Mohammad Amrani في كتابه “ النيوليبرالية (New liberalism ) والنظام العالمي “ قدم تشومسكي تعريفات مهمة لمفهوم الليبرالية عن طريق دراسة معمقة لمسارها التاريخي وقرر فيه بأنها “ الصورة الحديثة لكفاح القلة من أجل تطويق الحقوق السياسية والقوى المدنية للأكثرية “ ، تقريبا يتفق تشومسكي مع نورينا هيرتس في كتابها الشهير “ السيطرة الصامتة وموت الديموقراطية “ شركات عملاقة قليلة تخترع المصطلحات البراقة كي تعبر الحدود ببضائعها دون جمارك وتطوق السياسة و تعين الحكومات . “ يمثل الربح جوهر الديموقراطية “ هذه العبارة المكثفة هي التلخيص الكامل لكتاب “ الديموقراطية والرأسمالية “ لمؤلفه ميلتون فريدمان ، يعتبر فريدمان الأب الروحي للنيوليبرالية . يشبه هذا المصطلح تقريبا “دولة المؤسسات “ في عهد صالح ، صالح ليس وحده من يحرق المصطلحات ويفرغها من المعنى . بهذا المعنى يمكن أيضا وعلى نطاق عالمي أن يصبح الحر عبدا والديموقراطي مستبدا (بفتح الباء و كسرها ) و الكسول ناشطا والليبرالي راديكاليا جدا وهكذا . الإلغاء الصامت والكامل للعقد الاجتماعي عن طريق لوحات دعائية فاتنة . في اليمن بحسب تقرير وزارة الشئون الاجتماعية والعمل وتقرير الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2011 توجد 5625 منظمة وجمعية و 736 مؤسسة خيرية بوصف التقرير ثم 94 منظمة ثقافية فقط في صنعاء فقط . هذه فقط منظمات محلية مفترض أنها تعمل في الشئون الثقافية والاجتماعية والعلمية أما المنظمات الدولية فالحديث عنها ذو شجون . بحسب المركز الوطني للمعلومات توجد 47 منظمة دولية عاملة في اليمن ، أما المركز الأمني لوزارة الداخلية فقد ازداد العدد فيه برقم واحد . لكن تقرير The Human Rights Information & Training Center الصادر عام 2003 , كان قد حصر أكثر من 209 منظمة عاملة ، منها فقط 40 منظمة في حقل الأسرة وحماية الأسرة و 46 منظمة عاملة في حقوق الإنسان ثم 27 منظمة تعمل في مجال الثقافة . هذه الاحصاءات في 2003 في نسخة التقرير الأولى ، النسخة الثالثة من التقرير لم أتمكن من الحصول عليها وهي بالتأكيد أعداد متزايدة ، وربما بشكل كبير ، الحراك السياسي لهذه المنظمات هو الملحوظ أما نشاطاتها الرئيسية فهي في الغالب لا تلحظ . يذهب جزء كبير من الدعم المقدم لليمن في جيوب هذه المنظمات الدولية التي لا يعمل منها غير القليل . بحسب تقرير وزارة التخطيط لعام 2010 فإن الدعم المقدم رسميا لهذه المنظمات بلغ أكثر من 220 مليون دولار ، طبعا هذا للمنظمات المسجلة فقط ال 47 أو ال 48 بحسب التقارير الرسمية . كانت نورينا هيرتس قد تحدثت عن السيطرة الصامتة للشركات التي تقتل الديموقراطية وإذا ما استعرت هذا التعبير فإن السيطرة الصامتة أصبحت في اليمن لهذه المنظمات التي لا تصنع شيئا غير الزعيق والمتاجرة . ليس السؤال فقط عن ماهية هذه المنظمات ولا عن حقيقة أعمالها و لا مستوى الشفافية في أداء أعمالها ، بل في مستوى الغموض حتى على مستوى العد والحصر . من منكم شاهد أ و قرأ تقريرا ماليا أوتقريرا عن الأداء لأي منظمة عبر أي وسيلة إعلامية ؟ كل ما نعرفه فقط هو جولات السفر ، يكتب أحدهم على صفحته في الفيس بوك “ في الطائرة متوجها ، في الطائرة مغادرا ثم لا ينسى أن يرفق صور الفنادق الضخمة التي تجري فيها عمليات التدريب في كيفية إنقاذ الإنسان من التغول . الإنسان الذي لا يعرفهم إلا أن يكون منهم !! فيما عدا استثناءات غير مرئية . قبل أيام من مؤتمر الحوار كنت في مقيل لأحدهم ، كانت السفارة الروسية تحدثه عن شخص ما تطلب أن يكون اسمه ضمن قوائم الحوار عن مكون من المكونات !!! لهذا كانت الأسماء في مؤتمر الحوار في أغلبها غير معروفة ، بالنسبة لنا كمواطنين على الأقل ، لكنها بالتأكيد معروفة في دوائر أخرى قادرة على زراعة هذه الأسماء من فوق الطاولة ومن تحتها أيضا . يمكن لمقهى بسيط أن يحصد من المقاعد ما لا يمكن لحزب أن يفعل بل لساحات بأكملها ، حتى أصبح المؤتمر برمته أشبه بحفلة تنكرية لقوى غير مرئية هي من تسوق الحلول وتقترحها وعلى الجميع أن يصرخ سمعا وطاعة ، ليس بالصورة التقليدية المعروفة طبعا . لهذا – مثلا – تحولت الفيدرالية بقدرة قادر إلى فكرة ناضجة عند الجميع ، دون أدنى دراسة واقعية تحتمها كحل وفي استباق غير مفهوم لمقررات المؤتمر . حتى فريق المؤتمر الشعبي العام الذي طالما أرهقنا بها كمنجز تاريخي يستحيل التنازل عنه جاء وقد طأطأ رأسه بطريقة غريبة . لست أتحدث هنا عن الفيدرالية كحل ناجح أو فاشل ، بل عن حجم التغول لهذه القوى الغير مرئية وهي تدير كل شيء وكل الناس. إنها السيطرة الصامتة حيث تقيد أيدي الحكومات والدول . أنا هنا لست ضد تواجد المنظمات الدولية لكني فقط ضد أن تتحول إلى مأوى للفاشلين والعاطلين عن العمل بحيث يغدو من المستحيل التفكير على طريقة وزير ألماني في رسالة استقالته “ لم يعرض القلب للبيع بعد في سوق الأسهم “ .