قد يكون من الغريب القول: إن التغيُّر المناخي كان واحداً من الأسباب المهمة في اندلاع ثورات الربيع العربي، لكن تقريراً أمريكياً حديثاً بعنوان (الربيع العربي وتغيّر المناخ) قد حمل في طياته مبررات بيئية مقنعة ترى في التغيّر المناخي سبباً مهماً في خلق كل عوامل الإجهاد البشري، تلك التي تستطيع إشعال فتيل متأجّج من الظروف القاهرة التي يقع بها الانفجار. التقرير تم عرضه في مجلة البيئة والتنمية اللبنانية إبريل 2013، ورغم أن الكثير قد اعتبر أن مسألة ارتباط الربيع العربي بالتغيرات المناخية أمراً يخلومن الواقعية ولا يمكن الجزم به، باعتبار أن هناك مسافة شاسعة بين هذا الأمر وذاك وأن الثورات اندلعت بفعل بشري بعد أن تكالبت ظروف سياسيه واقتصادية واجتماعية قاهرة. خبراء البيئة بدورهم قد جزموا بوجود علاقه وان لم تكن مباشرة، فسنوات طويلة من الجفاف والتصحر وزيادة شحة المياه وتآكل المساحات المزروعة كلها عوامل قاهرة وتهيئ لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية متوترة كثيراً ما تنتهي إلى الفوضى. هناك نماذج مباشره من هذه التأثيرات، فالجفاف وشحة المياه قد لعبا دوراً مهما في انعدام الأمن الغذائي وليس المقصود هنا الفراغ الغذائي لأنه أمر مستحيل لكن هناك ازدياد في أسعار الغذاء عالمياً كان السبب فيه تراجع المحاصيل الزراعية بسبب موجة الجفاف التي ضربت الصين وروسيا قبل أعوام، وقد شهدنا ثورة للرغيف في مصر في العام 2008م أو بالأحرى احتجاجات كبيرة على زيادة أسعارها، وقد شكّل هذا نواة للحراك الثوري الذي كبر وتضخم حتى ظهر بتلك الصورة التي شاهدناها في العام 2011م. اعتبر الدكتور مصطفى كمال طلبه، المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأممالمتحدة: أن الحكومات العربية لم تُحدث أي تغيير فيما يخص حماية البيئة والإدارة السليمة لموارد الثروة الطبيعية، رغم أنها تشكل أساساً متيناً لعمليه البناء التنموي الاقتصادي، فالحفاظ على موارد الدولة الطبيعية يعني منحها فتره أطول في الاستقرار، والنموذج المصري يعد من أكثر النماذج العربية تأثراً بسبب العوامل الجغرافية، وانتشار المساحات القاحلة في ظل ازدياد سكاني مريع، فمصر هي اكثر البلدان استيراداً للقمح في العالم بمعدل 9ملايين طن في العام. في سوريا لعبت التغيرات المناخية دوراً في تأجج الوضع وانحلال العقد الاجتماعي ،فمنذ العام 2006م شهدت الكثير من الأراضي السورية فترات جفاف طويلة أدت إلى تراجع حاد في المحاصيل الزراعية، تضررمنها حوالي 1,3مليون شخص حسب تقرير الأممالمتحدة 2011م، وهذه الإضرار قد دفعت بالأوضاع الاقتصادية نحو الأسوأ، حتى رزح قرابة ثلاثة ملايين تحت خط الفقر، وهذه الأسباب قد شكلت ضغطاً على السكان وعلى البلاد برمتها، والشاهد حقاً أن سوريا شأنها شأن باقي البلدان العربية تعاني من سوء إدارة الموارد الطبيعية والدينامية الديموغرافية رغم أنها دعمت زراعة القمح والقطن وهي من المحاصيل الزراعية التي تستهلك كميات كبيره من المياه. ولست هنا اجزم بتأثيرات التغيرات المناخية على المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بقدر ما اعتبره سبباً من أسباب هذه الاضطرابات التي أفضت إلى هذه الثورات وإن كانت غير مباشرة..وللموضوع تتمة.