لم يكن الشاعر الرقيق محمد بن عبدالله بن الإمام شرف الدين يحيى الكوكباني المولود في مدينة كوكبان شمال غرب صنعاء يهتم بتلك الصراعات التي انخرط فيها أفراد عائلته في سبيل الاحتفاظ بالسلطة وانصب اهتمامه على الشعر والأدب والفن إضافة إلى علوم الدين التي تبحر فيها. واستطاع أن يرفع من قيمة الشعر الحميني الذي كان ينظر إليه شزراً في تلك الفترة في الأوساط الأدبية المتمسكة بالشعر الفصيح. ويعتبر ابن شرف الدين من خيرة ناظمي الشعر الحميني، ولأنه كان من أسرة ارستقراطية فلم تدفعه الحاجة إلى كتابة قصائد المديح للتكسب من خلالها وكان يتغنّى في أشعاره بالجمال والحب، وقد اعتزل الصراعات السياسية التي كانت قائمة في عصره بعد ان جذبته مجالس الشعر والطرب، فكان نديماً للهوى والجمال حيث كان يهرب من الواقع إلى الشعر والحب، فتعددت مغامراته العاطفية إذ كان لا يستطيع إخفاء مشاعره حين يعيش حالة حب جديدة فيعبر عن هذه المشاعر الرقيقة بقصائد أكثر رقة، وكان تميزه عن شعراء الغزل يكمن في رقة العاطفة عنده وقدرته على التعبير عنها بشعر رقيق يعكس موهبته الإبداعية ورهافة إحساسه. وتكان تكون كل قصيدة من قصائده نابعة من تجربة حب ذاتية عدا بعض القصائد القليلة التي كتبها على لسان الإمام الناصر المطهر ابن الإمام شرف الدين بناء على طلبه يذكر فيها محاسن الشريفة «حورية» بنت أحمد التهامية التي زفّت إلى الإمام الناصر المطهر ويقول مطلع القصيدة: صادت فؤادي بالعيون الملاح وبالخدود الزاهرات الصباح ويأتي ذكر اسم الشريفة في مطلع المقطع الثالث من القصيدة: جنانية مثل القمر «حورية» تزري بحور العين فردوسية ومما يروى من حكايات الشاعر ابن شرف الدين العاطفية، أنه كان مغرماً بغادة جميلة لم يتمكن من الزواج منها نظراً لصغر سنها، وكانت زوجته قد رأت من شواهد حاله أن قلبه متعلق بتلك الغادة، إذ كانت علامات الحب ظاهرة عليه تفضحها صفحة وجهه وفلتات لسانه، وكانت زوجته كلما واجهته بذلك ينكر ويرفض الاعتراف فلما غلب عليها الظن أخذت المصحف واستحلفته فحلف بأنه لا يحب، فلم تصدقه، فنظم بعد ذلك قصيدته الشهيرة: عليك سمّوني وسمسموني وبالملامة فيك عذّبوني وجرّوا المصحف وحلّفوني وقصدهم بالنار يحرقوني حلفت ما حبك فكذبوني وقبل ذا كانوا يصدقوني هم يحسبوني اضمرت في يميني فقلت الله بينهم وبيني ويعتبر ابن شرف الدين من أغزر شعراء الشعر الحميني وأكثرهم تميزاً وإبداعاً، وقد تأثر بشعره العديد من الشعراء الذين جاؤوا من بعده، فقد كانت لديه القدرة على التعبير الرقيق عن رقة العاطفة، كما كان عظيم التوفيق في اختيار مفرداته وصياغة عباراته. ولابن شرف الدين ديوان يضم قصائده الحمينية بعنوان «مبيتات وموشحات» وكانت وفاة الشاعر في عام 1016ه 1607م