تواصلاً للنقاشات الفكرية الأسبوعية نستضيف هذا الأسبوع الباحث عبدالعزيز العسالي, ليناقش في مختلف القضايا التي تهم الوطن في ظل الظروف الراهنة.. أبو عبدالرحمن العودي: هل هناك تخوف من أن يتحول ضريح حسين الحوثي إلى مزار كمزارات الشيعة في إيرانوالعراق؟ أولاً: من خلال الاطلاع في تاريخ اليمن حصل شيء من مظاهر البناء على القبور و...و...و...الخ ما يتصل في هذا الصدد سواء عند الصوفية، محسوبين على أهل السنة، أو عند غلاة الشيعة، سواءً كانوا جارودية أو هادوية.. لكن لأمر كان أقل بكثير جداً جداً عما هو حاصل في العراقوإيران. ثانياً: لا تخوف.. وعلى افتراض حصول مغالاة فإن الأمر سيظل في حدود النصح والتصويب.. مع العلم بأن المعروف من خلال تاريخ الفكر الهادوي والزيدي أنهما قائمان على جانب كبير من العقلانية، ولعل هذا هو سر الفارق الكبير بين الثقافة الهادوية والزيدية في اليمن، والثقافة في العراقوإيران. عبدالله الريمي: لماذا تصبون جام غضبكم على الحوثيين، وأنتم كما يعلم الكثير من دعاة الوسطية و الحوار وعدم الغلو؟ لا أدري من أين أتيت بهذا التعبير، تصب جام غضبك، فأنا على العكس تماماً قبل ظهور الحوثية وبعدها.. إن الحوثية هي ذات أساس هادوي سياسي وديني في آن.. وهذا مذهب قائم له أكثر من ألف سنة، مع أن من شروط الإمام في الهادوية هو أن يقوم الإمام بالسيف، ويأخذ حقه ممن اغتصبوه، هذه النقطة هي مسألة اجتهادية قالها الهادي، وهي لا توجد في المذهب الزيدي، وكذا فكرة حصر الإمامة في البطنين هي في المذهب الهادي فقط، ومع هذا الاحتكار فلا ضير عندي، فكل حر في ما يعتقد؟ وقد دافعنا عن الحوثية كفكرة ومذهب وسياسة من بداية الحرب الأولى 2004م، ورفضنا إصدار أية أحكام فكرية أو سياسية طوال فترة الحروب الستة؛ لأننا لم نعلم الأسباب والحيثيات ودوافع الحرب... الخ، الخلاصة، أنه في الآونة الأخيرة لوحظ أن الحوثية تريد فرض فكرتها بالقوة والعنف وهذه نقطة الخلاف مع الحوثية، وسنظل ندعوهم إلى إقامة حزب سياسي، وبالتالي يطرحوا فكرتهم سياسياً.. ولا داعي للعنف، فالشعب اليوم يقف أمام سفينة الأسلحة التي تجري محاكمتها الآن في عدن، ويتساءل بتخوف: لمن هذه الأسلحة وذلك الكم والنوع المفزعان؟ هل سوق الطلح وجحان لا يوجد فيهما سلاح، ولمن الأحزمة الناسفة والمواد المتفجرة؟ ماذا ينوي القائمون على هذا العمل. تعيبون على الحوثيين امتلاك السلاح و أنتم كحزب إصلاح لديكم مليشيات و هذا أمر يعرفه الجميع .. لماذا سياسة الكيل بمكيالين؟ أولاً : أنا شخصياً أكره السلاح مظهراً وثقافة، ثانياً : لا أدري كيف ولا من أين أتيت بقولك أننا نعيب على الحوثيين امتلاك السلاح؟ أبداً ما قلنا هذا ولا مرة، فحرية تُملك السلاح متاح لمن يشاء.. ثالثاً: لستُ قيادياً في الإصلاح، وهذه دعوى أخرى لا دليل.. نعم قل وأنت إصلاحي.. وسأوفقك، رابعاً: ما تذكره من مليشيات فأقول: من المعلوم الشعب اليمني مسلح والإصلاح جزء من الشعب، ثم إن مجلس أعيان تعز بعد حريق الساحة اتخذ قراراً بحماية الثورة، وهنا انخرط الكثير في الدفاع عن الثورة ممن لا علاقة لهم بالإصلاح لا من قريب ولا من بعيد، وإذن فتسميتك مليشيات غير سديدة؛ لأن مليشيات تعني عناصر مؤدلجة.. ومن بعد استلام العميد علي السعيدي منصب إدارة أمن المحافظة رأيت الكثير من أولئك عادوا إلى بيوتهم، وبعضهم توجه إلى المملكة بحثاً عن عمل، وبقي الكثير من حملة السلاح في الشوارع، نتمنى تطبيق النظام والقانون إزاءهم بلا استثناء فقد يُترك حارس أو اثنان لكل مسئول وإنا لمنتظرون اليوم الذي تخلوا فيه شوارعنا من هذه المظاهر المشينة، آملين من السلطات المحلية في المحافظة بسط هيبة الدولة وفق خطة تعاونية بين الأحزاب والمشائخ والدولة، خطة مزمنة تنتهي بعقوبات صارمة. بعد دخول مختلف التوجهات الدينية في مؤتمر الحوار.. هل ترى في ذلك ظاهرة صحية.. و هل ثمة تخوف من السير نحو دولة دينية كهنوتية؟ سؤالك فيه غموض، بل تناقض بين قولك تزايد التوجهات الدينية داخل مؤتمر الحوار، وبين قولك هل هناك تخوف من السير نحو دولة دينية؟، فلا أدري ماهو مقصدك هل تقصد تكاثر التوجهات الدينية في الحوار سببه تخوفهم من التوجه نحو دولة مدنية؟ أم تقصد أن هناك مخاوف من كثرة التوجهات الدينية، أن يتجه الوضع نحو دولة دينية؟ أرجو تصحيح السؤال. مقاطعاً قصدي هذا التواجد الديني داخل مؤتمر الحوار يثير مخاوف من قيام دولة دينية؟ حسناً.. في نظري و نظر كل عاقل أن الحضور القوي لمن تسميهم بالتيارات الدينية يرجع إلى أن هؤلاء أولاً هم من شرائح المجتمع اليمني.. ثانياً حضورهم ليس قوياً كما تبالغ في سؤالك.. ثالثاً على فرض كثافتهم فلا خوف من قيام دولة دينية، لأن المرجع في الأخير هو الشعب الذي سيقرر النظام الإداري والسياسي للدولة، بدليل أن الثورة السلمية خرجت مطالبة بحكم مدني و بدولة وحكومة شرعية.. أي تتمتع بقاعدة شعبية حقيقية وعليه فلا خوف!!.. عبدالله القيسي: ما رأيك في إمكان دوران الحكم على الحكمة والمقصد بدلاً عن العلة؟ أولاً: فقه مقاصد الشريعة أو التعليل بالمقصد أو التعليل بالحكمة، والترجيح بالمقاصد اختلاف الأدلة هذه قضية أصولية معقدة.. لكن دعني أقرب الفكرة إلى القارئ حسب المستطاع.. فأقول: نحن ندعو إلى فقه يقوم على منهج مقاصد الشريعة المتمثل في حماية (الدين وحماية النفس، وحماية العرض، وحماية العقل، وحماية المال، وحماية الحرية) وعندما نقول (حماية) هذه الستة الأشياء نعني حماية كل ما يخدم هذه القضايا، ورفض كل ما يضر بهذه القضايا وهذا يعني: القبول بكل ما يخدم إنسانية الإنسان، ويرتقي بها نحو الرفاه، سياسياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً وحضارياً، وتقنياً، وتكنولوجياً، وطبياً وأمنياً ونفسياً، وتربوياً، وعلمياً. ثانياً: إذا حاولنا بناء الدستور والقوانين في المجال الاقتصادي والإداري والنيابي والمرور والمرافعات والجامعات...الخ، انطلاقاً من إنسانية الإنسان وحريته وكرامته.. سنلاقي صعوبة من ناحيتين، الناحية الأولى: تقصي النصوص الجزئية، فالحياة متجددة والنصوص محددة. الناحية الثانية: وهي الأهم أننا إذا حاولنا الوصول إلى تكريم الإنسان ورفاهيته من خلال جزئيات النصوص الموجزة –الروايات– فإننا ستختلف كثيراً جداً بخلاف إذا كان الفقه الإنساني مبنياً على منهج مقاصد الشريعة، فإن الاختلاف والجدال الفقهي سيكون قليلاً جداً؛ لأن منهج المقاصد ببساطة هو جلب مصلحة، أو دفع مفسدة، وعند التعارض يتم تقديم الأرجح من خلال فقه الواقع. ثالثاً: عند فساد الدولة: يلجأ الفقهاء إلى هذا المنهج.. دعنا نضرب مثال تحديد المدة الزمنية للحاكم، إذا نظرنا إليها من خلال واقعنا وما نشاهده من آثار مدمرة التأبيد والتوريث، فإن فقه المقاصد سيتحكم وجوباً وفرضاً وضرورة بتحديد المدة الزمنية لبقاء الحاكم، لكن لو احتكمنا إلى الروايات المتعلقة بهذا المقام لا يمكن أن نلتقي على حماية إنسانية الإنسان إلا بمزيد من العبودية والانبطاح والاستبداد الأسود؛ لأن الروايات الواردة في هذا الصدد- إن صحت - فهي يمكن القول عنها أنها من قضايا الإيمان، أي لا يجوز تعميمها في كل زمان؛ لأن القضايا السياسية من الأمور المتغيرة، ويجب عندها فقط مراعاة المقاصد: العدل، المساواة، الحرية، كرامة الإنسان، رفاهيته، وهذه أمور لا يجب مراعاتها والوسائل المنظمة والحامية تختلف حسب الزمان والمكان. ومثال آخر: التصوير: لو أخذنا بجزئيات النصوص سيكون كل تصوير حرام، لكن لو نظرنا إلى النصوص من زاوية منهج المقاصد سيكون الفقه مختلفاً تماماً.. إذ سينحصر التحريم في ماهو معبود ومقدس، وماهو خادش للحياء والقيم السليمة، ومن هنا فإننا ندعو إلى تجديد عقلية الفقيه قبل تحديد الفقه، فالفقه لن يتجدد إلا بتجديد عقلية الفقيه ولا تجديد لعقلية الفقيه مالم تكن إنسانية الإنسان وحريته وكرامته حاضرة راسخة في عقل الفقيه رسوخ الجبل الراسي، وأي فقه لا يستحضر إنسانية الإنسان فهو كفر بالإنسانية التي جاءت جميع الشرائع لحمايتها، ولا استحضار لإنسانية الإنسان بغير منهج الفقه المقاصدي، وقد سبق المثال الدستوري كنموذج وهو مثال من الخطورة بمكان، ومثله يقال في قضية التأمين بأنواعه فالفقه المقاصدي سيتحرى المصلحة والعدل، والفقه القائم على النصوص الجزئية سيدخلنا في تيه يضيع معه العدل والمصلحة. غير أن من الأسوأ فقهياً أن تسمع في دولة عربية تحريم التأمين مطلقاً، وقبل أربع سنوات صدرت توجيهات عُليا في هذه الدولة بتطبيق التأمين ولا يوجد قانون منظم.. فسمعنا الفتوى على الفور بالجواز؛ لأن ولي الأمر قد نطق!! وهكذا دخلت الفتوى في تقديس الأشخاص، تكريس الاستبداد، بل دخلت في الشرك قول (لا يُسأل عما يفعل) والعياذ بالله. تلك هي باختصار فائدة تقديم فقه المقاصد على غيره علماً بأن الموضوع بحاجة لمزيد من البسط، ولكن حسبنا هذا. الشيخ علي القاضي، قال في نقاش سابق في هذه الصفحة إن فقه المقاصد هو المطار الذي أقلع منه العلمانيون وأشباههم ما تعليقك؟ أولاً: للشيخ علي القاضي وجهة نظر في هذا الأمر.. ثانياً: أنا في حدود علمي و اطلاعي ما وجدت علمانياً ينطلق من مقاصد الشريعة فالرسيوني شاطبي العصر، و القرضاوي و طه العلواني والغنوشي و غيرهم من كبار المفكرين مثل د . عمارة و محمد سليم العواء و فهمي هويدي.. هل هؤلاء علمانيون؟ ثالثاً: إذا وجدنا من العلمانيين من يقول باعتماد فقه المقاصد فالصواب أنه ليس علمانياً.. و أعتقد أن للعلمانية عند الشيخ علي القاضي تعريفاً مختلفاً عما هو متعارفة عليه. أمين الصلاحي ما الذي ينقص الفقيه المعاصر؟ كثيراً ما طرحت في نقاشاتي و كتاباتي، أننا بحاجة إلى فقيه يجمع بين الفقه والفكر و الثقافة.. و إذا اجتمعت لديه هذه المكونات الثلاثة، لا شك أن فتواه ووعضه وخطابه سيكون أكثر سداداً و صواباً.. وقلت وما زلت أقول بأن الفقيه إذا لم يستطع الإلمام بالفكر والثقافة فإنه أصبح من الضرورة أن يكون إلى جوار الفقيه أشخاص من حملة الفكر والثقافة.. يتبادلون معه وجهات النظر وبالتالي إصدار الفتوى أو الخطبة. هل الفيدرالية هي الحل الأمثل للواقع اليمني اليوم؟ دعنا من مفردة فيدرالية، و دعنا من مفردة حكم محلي واسع أو كامل الصلاحيات، و دعنا.. دعنا لأننا قد سئمنا الصراع اللفظي، و هو أحد مظاهر الأزمة الثقافية التي غرسها المستبد. المهم هو أننا نطالب بأية صورة من صور النظام الإداري يتم تطبيقها في المستقبل.. بحيث يتمكن أبناء المحافظات من إدارة مواردهم وشؤونهم بعيداً عن المركزية والوصاية.. نعم أية صورة في ظل الوحدة.. ولك أن تسمها الديمقراطية اللامركزية أو سمها بأي مصطلح سمها صراع الألفاظ.. أربع رسائل الأولى للإصلاح 2 لحزب الرشاد 3 للحوثيين 4 لمن يريد يعرقل المرحلة الانتقالية. للإصلاح: لقد لمسنا نقلة قوية في خطابك خلال سنتي الثورة، فكان خطاباً إنسانياً، ولكن المستقبل بحاجة لطرح أكثر وأكثف وأقوى وأوسع، لخطاب محوره إنسانية الإنسان.. خطاب يتواكب مع المتغيرات الثقافية والاجتماعية...الخ حزب الرشاد: ابدأوا من حيث انتهى الآخرون، فلا تضيعوا الفرصة، والمستقبل معكم. للحوثيين: السلاح.. أعني فرض الفكرة بقوة السلاح لن يخدم قضيتكم، بل سيفسدها اعتقدوا ما شئتم بطنين، أو غيرها فما خالفكم أحد خلال تاريخ اليمن، المشكلة العنف. للطامعين في عرقلة الفترة الانتقالية نقول لهم: هيهات.. انطلق التاريخ إلى الأمام، والشعب قادر أن يطعمكم (الحصرم العنب الحامض) نذكرهم بقول شاعر القوات المسلحة العقيد عبدالله معجب "شبت عن الطوق أرضى يا مراوغها فانظر لدجلك كهاناً وغلماناً". خمسون عاماً درس شعبنا فيها الشيء الكثير، وبالتالي محاولتكم مصيرها الفشل.. مهما عظمت وسائلكم وتنوعت وسائلنا فوق غاياتكم وأسمى وغاياتنا أعظم.. البردوني رحمه الله.. أخيراً عن الإسراء والمعراج هل من مفاهيم جديدة؟ لدي موضوع فيه نظرات جديدة، أرجو نشره بالتزامن مع هذه المقابلة. كلمة أخيرة: أشكرك وأشكر صحيفة الجمهورية ممثلة برئاستها وطاقمها على هذه التألق في العطاء، آملين لهم مزيداً من العطاء المضطرد.