بهذا المطلع لقصيدة غنائية بديعة للشاعر العلامة الفقيد الأديب القاضي حسن بن علي بن حمود شرف الدين، خاطبت روحه الطاهرة يوم نقل الى نجله يحيى خبر وفاته. وانتقاله الى جوار الرب سبحانه، بعد تسعين عاماً من تعب الحياة. حزنت كثيراً لفقد صديق أبي وزميله في القضاء، وآخر الشعراء القضاة الذين تكاد اليمن ان تتميز بهم وليس لي من عزاء إلاَّ أني وابنه الشاعر الأديب يحيى قد ورثنا صداقة الآباء. اخر مرة رأيته فيها، كانت قبل اشهر، وتحديداً يوم حمل التسعين عاماً على كاهله وتحامل ليواسيني ويمشي في جنازة والدي رحمه الله، رأيته ونسيت حزني ورأيت فيه كالعادة من نفخر ونفاخر بهم من الشعراء العلماء والقضاة الاثبات رأيت فيه القاضي الشاعر عبدالرحمن بن يحيى الآنسي والقاضي الشاعر علي بن محمد العنسي، والقاضي الشاعر أحمد بن حسين المفتي (ابن المفتي) وغيرهم من الشعراء القضاة الذين لم تصرفهم علوم الدين والفقة واللغة والانشغال بالقضاء من ان يصنعوا لليمن مجداً شعرياً ويبدعوا لها قصائد غنائية توجت ابداع الانسان اليمني في مجال الغناء الراقي الملامس للقلوب. كنت ارى فيه علمهم وسماحتهم وفهمهم السليم للدين وتعاليمه والمحبة التي لاتحل الاّ في قلب من وسع علمه وتعمق اطلاعه.. كم نفخر ان بين اعلام تاريخنا الوسيط والمعاصر علماء وفقهاء وقضاة لانستطيع ان نتحدث عن تاريخ الأغنية اليمنية وشعرها (الحميني) البديع دون ان نذكر العالم الأمير محمد عبدالله شرف الدين صاحب ديوان (مبيتات وموشحات) الذي تتصدر شهرة محتوياته غنائية (عليك سموني وسمسموني) و(صادت فؤادي بالعيون الملاح). او القاضي العلامة عبدالرحمن بن يحيى الآنسي صاحب ديوان (ترجيح الاطيار بمرقص الاشعار) الذي يكفي ان من روائعه غنائية (ياشاري البرق من تهامة) و(دان واساجعة) وابنه احمد عبدالرحمن صاحب ديوان (زمان الصبا) وهو العنوان المقتبس من رائعته الغنائية (زمان الصبا) وكذلك القاضي العلامة وشيخ العلامة المجتهد محمد بن اسماعيل الأمير، صاحب ديوان (وادي الدور) الذي تتصدر روائعه غنائية (وامغرد بوادي الدور من فوق الأغصان) وكذلك القاضي العلامة ابن المفتي صاحب ديوان (صنعاء حوت كل فن) وغيرهم من آل اسحاق وآل جحاف..الخ. وكم يحزنني ويخيفني ان يكون العلامة الأديب والقاضي الورع حسن بن علي شرف الدين صاحب القصائد الحمينية والغنائيات التي اطربنا بها الفنان المبدع محمد حمود الحارثي مثل رائعة (سلام ياغوطة الأهجر وروضة بلادي) و(سلام ياساكن القلب الطروب) و(رحماك ياسائق المطر) و(اشجيت من شجوه قديم) هو آخر القضاة والعلماء الشعراء الذين يتجسد في حياتهم وسلوكهم قول الرسول الخاتم (ص) «ان لله كنوزاً تحت ابطان العرش يلقيها على السنة الشعراء» و«ان نوم العالم خير من قيام الجاهل» ومن نفاخر بهم كقدوة مثلى في العلم وتولي القضاء والتسامح والمحبة والفهم السليم للدين الاسلامي الحنيف. هل سيكون العالم المرحوم حسن بن علي شرف الدين، هو آخر هذا الصنف من العلماء والمشتغلين بالقضاء؟ هذا ما اتوقعه وانا اودع شاعرنا الفقيد بماقاله: اشجيت من شجوة قديم يا ايها الشادن الرخيم