يروي فيلم Quiz Show قصة الفضيحة التي كادت تطيح بالتلفزيون الأمريكي في خمسينيات القرن الماضي بعد أن تم الكشف عن التلاعب الذي كان يمارسه منتجو برنامج المسابقات “21” لزيادة جرعة الإثارة وبالتالي زيادة عدد المشاهدين، وهو ما أدّى بالكونغرس الأمريكي حينها إلى التحقيق مع المتورطين ومعاقبتهم وإيقاف برنامجهم. وإذا كان التلفزيون الأمريكي جرّاء هذه الفضيحة وفضائح أخرى قد تم ضبطه بجملة من القوانين التي تمنع - أو تقلّل من - حجم التلاعب فيه، حمايةً للمشاهد من الأوهام التي يروجها صنّاع الترفيه التلفزيوني، فإن العالم العربي، حديث العهد بالثورة الفضائية، لايزال يئن تحت وطأة الفوضى التلفزيونية التي لا تحكمها قيود ولا تضبطها قوانين، فأصبح لكل قناة الحق في إنتاج أي برنامج وتوفير كل الاحتياجات التي توهم المشاهد - والمعلن - أن هذا البرنامج حديث الناس و«شاغل الملايين» ويكفي أن تملأ الاستوديو بجمهورٍ مستأجرٍ يصفّق متى أراد المنتج ذلك!!. تكتسح الفضاء العربي هذه الأيام موجة برامج المسابقات الغنائية “إكس فاكتور وعرب آيدل” وغيرها من البرامج التي تعتبر تتويجاً للشرارة التي أطلقها برنامج “ستار أكاديمي” و“سوبر ستار” قبل سنوات، ومع كل انطلاقة لأي برنامج منها تأتي الديباجة المعهودة التي تؤكد أن البرنامج ما جاء إلا لتطوير الموسيقى العربية واكتشاف المواهب التي سترتفع بقيمة الأغنية، لكن الواقع يقول إنه لا تطوير حدث ولا مواهب استمرت، ومن استمر - وهم قليلون جداً - لم يقدموا إنتاجاً مختلفاً عن السائد، بل كانوا وسيلة لتكريس الوضع السيئ للأغنية العربية، ويستثنى من ذلك - وبكثير من التساهل - برنامج “عرب آيدل” الذي أدار جيداً نجوم موسمه السابق؛ دنيا بطمة ويوسف عرفات وكارمن سليمان. على أي حال.. لقد جاءت هذه البرامج من أجل هدف واحد، أو هدف أساس من بين جملة أهداف، هو تحقيق أكبر عائد مادي من الإعلان ومن رسائل الجمهور، ولم يكن هدف تطوير الذائقة الفنية دافعاً محرّكاً في يوم من الأيام، لذلك يقوم منتجو هذه البرامج باصطناع كل الوسائل التي تسهم في جذب الجمهور، ومن ذلك اختيار المشاهير لعضوية التحكيم حتى لو كانوا من أقل الناس فهماً للموسيقى، وحتى لو كانوا يصنعون أغاني سيئة تتناقض مع الهدف المعلن لمنتجي هذه البرامج، ألا وهو تطوير الأغنية العربية. في برنامج “إكس فاكتور” من يقيّم المواهب هو وائل كفوري وتساعده إليسا، ولا تسأل عن الوعي الموسيقي الذي يملكه الاثنان ولا عن أعمالهما الهزيلة التي لا تخولهما للحكم حتى على شعبان عبدالرحيم!، لا تسأل عن ذلك لأن المهم هو نجوميتهما التي ستضمن متابعة أكبر عدد من الجمهور.. نفس الأمر ينطبق على برنامج “عرب آيدل” الذي جاء بالفنانة أحلام ووضعها في لجنة التحكيم ليس لمعرفتها الموسيقية؛ بل لأنها مثيرة بتصريحاتها ومشاكساتها، وأصرّ منتجو البرنامج على وجودها في الموسم الثاني لأنهم رأوا في صراعها مع راغب علامة عامل جذب إضافي للجمهور، ثم زادوا بجلب نانسي عجرم لاعتقادهم أن وجودها سيزيد من حدة الصراع بين أحلام وراغب، وما جرى في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في دبي قبل انطلاقة البرنامج يؤكد هذا الاعتقاد، مثل هذه الإجراءات يلجأ إليها صنّاع البرامج الترفيهية العربية لضمان نسبة عالية من الجمهور، تماماً مثلما فعل أبطال فيلم Quiz Show.. إنهم لا يصنعون برامج مسابقات بل برامج استعراضية الهدف منها إمتاع المشاهد وضمان ولائه، وحتى تتحقّق المتعة الكاملة منها لابد من النظر إليها كمسرحيات لا برامج مسابقات!!.