لليوم الثالث على التوالي كان مذيع نشرة إحدى الفضائيات اليمنية يقرأ خبراً مفاده أن مسلحين من آل جردان يمنعون فرق الصيانة من إصلاح خطوط نقل الكهرباء من هجمات المخربين، لكن الخبر لم يثر تعاطف المواطنين، بل على العكس أثار السخط على أداء الحكومة المتراخي إزاء الاعتداءات المتكررة على خطوط نقل الطاقة الكهربائية، في حين أخذت قضية ضرب الكهرباء بُعداً دولياً من خلال التقرير الذي تقدم به مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر إلى مجلس الأمن الثلاثاء الماضي، الأمر الذي علق عليه بعض المواطنين بالقول إنه «يبدو أننا بحاجة إلى تدخل مجلس الأمن للحصول على التيار الكهربائي نظراً للتعامل الذي تبديه الحكومة مع مخربي الكهرباء». ويرى المهندس حسن مغلس من تعز أن ضرب أبراج الكهرباء وعجز الجهات المعنية عن اتخاذ موقف حازم تجاه المخربين يخفي وراءه حقيقة أكبر عن وجود مراكز قوى تحول دون اتخاذ مواقف الحزم الطبيعية التي يفترض أن تتخذها الحكومة تجاه أي مخربين يتسببون بالضرر في البنية التحتية والمصالح القومية للبلاد. في الثاني من يونيو الجاري أعلن وكيل محافظة مأرب محمد الفاطمي عن استقبال كتيبة من القوات الخاصة مكونة من «500» فردً وعلى مستوى عالٍ من الجاهزية لمواجهة أعمال التخريب التي تحدث في مأرب، وفي نفس اليوم مباشرة صرّحت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال عن إحباط محاولتين جرتا في يوم واحد لتفجير الأنبوب الرئيس لنقل الغاز الممتد بين مأرب وميناء بلحاف، وقد كشف مجلس الوزراء في اجتماعه المنعقد في الرابع من يونيو الحالي أن تنظيم القاعدة كان يقف وراء واحد من الهجومين اللذين تم إحباطهما على خطوط نقل الغاز، وتعد تلك هي المرة الأولى التي يعلن فيها عن إحباط محاولات لتفجير الأنبوب. ورغم أن كثيراً من المواطنين اعتبروا أن خطوة تعزيز التواجد الأمني في مأرب يعد إجراء متأخراً «لم يكن يحتاج إلى خبراء دوليين للقيام به» على حد تعبير البعض، إلا أن مسألة توفير الحماية للمصالح الوطنية لم تشمل الكهرباء، فخلال «12» يوماً منذ الثاني من يونيو تعرّضت الكهرباء لأربع عمليات تخريب، والأسوأ من ذلك أن المسلحين يمنعون فرق إصلاح الكهرباء من القيام بأية عمليات صيانة لمواقع الضرر، دون أن يسمع أحد أن فرق الأمن والجيش قامت بأية مواجهات رادعة مع المخربين المتواجدين لمنع فرق الإصلاح من القيام بمهامها، الأمر الذي اعتبره أخصائي التنمية البشرية أنيس مبخوت (تحدياً مهيناً لسيادة الدولة من قبل المخربين، وأن سكوت الدولة عن مثل هذه التصرفات سيؤدي إلى تشجيع مثل هؤلاء المخربين على التمادي في الإضرار بمصلحة الوطن). لكن مشاكل الكهرباء لا تقتصر على أعمال التخريب من قبل الخارجين عن القانون، فقد كشفت مصادر مطلعة في المؤسسة العامة للكهرباء ل«الجمهورية»: (أن هناك مشاكل أخرى مالية بين وزارة الكهرباء ووزارة النفط حول أسعار الوقود ومشاكل أخرى بين مؤسسة الكهرباء ووزارة المالية حول المديونية المتأخرة لدى المؤسسات الحكومية والتي عقد بشأنها رئيس الجمهورية في الأسبوع الأخير من شهر مايو الماضي اجتماعاً حضره رئيس الوزراء ووزيرا النفط والمالية ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للكهرباء ونائبه في حين سجّل الاجتماع غياب وزير الكهرباء، وقد شدّد رئيس الجمهورية خلال الاجتماع على ضرورة حل أي نوع من المشاكل من أجل توفير الطاقة الكهربائية للمواطن دون أي تهاون). فاتورة عقوبات في المكان الخطأ الشهر الماضي فوجئ الحاج عبدالله دائل الصبري الذي يسكن بالإيجار غرفة وحيدة مع حمام في حي الجحملية بمدينة تعز بفاتورة الكهرباء تطالبه بدفع «15000» ريال عن الاستهلاك لمدة شهرين. يقول الحاج دائل: «بغض النظر عن التيار الكهربائي المنقطع على الدوام ، أنا لا أمتلك أي أجهزة كهربائية أصلاً قد تؤدي إلى ارتفاع قيمة استهلاكي للكهرباء، واستخدامي للكهرباء يقتصر على لمبات الضوء في غرفة وحمام أسكنها أنا وزوجتي فقط»، وأضاف الحاج دائل: «يبدو أن وزارة الكهرباء تعالج مشاكلها على حساب المواطنين عبر تحميلهم مبالغ ضخمة ثمناً لاستهلاك كهرباء غير موجودة» وطالب الحاج دائل بتشكيل لجنة من أية جهة كانت للنظر بحجم استهلاكه للكهرباء ومعرفة ما إذاء كان يمتلك أي أجهزة كهربائية في مسكنه باستثناء مصابيح الإنارة. استمرار عمليات التخريب للكهرباء لا ينسجم أبداً مع الحالة التي تعانيها خدمات الكهرباء في اليمن فقد كشف التقرير الاقتصادي السنوي الصادر في الثامن من يونيو الجاري عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن «58 % من سكان اليمن بلا كهرباء» الأمر الذي يستلزم قيام الحكومة اتخاذ خطوات جدية لردع المتورطين بتخريب خطوط نقل الطاقة الكهربائية من أجل الحفاظ على الجزء الضئيل من خدمات الكهرباء خصوصاً أن الأمر لم يعد يقتصر على الظلام فقط بل إنه يؤثّر بعمق على الاقتصاد، إلى جانب مخاطر بيئية ناجمة عن الغازات المتصاعدة من المولّدات التي أصبح كثيرون من المواطنين يعتمدون عليها للحصول على الضوء!!.