنا يكون سلبياً ويعمل ضد مصلحتنا, ولك أن تتخيل مدى تأثير هذا الكم الهائل من السلبيات, وليس هذا فقط, فقد أشارت نتائج تلك الدراسة أن القلق الذي ينتج عن هذا التفكير السلبي يتسبب في 75 % من الأمراض كضغط الدم والنوبات القلبية والقرحة والسكر, أي إننا بكامل إرادتنا نتحدث مع أنفسنا بطريقة سلبية ونصاب بالأمراض. يقول الدكتور واين داير “ما يفكر فيه الناس و يتحدثون عنه يتزايد ويصبح أفعالاً”. ربما يكون أحدنا مر بتجربة سلبية سببت له إحساسا سيئاً, ومن وقت لآخر يسمع صوتاً من داخله يذكره بتلك التجربة السيئة ويعيد عليه نفس الإحساس السيئ. أذكر أنني عندما كنت أتحدث عن هذا الموضوع في إحدى الدورات ذكرت لي إحدى الأخوات التي تعرضت لحادث منذ عدة سنوات, أنها لا تحس بنفس الإحساس السيئ فقط, وإنما أيضاً تشم نفس الرائحة التي كانت تشمها وقت وقوع الحادث لها !!! ولك أن تتخيل هذه المأساة.. والبعض لا يفكر في تجربة ماضية مؤلمة حدثت له بل يفكر في تجربة أو موضوع لم يحدث بعد, ومثال ذلك الطلاب الذين يخافون الخوف السلبي من الامتحانات أو من المستقبل فتجدهم يثقلون أنفسهم بالهموم والتفكير السلبي من الآن!!. إن التحدث مع الذات يعتبر الشرارة الأولى التي تصنع ذواتنا فتجعلنا إما في مصاف المتفوقين والناجحين أو تبقينا في دائرة العجز والكسل والخمول والفشل.. يقول الدكتور هلمستتر:” إن ما تضعه في ذهنك سواء كان سلبياً أو إيجابياً ستجنيه في النهاية.. وذكر الدكتور إبراهيم الفقي “رحمه الله” ثلاث مستويات للتحدث مع الذات: المستوى الأول القاتل الخفي قتل الذات: وهو أخطر مستويات التحدث مع الذات, وبإمكانه أن يجعلك فاقداً للأمل, شاعراً باليأس والعجز, ويضع أمامك الحواجز والعراقيل التي تمنعك من تحقيق أهدافك, فهو يرسل لك إشارات سلبية، مثال ذلك عندما تقول (أنا خجول, أنا لا أستطيع, لقد حاولت أكثر من مرة وفشلت أنا فاشل, أنا اكره الرياضيات, أنا ليس لدي حظ, أنا فاقد الثقة بنفسي, أنا...), فإذا تم إرسال هذه الرسائل السلبية للعقل الباطن, وتم ترديدها باستمرار ستصبح جزءاً من اعتقاداتك القوية بنفسك وبالتالي تؤثر على تصرفاتك وأحاسيسك وعلى مستقبلك. يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام “لا يحقرن أحدكم نفسه”, ويقول أحد المفكرين “أشر الأضرار التي يمكن أن تصيب الإنسان هو ظنه السيئ بنفسه”. المستوى الثاني كلمة (لكن) السلبية أو إحباط الذات: وهذا المستوى أفضل من المستوى الأول, فصاحبه يريد التغيير ويرغب فيه, لكنه يضيف كلمة “لكن” وهذه الكلمة تمحو الإشارات الإيجابية التي سبقتها, مثل: ( أريد أن أعمل كذا وكذا ولكن أخاف من الفشل, أريد أن أطور مهاراتي.. ولكن), فهو يضع العراقيل أمامه مباشرة, فكلمة “لكن” تمحو ما جاء قبلها, وبذلك سيحتفظ العقل الباطن بالرسالة “أنا لا أستطيع”. إذا قلت لنفسك”أنا ممتاز ولكن” ما الذي سيدور في ذهنك؟! بالتأكيد أفكار سلبية, وكلمة لكن يستخدمها الناس للتهرب من اتخاذ أي قرار فعال، فوراء كلمة “لكن” وكلمة “لا أستطيع” يوجد خوف يمنع الشخص من الوصول إلى هدفه. المستوى الثالث التقبل الإيجابي أو تشجيع الذات: وهو الصورة الأجمل والأروع في حديثنا مع ذواتنا, ومصدر القوة وعلامة الثقة بالنفس, وهذا الذي يجب أن يعمله كل واحد منا وهو أن يتحدث إيجابياً مع نفسه, حتى وإن راودته أفكار سلبية, عليه أن يقوم بإلغائها ويستبدلها برسائل أخرى ايجابية والتي تشجع الذات وتعيد الثقة بالنفس و تساعد على بناء التقدير الشخصي السليم, فجميع الأمثلة في المستوى الأول تستطيع تجاوزها إذا أرسلت إشارات ايجابية للعقل الباطن: “أنا أستطيع أن أحقق أهدافي, أنا قوي, أنا واثق بنفسي, أنا أستمد ثقتي من الله”, كل هذه الرسائل تدعم خطواتنا وتشعرنا بالحماس والثقة تجاه أهدافنا حتى نحققها بإذن الله.. وذكر القرآن الكريم حديث الإنسان مع ذاته وقسم (نفس) الإنسان إلى ثلاثة أقسام فهناك النفس اللوامة, والنفس الأمارة, والنفس المطمئنة. عزيزتي القارئة عزيزي القارئ: بصراحة عندما كان يخبرنا أساتذتنا بأنه يجب أن نتحدث إيجابياً مع أنفسنا و نردد دائماً الكلمات الإيجابية, كنت أقول في نفسي إنهم كبروا الموضوع وعظموه وأعطوه أكثر مما يستحق, فكيف بإمكان كلمات سلبية يتحدث بها الشخص مع نفسه أن تودي به, وبالمقابل كلمات أخرى إيجابية تشجعه وتجعله يحقق أهدافه ويصبح الشخص الذي يريد, ولكنني أدركت فيما بعد دقة وصحة كلامهم وأن التشجيع للذات والتحدث إيجابياً معها يصنع المعجزات, والعكس عندما نتحدث سلبياً مع ذواتنا ونحبطها؛ لأن وظيفة العقل الواعي هي تجميع المعلومات وإرسالها إلى العقل الباطن ليغذيه به، وهذا الأخير لا يعقل الأشياء فهو ببساطة يخزن المعلومات ويقوم بتكرارها فيما بعد لا أكثر ولا أقل. لذلك عليك أن تثق بنفسك و تكرر دائماً العبارات الإيجابية فأنت سيد عقلك وربان سفينتك. وتستطيع أن تتحكم بحياتك وأن تجعلها تجربة رائعة مليئة بالسعادة والتفاؤل والنجاح بلا حدود. وأخيراً: تذكر بأنك اليوم حيث أوصلتك أفكارك وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك. باحث ومدرب في الإدارة و التنمية البشرية مستشار التدريب في ديوان عام محافظة إب [email protected]