كان الإمام محمد عبده رحمه الله يرفض استخدام مصطلح الطوائف الطائفية للتعبيرعن حالة الاختلاف المذهبي بين المسلمين، وكان يرى أن الاختلاف الديني بين المسلمين قد تبلور في المذاهب المعروفة، ولا يصح توصيفه على أنه خلاف طائفي؛ لما يحمله مصطلح الطائفية من معانٍ سلبية لا تمت بصلة إلى حقيقة التنوع المذهبي والاختلاف الفقهي. والحقيقة إن أمتنا لم تعرف استخدام مصطلح الطوائف أو الطائفية في توصيف حالة الاختلاف المذهبي، وإن كان المصطلح قد استُخدم للتعبير عن حالة الاختلاف السياسي، والاستخدام الأشهر له في تجربتنا الثقافية وخبرتنا التاريخية كان للتعبير عن حالة الخلاف والتناحر السياسي بين المسلمين في الأندلس فيما عُرف ب (ملوك الطوائف). ويرى المفكر زيد بن علي الوزير أن مصطلح الطائفية هو من صياغة المسيحيين في مصر ولبنان، وأن المصطلح بمعناه المعاصر قد أخذ مفهومه الديني من حالة الصراع السياسي الذي حدث في لبنان بين أبناء الديانات المختلفة. وما يقوله الأستاذ زيد الوزير هنا هو من باب الاستقراء الذي يوقفنا على جذور المصطلح وخلفيات نشأته، وبالتالي يجعلنا ندرك خطورة استخدام المصطلح في توصيف حالة الاختلاف المذهبي بين المسلمين؛ لأننا بهذا التوصيف نرفع مستوى الاختلاف من (المذهبي) إلى (الطائفي)، وهو ما يعني عملياً تمزيق الأمة الواحدة إلى طوائف متناحرة، وخلق هويات طائفية تستند على الحالة المذهبية وتجنح بها بعيداً خلف أجندة سياسية قد تكون ظاهرة أوخفية. والإشكال الخطير هنا أن مصطلح (الطائفية) لم يعمق حالة الاختلاف بين أبناء الأمة الواحدة فحسب، ولكنه أصبح حائلاً يحول دون الاستماع إلى الآخر وتفهُّم ما لديه، والمفارقة هنا هي أن الأكثر تعصباً وتحجراً ورفضاً لقبول الآخر هم من يرفعون شعار التحذير من الفتنة الطائفية، والفتنة الطائفية هنا ليست سوى الصوت الذي لايعجبهم، والطائفي ليس سوى ذلك الذي ينتقدهم معرفياً أوسياسياً، ويمكن القول: إن طغاة السياسة وكهنة الدين قد وجدوا في مصطلح الطائفية ملجأً يهربون إليه، وملاذاً يعتصمون به، ليبقى لهم جهلهم وطغيانهم واستبدادهم بعيداً عن متناول النقد ومجاهر الكشف! وربما صدّقنا من يرفعون شعار (التحذير من الفتنة الطائفية) حين يرفعون هذا الشعار في مواجهة من يحرض على العنف تجاه الآخر، ولكن أن يصبح النقد الموضوعي (فتنة طائفية)والموقف السياسي المخالف (فتنة طائفية) فهذا ليس سوى استغلال رخيص لمصطلح مُثقل بالحمولات الملتبسة.