في تلك الأماكن التي هجرتها الدولة وغابت عنها الخدمات بأدنى مستوياتها نجد الجهل يتربّع في مرافئها ويطيب له المقام فيها ويتغلغل في العمق بكل حرية وأمان بحيث أصبح فيها ظلم الأنثى سلوك حياة يتوارثه الآباء والأحفاد وبكل كبرياء يسود بظلماته ويتنقل مختالاً في زوايا المكان وكيف لا فقد عشقه الجهلاء هناك من ظالم ومظلوم على حد سواء. فالأنثى تعيش هناك في قلب الظلمات المثقلة بالعذاب والحرمان والتهميش والإهمال تحاصرها الظروف وقساوتها وظلام ذاك الموروث المتأصل والمتجدد في النفوس والذي يزيدها جهلاً وغشاوة غياب الدولة بالدعم والتعليم والتوعية والإرشاد فكثيراً ما نسمع عن وجود للدولة ومنظمات وهيئات معنية بحقوق الإنسان واتفاقيات مبرمة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومنها تلك الاتفاقية التي تقضي في جزء منها(...وتشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج وبكل الوسائل الممكنة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة) لكننا لا نلتمس هناك الأثر إلا لبيئة متعثرة وسلوكيات خارج حدود الدين والزمن، فوعورة الطريق ورداءتها وغياب الخدمات بشكل عام جعلت أهالي تلك الديار يتخذون من الأنثى عزاءهم الوحيد وخير بديل تمكنهم من الاستغناء عن خدمات النقل الحديثة والقديمة! ولاعيب في ذلك ولا ريب! فكل تلك ترجمة متواضعة منهم للأصالة! باحتفاظهم وتمسكهم والولاء بموروث سخيف توارثته الأجيال عن تلك العصور الغابرة وتوجّه القوم حكماً على عرش موطنهم، فتمردوا عن الإنسانية وحادوا عن نور الدين وضوابط القانون، فكفل لمن اعتنقه الحق في العنف والحرمان والمواجهة والنكران لأدنى حقوق الأنثى ومن ثم الشطب التام لآدميتها من قائمة الإنسان وهى بدورها تستنشق الظلم وتركض في الظلام دون أدنى شعور منها بسعير نيرانه والفوران، فقبل أن تولد فيها الأماني تموت مع الأحلام تسألها: لماذا وكيف وما السبب وبكل ثقة تجيب (أنا أنثى وذاك هو سيدي وأنا العبد له ماحييت) تلك هي ثقافة المكان التي رضعت منها هي وأمها وجدتها وكل بنات جنسها فأصبحت مبدأً لا تحيد عنه إلا من أصابها هبل أوجنون، فإيمانها الذي ترسخ بحكم فلسفة البيئة وثقافة المكان السائدة يقنعها دوماً أن ذاك هو موقعها الطبيعي كأنثى فلمَ تستاء وتشتكي وتتذمر ولمَ تعارض القدر؟. فمن أحضان تلك الأرض الخصبة التي تجود بشتى صور الظلم والعذاب ومن مناهل آبارها وأنهارها والمستنقعات تشرب مختلف ألوان الظلم وماتعي انه ظلم بحقها يعاقبهم عليه الرحمن وتجرّمه الأديان وما تأبه بضرره والأثر، فإذا تجرأت الجوارح يوماً وخاطبتها من وسط الجراح والآلام وحاكتها النفس بصوت خافت من على منبر الوجدان(أترين أبشراً أنا أم حيوان،،،؟) فسرعان ما تنطلق تلك المعتقدات الراسخة المتمكنة في فكرها ودمها وذاتها والكيان لتدوي وتصرع كل ما تراه انحرافاً وإجراماً وتتعالى في داخلها أصوات التأنيب والتوبيخ والاستغفار وكأن الصحوة رجساً من عمل الشيطان على إثره ستحاكمها ثقافة البيئة وستصدر حكماً بالإعدام ، فسفوح تلك البقاع ووديانها وهضابها وسهولها وديارها والجبال كلها مستوطنات للظلم والعنف ضد المرأة سيطر روّادها على واحات الفكر والوجدان بحيث لا يرى الرجل بتعامله مع الأنثى أي نوع من أنواع الأذى، فلا يرى إطلاقاً أي صنف من أصناف العنف ولايرى حتى وجود لطيفه يمر في حدود المكان، فالمرأة في وجهة نظره فقط مخلوق لأجله، فهي مجرد أداة لخدمته لا تمتلك الحق في العيش الكريم لا رأى لها ولا فكر ولا كيان ،لا إحساس لها ولا مشاعر، الشيء الوحيد الذي يحق لها امتلاكه ومشروطه بصوت يملأه الذل والخضوع هو كلمة حاضر، فهل يا ترى ستظل تلك البقاع مهجورة وهل سيبقى فيها العبث بالأنثى والجهل بحقوقها والظلم والنكران موروثاً عنيداً يأبى الانهيار؟.