صباح الأحد الماضي كنا على موعد مع مؤسسة صنعاء للثقافة والعلوم وندوة عن الحفاظ على اجمل لوحة يرسمها الابداع اليمني، اسمها (صنعاء القديمة) معشوقة كل حس مرهف، وكانت تلكم المؤسسة الفتية تقضي شيئاً من دين يحمله كل يمني أينما كان. وقبل تلخيص المقترح المراد طرحه على القائمين على مؤسسة صنعاء.. أوضح لمن أخصهم بالحديث، ان هذه المؤسسة لا تخص صنعاء بمفردها او تحصر نشاطها عليها، وان تسميتها بمؤسسة صنعاء إلا دليل على ذلك، كون اسم العاصمة يعني اليمن بأكمله.. كما يعرف كل ذي عقل وفهم.. كما أن الندوة المشار اليها.. ماهي إلا رافد لما يصب في خدمة الموروث الثقافي المعماري في انحاء الوطن. آمل ان تكون الفكرة قد وصلت وتم التوضيح.. ولننتقل الى المقترح الذي يقول مفادة المختصر.. بعد اختفاء الموشح الأندلسي.. هاهي اليمن تتفرد بين الاقطار العربية بلون من الوان الشعر نسميه (الحميني) بشقيه (المبيت) و(الموشح) وهو الشعر الذي يقترب بلغته من العامية بقدر مايقترب من الفصحى كما يعرف اصحاب الشأن. إذا ما كان الشعر الفصيح هو ديوان العرب.. فما أرجحه انا هو ان ديوان اهل اليمن هو الشعر الحميني.. وفي موروث هذا الشعر الذي كتبه عالم الدين واللغوي والاديب والتعلم ومحدود الثقافة، توجد اليمن بثقافتها وسياستها وعشقها وخصوماتها وتسامحها الديني وزراعتها وحروبها وخصوصياتها الى آخر القائمة.. هذا اللون الشعري المتفرد كاد ينقرض.. خاصة بعد أن مزج أو خلط البعض بينه وبين الشعبي كما ان من يكتبون الموشح منه- بطريقته المعروفة (بيت وتوشيح وتقفيل) فلا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة على حد علمي فلماذا لا ننقذ هذا اللون الشعري اليمني من الانقراض ولماذا لا نعرف به خارج اليمن وتمد جسور العلاقة بينه وبين أجيالنا. نحن مقصرون ولو كان هذا اللون الشعري ضمن تراث أي قطر عربي يهتم بثقافته وتراثه لحافظ عليه وعرّف الآخرين به وتفاخر بما يتفرد به ادبه وتراثه وموروثه الثقافي. من أعلام هذا الشعر ابن فليتة العظيم، وابن شرف الدين ومحمد عبدالله شرف الدين الشاعر الرقيق من قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين.. إنه صاحب الصورة الشعرية التي لم يسبقه إليها شاعر عندما قال: ألسنا لاح.. حرم على عيني لذيذ الهجوع والشذا فاح.. اسأل نفسي من مجاري الدموع ومنهم القاضي العلامة عبدالرحمن الآنسي حكيم الحميني أومتنبي الحميني وكذلك القاضي علي محمد العنسي شيخ عالم اليمن الكبير محمد بن إسماعيل الأمير، اضافة آل اسحاق وابن المفتي وغيرهم وغيرهم. هذا اللون المتفرد من الشعر بعد أن تقدمت بطلب إحيائه الى احد وزراء الثقافة ولم يحرك ساكناً هأنا اتقدم الى مؤسسة صنعاء للثقافة والعلوم بطلب إحيائه والحفاظ عليه.. لاعتبارات ثقافية ووطنية.. وإكراماً لعاصمتنا وعاصمة ثقافتنا صنعاء التي احتضنت هذا اللون الشعري فكانت حاظنته وقلعته.. بل ومدرسته إلى ما قبل سنوات أو إلى النصف الأخير من القرن الماضي، كما تشهد بذلك ابداعات الشعراء القدامى مثل ابن المفتي صاحب (صنعاء حوت كل فن) والقاضي علي العنسي اللذين نشأ في محافظة إب وكتبا الحميني بعد ان عاشا في صنعاء وتشربا من فنونها.. مثل ذلك الشاعر احمد فضل القمندان الذي بعد أن زار صنعاء التقى بأدبائها وشعرائها عاد إلى لحج ليكتب الحميني أو على طريقة الحميني (البيت والتوشيح والتقفيل) وتأملوا ديوانه ولا ننسى أيضاً أثر صنعاء على الشاعر البديع عبدالله عبدالوهاب نعمان الذي كان لصنعاء أثرها الكبير في كتابته للمبيت. أما كيف تقوم أو تسهم مؤسسة صنعاء الثقافية بإحياء هذا اللون الشعري والحفاظ عليه فأمر أتركه للحديث مع القائمين على هذه المؤسسة إذا ما استحسنوا الفكرة أو تحمسوا لها وأخص بالذكر الصديق العزيز اللواء حسين المسوري.