في سد المنافذ والحواس التي جعلها الله هي التي تنقل للجسم ما يحس به الإنسان وما يراه وما يسمعه وما يشعر به فيمنع عن العين كل النظرات التي حرمها الله في كتابه وبيَّنها النبي في سنته ويكون صيام العين بقول الله {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} والأذن يسدها عن سماع الكذب والغيبة والنميمة فيترك كل سماع حرَّمه الله وأنَّب الله على من فعله وقال في فاعليه وهم اليهود {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} إذاً لا بد أن تصوم الأذن عن سماع الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وأقوال الخنا والفجور وهذا مقتضى جهاد الجسم أما اللسان فيصوم عن اللغو ويصوم عن المحرمات من السب والشتم واللعن والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة وقول الزور لقول الحبيب في الأمر الجامع لسوءات اللسان {مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَه}[2]. ووضع الروشتة الإلهية للصائمين المُخلصين الصادقين فقال {إذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَصْخَبْ فإنْ سابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قاتَلَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إنّي أمرؤ صائِمٌ}[3] الرفث هو الكلام عن الجماع أو عن النساء أو ما شابه ذلك ولا يصخب أي لا يرفع صوته بأي كلام يُغضب الله وهذا صوم الصادقين الذين يجاهدون في صوم اللسان كما قال سيدنا رسول الله في حديثه المبارك وصوم الأيدي عن الشكايات الكيدية والبلاغات الظالمة فضلاً عن السرقة وإعانة الظالمين ومد اليد للمساعدة مع البعيدين عن الله الذين يسعون لظلم العباد وإفساد البلاد وصوم الرِّجل عن الحركة إلى أي مكان حرَّمه الله فجهاد الجسم بصيام الحقائق التي جعلها الله نوافذ للجسم وهذا صيام العلماء والحكماء الذين قيل في شأنهم: إذا ما المرء صام عن الخطايا -- فكل شهوره شهر الصيام وقول الحبيب في روشتته الجامعة (إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاء)[4] (ليس البطن والفرج فقط ولكن السمع والبصر واللسان أما النفس فهي كما قال الله في شأنها). كل عام وأنتم بخير وكل عام وأنتم إلى الله أقرب